حملة “السويداء منا وفينا” تثير الجدل.. هل تمهد للمصالحة؟

اختتام فعاليات حملة "السويداء منا وفينا" - 12 تشرين الأول 2025 (عنب بلدي/ أحمد مسلماني)

camera iconاختتام فعاليات حملة "السويداء منا وفينا" - 12 تشرين الأول 2025 (عنب بلدي/ أحمد مسلماني)

tag icon ع ع ع

شهدت حملة “السويداء منا وفينا” تفاعلًا واسعًا على منصات التواصل الاجتماعي في سوريا، حيث تباينت آراء السوريين بين مؤيد يرى في الحملة خطوة مهمة نحو تجاوز الأزمة التي شهدتها المحافظة في تموز الماضي، ورافض اعتبر أن الحملة لا تعدو كونها محاولة لتغطية ما حدث سابقًا.

وعقب الحملة التي انطلقت مساء 12 من تشرين الأول، برزت تساؤلات حول قدرة الدولة السورية على تحقيق مصالحة مجتمعية حقيقية، وسط محاولات متواصلة لإعادة دمج محافظة السويداء ضمن منظومة الدولة، وتجاوز التداعيات الأمنية والاجتماعية التي خلفتها الأحداث الأخيرة.

دعوات حكومية للتفاعل مع الحملة

دعا الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، خلال اجتماع ترأسه ضم الوزراء والمحافظين، في 12 من تشرين الأول الحالي، إلى التبرع بسخاء في حملة السويداء “منا وفينا”.

واعتبر الرئيس السوري أن هذا التبرع “ربما يرمم بعض الجرح الذي حصل بين السويداء وباقي المحافظات، ويعبر أيضًا على أن تكون السويداء من الوطن”، مضيفًا، “السويداء منا وفينا كما هو مرفوع في هذا الشعار”.

وبنهاية الحملة التي جمعت 14.6 مليون دولار، قال وزير الطوارئ والكوارث، رائد الصالح، لعنب بلدي، إن هذه الحملة “هي امتداد لأصالة الشعب السوري وحضارته، وهي امتداد لباقي الحملات التي أبدى الشعب السوري كرمه وعطاءه لدعم بناء بلده من جديد”.

وأكد الصالح أن الحكومة السورية متمسكة بإعادة رسم وحدة الشعب بمختلف مكوناته.

وقال القيادي السابق في “قوات شيخ الكرامة”، ليث البلعوس، لعنب بلدي، إن رسالة الشعب السوري لمحافظة السويداء هي أن السويداء “منا وفينا”، وأكد الشيخ البلعوس الموقف الوطني لأهل السويداء، وأنه لا وطن بديل لأهل السويداء غير سوريا.

كما أوضح البلعوس أنه يجري العمل على إعادة المهجرين إلى بيوتهم.

محافظ السويداء، مصطفى البكور، أشار إلى أن الحملة ستشمل ترميم آبار المياه، و50 مدرسة، و35 مسجدًا، و50 دار عبادة للطائفة الدرزية، إضافة إلى 15 كنيسة، كما ستتضمن أيضًا تأهيل نحو 20 ألف منزل، و40 بلدية، ومراكز ثقافية، وشوارع، وشبكات الإنارة والكهرباء، بالإضافة إلى تجهيز محطة سمعية لتقوية الخدمات العامة.

واعتبر البكور أن تدهور الخدمات في المحافظة ليس نتيجة تقصير من الدولة، بل يعود إلى مواقف داخلية اتخذتها بعض الأطراف المحلية، مؤكدًا أن الحملة تسعى لتجاوز هذه العقبات وتحسين جودة الحياة للمواطنين في السويداء.

وبينما تسيطر الفصائل المحلية، بقيادة الشيخ حكمت الهجري على مركز المحافظة وبعض أريافها، تسيطر القوات الحكومية على ريفها الغربي.

وشارك في الحملة أيضًا، وزير الصحة مصعب العلي، ومحافظ درعا أنور الزعبي، ومدير الملف الأمني في محافظة السويداء سليمان عبد الباقي، ومستشار الرئيس السوري للشؤون الإعلامية أحمد موفق زيدان، وسفير قطر في سوريا، خليفة عبد الله آل محمود، وممثل عن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وعدد من وجهاء العشائر العربية في السويداء.

 فجوة و”ثقة مهزوزة”

على وسائل التواصل الاجتماعي، عبر عدد من السوريين، عن استيائهم مما جرى في الحملة لأسباب مختلفة.

الصحفي السوري حمزة عباس، رأى بمنشور على صفحته في “فيسبوك”، أن “الحضور الخجول” من بعض أبناء السويداء وخاصة من مناطق جرمانا و أشرفية صحنايا أظهر “حجم الفجوة بين مكوّنات الوطن”.

واعتبر أن هذا الغياب لا يعني سوى “عدم الرضا أو اللامبالاة” تجاه أي “فعل وطني جامع”، في وقت نحن بأمس الحاجة فيه إلى كل خطوة تُعيد لمّ جراح الوطن وتُرمم ما تهدّم، على حد تعبيره.

وتابع، “لقد وقعت أخطاء كثيرة في الماضي، ولا أحد يُنكر ذلك، لكن هل يُعقل أن نستمر في الخطأ إلى ما لا نهاية؟ وهل يحمل هم الوطن فئة واحدة من المجتمع؟”، معتبرًا أن الخطأ يحتاج إلى تصويب وتصحيح، وهذا لا يتم إلا بمبادرات “نابعة من السوريين أنفسهم”.

واعتبر الصحفي السوري، أن “من المؤسف” أن يكون تمثيل أبناء السويداء في مثل هذه المبادرات “ضعيفًا”، رغم أن الموقف الحقيقي يُقاس بمدى المشاركة في العمل لا بالكلام فقط.

وباعتقاده، فإن غياب المبادرات الفعلية من أهل السويداء و خاصة في تجمعاتهم (جرمانا، أشرفية صحنايا، صحنايا) سيعقد المشهد ويجعل الفجوة أكبر يوم بعد يوم، مضيفًا “الصمت ليس دائمًا يكون جزءًا من حل أي مشكلة، عليكم أن تتحركوا وتعملوا لأن الوطن للجميع”.

صحفية وناشطة من السويداء، رفضت نشر اسمها لأسباب أمنية، وصفت انطباع أهالي السويداء عن الحملة بأنه “سيئ جدًا”.

وقالت لعنب بلدي، إن الأهالي يرون “أنه بينما الحكومة تحاصرهم، فإنها تقدم وجها جديدًا للإعلام من خلال ترويج أن الحكومة تساعد من في السويداء”.

ونفت الحكومة السورية، ومحافظ السويداء، مصطفى البكور، مرارًا تهمة “حصار السويداء”، حيث تدخل قوافل المساعدات إلى المحافظة.

وأشارت الصحفية إلى أن أهالي السويداء “يرفضون كل شيء من الحكومة، دون أن يفتحوا مجالًا للصلح”، معتبرة أن ثقتهم “مهزوزة” بالحكومة، بسبب مما سمته “مجازر بحقهم”.

ومما زاد استياء الأهالي، وفق الصحفية، أن مكان إقامة حملة التبرعات كان مكانًا لـ”إقامة الجنائز”، ولم تستطع عنب بلدي التحقق من هذه المعلومة بشكل مستقل.

وأضافت أن ما يطلبه أهالي السويداء هو “الأمان فقط”، قائلة “إن ثقة الناس في الحكومة قد اهتزت لدرجة أنه إذا أراد أحدهم الذهاب لدمشق عليه أن يكتب وصيته”.

وقفة احتجاجية في مدينة السويداء تطالب بحق تقرير المصير ـ 11 من تشرين الأول 2025 (السويداء 24)

وقفة احتجاجية في مدينة السويداء تطالب بحق تقرير المصير ـ 11 تشرين الأول 2025 (السويداء 24)

في مؤتمر صحفي جمع كلًا من وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، ووزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، والمبعوث الأمريكي إلى سوريا توم براك، أعلن الشيباني التوصل إلى خارطة طريق “تكفل الحقوق وتدعم العدالة وتعزز الصلح المجتمعي وتفتح الطريق أمام تضميد الجراح”، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء السورية (سانا).

وأكدت الدول الثلاث، في 16 من أيلول الماضي، التزامها بالعمل المشترك من أجل استقرار سوريا ووحدتها وسيادتها، ودعم عملية سياسية  “شاملة بقيادة سورية”، تضمن مشاركة كل المكونات وتعكس التعددية الاجتماعية، مع التركيز على مكافحة الإرهاب والتطرف، وإنهاء الانقسامات المجتمعية.

الاعتراف بالخطأ أولى الخطوات

كان واضحًا منذ البداية أن ملف السويداء سيكون من “أعقد الملفات” التي ستواجه السلطة الجديدة في دمشق، وفق الباحث والكاتب السوري أحمد عسيلي.

عسيلي وفي حديث إلى عنب بلدي، اعتبر أن الرهان كان على “سياسة النفس الطويل” التي اتبعتها السلطة بتعاملها مع تعقيدات الوضع في السويداء، خاصة مع قبول الجيش للانسحاب منها في البداية.

ووفق ما قاله الكاتب السوري، فقد جرى خرق هذه السياسة “بعد دخول الفصائل و فزعة العشائر”، ومن ثم ارتكاب ما سماها “الفظائع” من الطرفين، لتبدأ حالة الاصطفاف المستمرة منذ حوالي الثلاثة أشهر وإلى الآن.

وباعتقاد عسيلي، فإن “حملة السويداء منا و فينا” شكّلت “حالة كسر لهذا الاصطفاف”، وشبهها بأنها كـ”وضع مخدر على جرح نازف، ربما يخفف الألم لكنه لن يشفي الجراح من الطرفين”، مشيرًا إلى أن أولى الخطوات هي اعتراف الطرفين بالخطأ.

ولا يكفي، بحسب ما قاله الكاتب السوري لعنب بلدي، اعتراف طرف واحد كي تتحقق المصالحة، فـ”الخطف و التشريد والقتل جرى من جميع الأطراف”.

جنود حكوميون سوريون على دراجة نارية يمرون بجانب دبابة مشتعلة على مشارف مدينة السويداء - 14 من تموز 2025 (AP/ عمر صناديقي)

جنود حكوميون سوريون على دراجة نارية يمرون بجانب دبابة مشتعلة على مشارف مدينة السويداء – 14 من تموز 2025 (AP/ عمر صناديقي)

وأضاف، “أعرف أن الظروف الحالية غير مواتية لخطوة كهذه، لذلك نحن مضطرون لدعوة الجميع للصبر و ترك الزمن يحل الجزء الأكبر من الألم”.

عسيلي غير متفائل “على الأقل حاليًا” بـ”قدرتنا على القيام بالمهمة الأصعب، ألا وهي الاعتراف والمحاسبة”.

لذلك الأهم، بالنسبة له، هو القيام بـ”خطوات صغيرة وتدريجية” مثل:

  • السماح للطلاب بالالتحاق بمدارسهم وامتحاناتهم مع تأمين الحماية التامة لهم.
  • مبادرات مجتمعية أخرى لكسر هذا الجمود والتصلب.

واعتبر أن “العدمية” هي الحالة الأخطر على الوضع حاليًا.

ويرى أن هذه الحملات ستواجه بالكثير من “المشككين والمنتقدين، والمتطرفين الرافضين لأي صلح”، لكن مع تعدد المبادرات وقيامها بخطوات حقيقية و ملموسة على الأرض سيخفف هذه الانتقادات، وفق الكاتب السوري أحمد عسيلي.

ويرى الكاتب أن هذه الحملة “جيدة لكن كبداية فقط”، مشددًا على ضرورة إتباعها بالكثير من الحملات الأخرى وأن تكون ذا تأثير ملموس على الأرض، مضيفًا، “يجب أن يتحمل ويتقبل أصحاب تلك الحملات الانتقادات كونها جزءًا طبيعيًا من هذا العمل”.

أحداث السويداء

بدأت أحداث السويداء في 12 من تموز الماضي، بعد عمليات خطف متبادلة بين سكان حي المقوس في السويداء، ذي الأغلبية البدوية وعدد من أبناء الطائفة الدرزية، تطورت في اليوم التالي إلى اشتباكات متبادلة.

تدخلت الحكومة السورية في 14 من تموز، لفض النزاع، إلا أن تدخلها ترافق مع انتهاكات بحق مدنيين من الطائفة الدرزية، ما دفع فصائل محلية للرد، بما فيها التي كانت تتعاون مع وزارتي الدفاع والداخلية.

في 16 من تموز، خرجت القوات الحكومية من السويداء، بعد تعرضها لضربات إسرائيلية، ما أعقبه انتهاكات وأعمال انتقامية بحق سكان البدو في المحافظة، الأمر الذي أدى إلى إرسال أرتال عسكرية على شكل “فزعات عشائرية” نصرة لهم.

وبعد ذلك، توصلت الحكومة السورية وإسرائيل إلى اتفاق بوساطة أمريكية، يقضي بوقف العمليات العسكرية.



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة