وصف تقرير للبنك الدولي الوضع في سوريا بأنه “شديد التقلب”، وربط تعافي الاقتصاد السوري بتحسن الأوضاع الأمنية، واستقرار المؤسسات، وتخفيف العقوبات الدولية، وزيادة المشاركة الاقتصادية الدولية.
وذكر البنك الدولي في تقريره الصادر اليوم، الثلاثاء 7 من تشرين الأول، أنه مع حالة “عدم اليقين” قد يشهد الاقتصاد السوري نموًا بنسبة 1% في العام الحالي، بعد انكماش يقدّر بنحو 1.5% خلال عام 2024، ما يمثل أول تحسن طفيف منذ عام 2022.
وبحسب التقرير، تواجه الحكومة الانتقالية، التي تسلمت السلطة في كانون الأول 2024، مهمة صعبة لإعادة بناء الثقة بالاقتصاد بعد أكثر من عقد من الصراع.
وقد انكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 53% بين عامي 2010 و2022، ما دفع البنك الدولي لتصنيف سوريا كدولة منخفضة الدخل منذ عام 2018، وفق التقرير، كما تشير البيانات إلى أن الانكماش الفعلي ربما كان أعمق من التقديرات الرسمية.
تراجع السياحة والطاقة والتصنيع
أوضح التقرير أن العقوبات والصراع المسلح أعادا تشكيل بنية الاقتصاد السوري بشكل عميق، إذ تراجعت قطاعات السياحة والطاقة والتصنيع، بينما برزت تجارة وإنتاج مادة “الكبتاجون” خلال فترة حكم النظام السابق، كأحد المصادر الرئيسة للدخل في اقتصاد الحرب.
كما فقدت سوريا دورها السابق كمصدر نفط إقليمي، لتتحول إلى دولة تعتمد على واردات النفط والمواد الغذائية، مع تراجع إنتاج الحقول المحلية التي تخضع بمعظمها لسيطرة “فصائل” غير حكومية.
%9 فقط من إنتاج النفط
أدت العملية العسكرية التي نفذتها “قوات المعارضة” بقيادة “هيئة تحرير الشام” (المنحلّة حاليًا) في كانون الأول 2024، إلى سقوط النظام السوري، وانتقال السيطرة على نحو 78% من السكان و60% من النشاط الاقتصادي إلى الحكومة الانتقالية الجديدة.
ومع ذلك، لا تزال الأخيرة تسيطر على 9% فقط من إنتاج النفط، في حين تبقى الحقول الأساسية تحت سلطة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، وفق تعبير التقرير.
ورغم تحسن قيمة الليرة السورية بنحو 29% بين تشرين الثاني 2024 وآب 2025، مدفوعة بعودة المغتربين وتخفيف بعض العقوبات، فإن أزمة السيولة لا تزال قائمة، مع استمرار القيود على السحب والتحويلات الإلكترونية وتأخر رواتب القطاع العام.
عجز الموازنة مرتفع
أشار التقرير إلى أن أسعار المواد الغذائية شهدت استقرارًا منذ مطلع العام الحالي، بل انخفاضًا على أساس سنوي، نتيجة ارتفاع قيمة الليرة، وإزالة نقاط التفتيش العسكرية، وتدفّق السلع المستوردة الرخيصة، معظمها من تركيا.
لكن عجز الموازنة لا يزال مرتفعًا عند نحو 6% من الناتج المحلي الإجمالي، بينما يبلغ الدين العام الخارجي حوالي 104%، ما يقيّد قدرة الحكومة على الإنفاق الاجتماعي والاقتصادي.
ورغم ارتفاع التمويل الإنساني لسوريا بنسبة 70% خلال النصف الأول من عام 2025 مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، نتيجة الدعم التركي، فإن مستوى المساعدات لا يزال أقل بالثلث مما كان عليه عام 2023، بحسب البنك الدولي.
توقعات حذرة
يتوقع البنك الدولي أن يكون النمو في 2025 متواضعًا وغير كافٍ لتعويض الخسائر السابقة، مع استمرار ارتفاع معدلات الفقر، ويرى التقرير أن تخفيف العقوبات بشكل أوسع وإعادة فتح طرق التجارة يمكن أن يسهما في إنعاش الاقتصاد، خصوصًا في حال تحسن استقرار قطاع الطاقة وعودة مزيد من اللاجئين.
كما ذكر التقرير أن نحو 780 ألف لاجئ (أي 12% من إجمالي اللاجئين في الخارج) و1.7 مليون نازح داخلي عادوا إلى مناطقهم منذ سقوط النظام حتى منتصف آب الماضي، مشيرًا إلى أن هذه العودة، رغم كونها عبئًا على المدى القصير، قد تسهم في تحفيز النمو الاقتصادي على المدى المتوسط عبر زيادة الطلب والعرض في سوق العمل.
منحة بـ146 مليون دولار
قال البنك الدولي، في 25 من حزيران الماضي، إنه وافق على منحة قدرها 146 مليون دولار لمساعدة سوريا على استعادة الكهرباء بشكل موثوق وبأسعار معقولة ودعم التعافي الاقتصادي للبلاد.
وأوضخ البنك الدولي في بيان صادر عنه، أن مجلس المديرين التنفيذين للبنك الدولي وافق على المنحة التمويلية لسوريا من المؤسسة الدولية للتنمية (IDA)، وفق برنامج “مشروع طوارئ كهرباء سوريا” (SEEP).
يهدف المشروع إلى إعادة تأهيل خطوط النقل ومحطات المحولات الكهربائية المتضررة، وتقديم المساعدة الفنية لدعم تطوير قطاع الكهرباء وبناء قدرات مؤسساته.
مدير قسم الشرق الأوسط في البنك الدولي، جان كريستوف كاريت، قال إن من بين احتياجات إعادة الإعمار العاجلة في سوريا، برزت إعادة تأهيل قطاع الكهرباء كاستثمار بالغ الأهمية، من شأنه تحسين الظروف المعيشية للشعب السوري، ودعم عودة اللاجئين والنازحين داخليًا، وتمكين استئناف خدمات أخرى مثل خدمات المياه والرعاية الصحية للسكان، والمساعدة في دفع عجلة الانتعاش الاقتصادي.
وأضاف المسؤول أن “مشروع طوارئ كهرباء سوريا” يمثل الخطوة الأولى في خطة البنك الدولي لزيادة دعمه لسوريا في مسيرتها نحو التعافي والتنمية.