أهل غزة يعودون لديارهم… مواجهة الأنقاض وعدم اليقين

إسرائيل تنسحب ببطء من قطاع غزة والناس يعودون إلى منازلهم ليجدوها مجرد أنقاض. يسيطر اليأس على الكثير من الفلسطينيين في غزة: ندوب الحرب عميقة والأمل في السلام يظل هشاً.

فلسطينيون يعودون وسط الأنقاض إلى مناطقهم (رويترز)

camera iconفلسطينيون يعودون وسط الأنقاض إلى مناطقهم (رويترز)

tag icon ع ع ع

تنشر هذه المادة في إطار شراكة إعلامية بين عنب بلدي وDW


نسرين حمد تنتظر بفارغ الصبر سماع أخبار جديدة من زوجها. لقد ظلت هي وأطفالها الثلاثة في مكان لجوئهم في دير البلح في وسط قطاع غزة، وانطلق هو في رحلة شاقة إلى حي الشيخ رضوان شمال مدينة غزة.

وحول ذلك قالت نسرين حمد لـDW عبر الهاتف: “زوجي ذهب الأحد (12 تشرين الأول/أكتوبر 2025) إلى منزلنا. لقد كنا نعلم أنَّه تعرض للقصف، ولكن رؤيته بأعيننا زادت الألم أكثر”.

وتتابع: “لقد تم تدمير المنزل كله، ولم يعد من الممكن التعرف على جزء كبير من الحي”. وزوجها واحد من عشرات الآلاف الذين عادوا إلى ديارهم بعد إعلان إسرائيل وقف إطلاق النار ظهر يوم الجمعة (10 تشرين الأول/أكتوبر 2025).

وأظهرت مقاطع فيديو سيلًا لا نهاية له من الناس، الذين كان معظمهم يسير على الأقدام في طريقهم الممتد على طول الطريق الساحلي إلى شمال قطاع غزة، الذي أجبروا على مغادرته في السابق.

هدنة هشة

في الأسبوع الماضي، اتفقت حماس وإسرائيل بعد مفاوضات مكثفة غير مباشرة على خطة مكونة من 20 نقطة اقترحتها الولايات المتحدة الأمريكية.

ومن المفترض أن ينهي هذا الاتفاق بشكل تام الحرب المستمرة منذ عامين بين إسرائيل وحركة حماس.

ولكن العديد من النقاط المثيرة للجدل في هذه الخطة الأمريكية الطموحة ما يزال يجب نقاشها بالتفصيل.

وضمن إطار المرحلة الأولى، قامت حماس يوم الاثنين بإطلاق سراح الرهائن العشرين الباقين على قيد الحياة، بينما ستفرج إسرائيل عن نحو 2000 معتقل فلسطيني، تعتقل الكثير منهم من دون اتهامات.

ومن المقرر أيضاً تسليم جثث 28 رهينة متبقية بيد حماس.

وبدأت الحرب في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، عندما قامت حماس، المصنفة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وألمانيا ودول أخرى منظمة إرهابية، بهجمات على العديد من القرى الإسرائيلية والقواعد العسكرية وعلى مهرجان نوفا الموسيقي القريب من قطاع غزة.

وبحسب السلطات الإسرائيلية فقد أسفرت هذه الهجمات عن قتل نحو 1200 شخص، واختطاف نحو 250 رهينة إلى قطاع غزة.

“خراب نفسي”

وتقول نسرين حمد إنَّها بالرغم من شعورها بالارتياح لأنَّ القصف الإسرائيلي قد توقف، ولكن خسارة منزلها هي مجرد واحدة من الذكريات المؤلمة الكثيرة من كفاحها من أجل البقاء خلال العامين الماضيين: فقد تم تهجيرها 17 مرة خلال هذه الفترة.

“الحرب انتهت، ولله الحمد، ولكن بعد أن قتلت كل شيء فينا. قتلت الأصدقاء والأقارب والجيران. ودمرت غزة. وحولتنا إلى خراب نفسي. وزرعت فينا الأمراض بسبب عدم وجود دواء، والتهجير، وتلوث البيئة”، كما قالت نسرين حمد.

وأضافت: “آمل ألا تعود الحرب أبداً، وألا نضطر إلى الشعور بالخوف مرة أخرى”.

وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أنَّ نحو ثلثي المباني في غزة قد تضررت أو دُمِّرت منذ بدء الحرب.

وتقول السلطات الصحية التابعة لحماس إنَّ أكثر من 67 ألف شخص معظمهم من المدنيين قتلوا خلال الحرب على مدى عامين.

ووصفت هذه الحرب لجنةُ التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة من أجل الأراضي الفلسطينية المحتلة بأنَّها إبادة جماعية، وهي تهمة ترفضها إسرائيل بشدة.

“إسرائيل خلقت لنفسها أعداء جدد”

لم يستجب الجميع لقرارات الإجلاء التي أصدرها الجيش الإسرائيلي في بداية أيلول/سبتمبر الماضي، قبل أن يكثِّف هجماته من أجل احتلال مدينة غزة.

ومثلًا محمود عفيف لم يتمكن مع أطفاله الستة من تحمل تكاليف النقل أو حتى السكن في جنوب قطاع غزة.

وحول ذلك قال في مكالمة هاتفية من مدينة غزة: “تنقلت بين ثلاثة أماكن غرب مدينة غزة، والحمد لله نجوت أنا وجميع أطفالي”.

ومع ذلك فإنَّ بيته كما يقول تدمّر وسوي بالأرض: “لقد خسرت بيتي الذي بنيته طيلة حياتي بلا كلل مع إخوتي، وكل هذا بسبب حماس وإسرائيل. وكل ما حدث في غزة خلال السنتين الماضيتين لم يأت بأي شيء. بل على العكس، فقد أرجع غزة سنوات إلى الوراء. وإسرائيل خلقت لنفسها أعداءً لسنين عديدة”.

ومن جانبه انسحب الجيش الإسرائيلي بشكل جزئي إلى الخط المتفق عليه في المرحلة الأولى.

ومع ذلك فإنَّ الجيش الإسرائيلي ما يزال يسيطر بحسب قوله على 53 بالمائة على الأقل من قطاع غزة. وقد أعلن متحدث باسم الجيش أنَّ هناك مناطق عديدة، وخاصة في الشمال والشرق والجنوب، ما يزال لا يُسمح للفلسطينيين دخولها، وأنَّ الاقتراب من هذه المناطق قد يشكل “خطراً على الحياة”.

فاتن لباد شابة فلسطينية من حي الشيخ رضوان، وجدت ملجأ مع عائلتها داخل زنزانة في سجن سابق بمنطقة خان يونس وسط قطاع غزة.

ولفترة طويلة، تحدوا الخطر الكبير وأصروا على البقاء بالقرب من منزلهم شمال مدينة غزة. بيد أنَّ الهجوم الإسرائيلي الشديد على مدينة غزة في أيلول/سبتمبر لم يترك لهم أي خيار سوى الهرب نحو الجنوب.

وتبدو فاتن لباد متعبة ومصدومة. وتقول إنَّها لا ترى أي مستقبل لها في مدينة غزة: “العودة إلى الشمال غير مجدية بعد أن فقدنا منازلنا. ويمكننا أن نعيش هناك مؤقتاً حتى نحصل على جوازات سفر جديدة من أجل الهروب من جحيم غزة”.

وتضيف أنَّها تريد أولًا الذهاب إلى مصر أو أي دولة أخرى: “الحرب في غزة ربما تكون قد انتهت، ولكن الجحيم ما يزال مستمراً”.

آمال محدودة بالمستقبل

وتثير الشكوك في استمرار وقف إطلاق النار وإلى متى سيستمر قلق الكثيرين في غزة. وذلك لأنَّ إسرائيل قد خرقت في منتصف آذار/مارس وقف إطلاق النار من جانب واحد واستأنفت القتال بكل ضراوة.

ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يهدد بالقيام بذلك مرة أخرى إذا لم تقم حماس بتسليم أسلحتها.

وعلى أية حال، يجد الكثيرون صعوبة في تصوّر مستقبلٍ نظراً إلى هذا الدمار الذي يبدو بلا حدود.

وكذلك يشعر الآباء والأمهات مثل نسرين حمد بالقلق بشأن تعليم وصحة أطفالهم. فهم لم يذهبوا إلى المدرسة منذ سنتين. وأجزاء كبيرة من نظام الرعاية الصحية في قطاع غزة مدمرة.

وعلى الرغم من أنَّ خطة ترامب للسلام تنص على إيصال المساعدات، لكن من غير الواضح كم يبلغ حجم المساعدات الإنسانية التي ستسمح إسرائيل بدخولها عبر المعابر الحدودية.

وعلى المدى المتوسط يُطرح أيضًا السؤال حول من سيحكم قطاع غزة في المستقبل. وتنص الخطة على إنشاء إدارة تكنوقراطية بقيادة فلسطينية، وتشرف عليها مجموعة دولية برئاسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير في منصبٍ رئيسي.

وتجاهلت الخطة رغبات سكان غزة إلى حد كبير. وتقول نسرين حمد: “أنا لا أريد حماس أو أية جماعة أخرى. وأية منظمة دولية تستطيع حكمنا وإعادة إعمار قطاع غزة ستكون مرحباً بها”.

ومحمود عفيف يرى ذلك بشكل مشابه ويقول: “أنا لا أعرف من سيحكم قطاع غزة، ولكنني أعرف أنَّني لا أريد أحداً من الحقبة السابقة”. والمقصود هنا بشكل خاص حركة حماس الإسلامية المتشددة، التي طردت السلطة الوطنية الفلسطينية من قطاع غزة في عام 2007 وتولت الحكم في هذا القطاع الساحلي. ويقول محمود عفيف: “أتمنى لأطفالي، أنَّ من يقود الشعب، أيًا كان، يقدّم للناس مستقبلًا أفضل”.

أعده للعربية: رائد الباش



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة