“حراقات” تكرير النفط تنشر “السموم” بدير الزور

حراقات بدائية في بلدة حوايج البومصعة بريف دير الزور الغربي - 4 تشرين الاول 2025 (عنب بلدي)

camera iconحراقات بدائية في بلدة حوايج البومصعة بريف دير الزور الغربي - 4 تشرين الاول 2025 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

دير الزور – عبادة الشيخ

يعيش سكان ريف دير الزور، شرقي سوريا، صراعًا يوميًا مع “الحراقات البدائية” لتكرير النفط الخام، التي ما زالت تنفث السموم منذ سنوات.

منذ خروج آبار النفط عن سيطرة النظام السوري السابق، عام 2012، انتشرت ممارسات عشوائية في تكرير النفط، وتحولت اليوم إلى “كارثة” بيئية وصحية متفاقمة تهدد ببقاء آلاف المدنيين تحت وطأة الأمراض السامة، لتبقى المنطقة في حالة طوارئ بيئية وإنسانية دائمة.

ويعاني سكان ريف دير الزور الغربي من أضرار صحية وبيئية جسيمة ناجمة عن انتشار “الحراقات البدائية” الخاصة بتكرير النفط الخام، وفقا لما قاله أهالٍ لعنب بلدي، إذ تبعث تلك “الحراقات” دخانًا كثيفًا يملأ الأجواء ويصل حتى المنازل.

وأكد عدد من الأهالي أن الروائح السامة المنبعثة من هذه “الحراقات” تسببت بأمراض خطيرة، أبرزها السرطانات والتهابات الكبد والجهاز التنفسي، إلى جانب معاناة الأطفال وكبار السن من ضيق التنفس والسعال المزمن.

في المقابل، يبحث الأهالي عن حلول تحد من انتشار هذه “الحراقات” أو تنظم عملها بما يقلل من مخاطرها.

وفي ظل ظروف اقتصادية صعبة وشح في الوقود، لا تزال هذه “الحراقات” تنتشر بعيدًا عن أي معايير هندسية أو بيئية، وتعتمد الطريقة على حرق النفط الخام بحفر وأحواض بدائية.

وتتكون كل “حراقة” من خزان معدني أسطواني الشكل يشبه البرميل، وتختلف أحجامها وفقًا لسعتها، لكن أصغرها يتسع لـ50 برميلًا، بحسب حديث سابق لمحمد الشيخ، وهو عامل في إحدى هذه “الحراقات”.

وتستخدم “الحراقات” مخلفات النفط، المعروفة بـ”الجير”، وقد تكون مرتبطة بآبار النفط المنتشرة في المنطقة، ودائمًا ما تحوي بجانبها على بركة ماء تتسع لـ100 برميل لكل “حراقة”، تُستغل لتبريد الإنتاج قبل فرزه في الخزانات.

بعيدة عن الرقابة

عامر السعيد من أبناء بلدة الصعوة بريف دير الزور الغربي، أكد أن غياب الإجراءات الوقائية وأنظمة التصفية لـ”الحراقات” جعلها “قنبلة موقوتة” تنفث في الهواء مواد بتروكيماوية خطيرة.

الخطر الأكبر يكمن في الأضرار الصحية التي لم تعد تقتصر على مجرد “انزعاج” من الرائحة، بل أصبحت سببًا مباشرًا لتفشي أمراض خطيرة ومزمنة.

وأشارت سمر الزاهد، ممرضة بأحد مستشفيات ريف دير الزور الغربي، لعنب بلدي، إلى أن هناك ارتفاعًا في حالات ضيق التنفس والسعال المزمن والتهابات الجهاز التنفسي الحادة، وخاصة بين الأطفال وكبار السن، بسبب الغازات المنبعثة التي تهاجم الرئتين بشكل مستمر وتضعف مقاومة الجسم.

وبحسب شهادات الأهالي، لوحظ تسجيل حالات جديدة لمرض السرطان والتهابات الكبد، إذ اعتبر كثير منهم هذا التزايد مرتبطًا بشكل وثيق بالتعرض المطول للمركبات المُسرطنة في عوادم “الحراقات”.

وبحسب الطبيب جمال الخيل، لا تقتصر الأمراض على المحيط المباشر لـ”الحراقات”، بل تنتقل عبر الرياح إلى القرى المجاورة، ما يزيد الضغط على المرافق الصحية المتهالكة أصلًا.

تمتد إلى الزراعة

أفاد المهندس الزراعي مؤمن العساف، أن هناك أضرارًا كبيرة بسبب تلك “الحراقات” على الأراضي الزراعية، لأنها تشكل تهديدًا للاستدامة المعيشية في منطقة تعتمد على الزراعة والمياه، وتسببت بتراجع الإنتاج بالسنوات الأخيرة لجميع المزروعات.

إنتاج النفط شرقي سوريا

تفصح “الإدارة الذاتية” الجناح الحوكمي لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) عن إنتاج قرابة 150 ألف برميل من النفط يوميًا، بحسب تصريحات نقلتها صحيفة “الشرق الأوسط”، في آب 2023، عن نائب الرئاسة المشتركة للمجلس التنفيذي لـ”الإدارة”، حسن كوجر.

وأشار حينها إلى أن “الإدارة” تستثمر أقل من نصف الآبار والحقول النفطية في مناطق سيطرتها.

وتقع معظم منابع النفط في مناطق سيطرة “قسد” شمال شرقي سوريا.

ووفق تقديرات سابقة قدمها الباحث المساعد في مركز “عمران للدراسات” مناف قومان، لعنب بلدي، بناء على معلومات جمعها خلال الإعداد لدراسة حول اقتصاد “الإدارة الذاتية”، فإن “الإدارة” تنتج من الآبار النفطية في محافظة دير الزور وحدها 48500 برميل يوميًا، من أصل 80 إلى 120 ألف برميل (مجمل إنتاجها اليوم).

وتوزع “قسد” جزءًا من هذا الإنتاج على “حراقات” النفط للاستهلاك المحلي، وهو القسم الأصغر من الإنتاج، إضافة إلى جزء تصدّره نحو كردستان العراق لبيعه، وآخر يباع في المناطق التي كانت تحت سيطرة المعارضة (قبل سقوط النظام) شمال غربي سوريا.



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة