
اجتماع لأعضاء الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية مع ذوي ضحايا وحقوقيين وممثلين عن المجتمع المدني بمدينة حلب - 14 تشرين الأول 2025 (عنب بلدي/ محمد ديب بظت)
اجتماع لأعضاء الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية مع ذوي ضحايا وحقوقيين وممثلين عن المجتمع المدني بمدينة حلب - 14 تشرين الأول 2025 (عنب بلدي/ محمد ديب بظت)
عقدت الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية، بالتعاون مع محافظة حلب، اليوم الثلاثاء 14 من تشرين الأول، لقاء حواريًا جمع ذوي مفقودين ومختفين قسرًا وناجين من الاعتقال خلال حكم النظام السابق.
الهدف من اللقاء كان الاستماع إلى قصص ذوي المفقودين والناجين وتجاربهم، وفتح المجال لتقديم مقترحاتهم حول مسار العدالة الانتقالية في سوريا.
كما تناول اللقاء، الذي حضرته عنب بلدي، التحديات أمام تحقيق العدالة في مرحلة ما بعد الحرب، وناقش تطلعات المجتمع المدني في مدينة حلب حيال مسار العدالة.
تناول اللقاء الحواري الذي عقد في قاعة المؤتمرات بمحافظة حلب تعريفًا بهيئة العدالة الانتقالية وتشكيلها ومهامها وآلية عملها وأهدافها، بحضور رئيسها، عبد الباسط عبد اللطيف.
وخلال اللقاء، طرح المحامي ياسر شبلي، المتخصص في حقوق الإنسان، أسئلة حول طبيعة عمل هيئة العدالة الانتقالية وحدود صلاحياتها.
وتساءل شبلي عن نوع القرارات التي ستصدرها الهيئة، وهل ستكون مجرد توصيات أم قرارات إدارية تخضع لرقابة القضاء الإداري، أم أحكامًا قضائية مباشرة.
كما استفسر عن منهجية توثيق الانتهاكات وجمع الأدلة، وكيف سيتم تحقيق التوازن بين حق المجتمع في معرفة الحقيقة وحق الفرد في خصوصية المعلومات، بالإضافة إلى آليات التعويض وجبر الضرر.
هيئة العدالة ردت على الاستفسارات بأن قيم العدالة لا تتغير مع مرور الزمن أو اختلاف المكان، لكن الآليات تتغير بحسب المرحلة الانتقالية التي تعتبر من أصعب وأعقد المراحل التاريخية التي تمر بها الدول.
وشرحت أن العدالة الانتقالية تختلف عن العدالة الجزائية، فالهدف الأساسي من العدالة الانتقالية هو العلاج والمصالحة وإعادة التوازن للمجتمع، بينما يبقى تطبيق العقوبة هدفًا ثانويًا، بعكس العدالة الجزائية التي تركز على العقوبة أولًا.
فيما يخص القرارات، أكدت اللجنة أن الهيئة لن تصدر أحكامًا قضائية مباشرة، ولفتت إلى أنها ستقدم تقريرًا ختاميًا يضم توصيات حول تطبيق الاتفاقيات الدولية والتدابير الإصلاحية.
وأشارت إلى تشكيل دوائر قضائية بالتعاون مع وزارة العدل لاختيار القضاة المتخصصين.
وأوضحت الهيئة أن قانون العقوبات السوري الصادر عام 1949 لا يشمل الانتهاكات الجسيمة التي تعرّفها اتفاقيات جنيف الأربع واتفاقية روما.
وتشمل الاتفاقيات جرائم الإبادة والتهجير القسري والإخفاء القسري واستخدام الغازات السامة.
واعتبرت أن وجود قانون خاص بالعدالة الانتقالية ضروري، وأن العمل على صياغته مستمر خلال الأشهر الماضية.
أكدت هيئة العدالة الانتقالية أن القانون سيطبق بأثر رجعي، وهو أمر ضروري لتطبيق العدالة على الجرائم الكبرى.
واستشهد الحضور بتجارب القضاء الدولي التي غالبًا لا تعتمد الأثر الرجعي، إلا في حالة الانتهاكات الجسيمة.
وقال المحامي حومد حومد لعنب بلدي، إن الأثر الرجعي في سياق العدالة الانتقالية يعني أن القانون يمكن أن يطبق على الانتهاكات وجرائم الحرب التي ارتُكبت قبل صدوره، بما يسمح بمحاسبة المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان طوال العقود الماضية.
استثناء هذا المبدأ عن قاعدة “عدم الرجعية” القانونية العادية ضروري لضمان العدالة في حالات الجرائم الكبرى التي تهم المجتمع الدولي والمحلي على حد سواء، وفق حومد.
عن جبر الضرر، بيّنت الهيئة أن له خمسة أشكال رئيسة متفق عليها في القانون الدولي وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة لعام 2005.
ويشمل جبر الضرر وفقًا للهيئة، التعويض المادي، والتعويض المعنوي، واسترداد الحقوق، وكشف الحقيقة، وإصلاح المؤسسات، مع التركيز على مكافحة الفساد الذي رافق بنى التسلط المؤسسي للنظام السابق.
وأوضحت أن مسار العدالة الانتقالية في سوريا لا يمكن أن يكون سريعًا ولا بطيئًا.
واعتبرت في هذا الصدد، أن الأمر يحتاج إلى صبر وتأهيل كوادر مختصة لتفكيك هياكل التسلط، وفحص سجلات الموظفين، وملاحقة جرائم الفساد.
كما تناولت اللجنة شرائح الضحايا، مشيرة إلى الحالات الأكثر وضوحًا وجلاء مثل ضحايا الكيماوي، وضحايا التعذيب المنهجي في المعتقلات، وضحايا العنف الجنسي، إضافة إلى الذين فقدوا ممتلكاتهم نتيجة استيلاء النظام أو أشخاص آخرين.
وأكدت أن برامج جبر الضرر ستتكيف مع الوضع الحالي للدولة وتتراوح بين برامج فردية وجماعية بحسب الحاجة والظروف.
خلال اللقاء، تساءلت الناشطة عليا أحمد من منطقة اعزاز عن إمكانية أن تؤدي العدالة الانتقالية إلى إفلات المسؤولين من العقاب أو إعادة “تبييض الجرائم” وطمس الحقائق.
وردت الهيئة أن “ما يقدم ليس وعدًا بل عهد يتضمن كشف الحقيقة أمام أهالي الشهداء”.
كما تعهدت بمحاسبة كل من كان سببًا في آلام ذوي القتلى، وجبر الضرر، وإصلاح المؤسسات التي ساهمت في هذا الوضع.
كما أشارت الهيئة إلى الجانب الإجرائي، مؤكدة أن كل من لم يعرف مصير أقاربه يمكن أن يقدم اسمه للهيئة، حيث تمتلك قوائم وتواصلت مع وزارة الداخلية للكشف عن مصير بعض المفقودين.
تحدثت زوجة أحد المفقودين عن أهمية التعويض المعنوي، وقالت إن التعويض المادي قد يكون ممكنًا، لكن السؤال الأكبر يكمن بكيفية تعويض الألم النفسي والمعنوي.
وردت الهيئة بأن التعويض المعنوي سيكون جزءًا من برنامج جبر الضرر وهو مصمم خصيصًا لتلبية حاجات كل أسرة على حدة.
وأوضحت أن لكل ضحية أو ذوي ضحايا مطلبًا خاصًا يعبر عن معاناتهم، مثل إقامة مدرسة تحمل اسم ابنهم، أو تحويل سجن “صيدنايا” إلى ذكرى لتأكيد أن الاعتقال لن يتكرر.
وأضافت أن الهيئة تسعى لتطوير برنامج يشمل كل سوريا من أجل تحقيق هذا الجانب من العدالة.
المحامي ياسر شبلي، أوضح خلال حديث لعنب بلدي، أن الاجتماع الذي جمع هيئة العدالة الانتقالية مع نقابة المحامين ومنظمات المجتمع المدني وأهالي ذوي الضحايا كان “مثمرًا”.
وبيّن شبلي أن الحوار أتاح طرح أفكار يمكن أن تساعد الهيئة مستقبليًا في تطوير عملها، تشمل مجالات الإصلاح المؤسسي، جبر الضرر، كشف الحقائق، المصالحة، والتعجيل بالخطوات الضرورية.
وتطرق شبلي إلى مسألة العمليات الانتقامية، مؤكدًا أنها لا تهدد مسار العدالة الانتقالية لأنها فردية وغير ممنهجة.
وأوضح أن أي عمليات فردية حتى لو كانت متكررة أسبوعيًا أو يوميًا لا يمكن أن تؤثر على عمل الهيئة على مستوى سوريا ككل.
فيما يتعلق بمسألة الأثر الرجعي للقوانين، أشار شبلي إلى أن النظام الأساسي لمحكمة روما (1998) ينص على الأثر الرجعي، لكن سوريا ليست طرفًا فيه.
ومع ذلك، يمكن استثناء قاعدة عدم الرجعية في حالات الجرائم الدولية الخطيرة التي تمس حقوق الإنسان، ما يسمح بمحاكمة الانتهاكات الكبرى التي ارتُكبت قبل صدور القوانين الخاصة بالعدالة الانتقالية.
في منتصف أيار الماضي، أصدر الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، المرسومين رقم “19” و”20” لعام 2025.
وقضى المرسومان بتشكيل الهيئة الوطنية للمفقودين والهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية، استنادًا إلى أحكام الإعلان الدستوري والصلاحيات الممنوحة لرئيس الجمهورية.
ونص المرسوم رقم “20” على إنشاء هيئة مستقلة باسم الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية.
وتهدف الهيئة إلى كشف الحقيقة حول الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبها النظام السابق.
وتتضمن مساءلة ومحاسبة المسؤولين عنها بالتنسيق مع الجهات المعنية، وجبر الضرر الواقع على الضحايا، وترسيخ مبادئ عدم التكرار والمصالحة الوطنية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى