
رئيس رابطة أطباء التخدير وتسكين الألم الدكتور فواز هلال في أحد مستشفيات دمشق - 11 تشرين الأول 2025 (عنب بلدي)
رئيس رابطة أطباء التخدير وتسكين الألم الدكتور فواز هلال في أحد مستشفيات دمشق - 11 تشرين الأول 2025 (عنب بلدي)
عنب بلدي – شعبان شاميه
يشهد القطاع الصحي في سوريا عجزًا بعدد أطباء التخدير في المستشفيات الحكومية والخاصة، في أزمة ليست وليدة اللحظة، لكنها لم تجد موطئ قدم إلى الحل منذ سنوات طويلة، وتزداد تباعًا مع عودة جغرافيا كانت خارج سيطرة الحكومة في حال تأهيل وإعادة افتتاح مستشفياتها.
قبل تسع سنوات، أطلقت رابطة “أطباء التخدير وتسكين الألم” تحذيرًا لم يجدِ نفعًا، إذ طالبت وزارة الصحة، آنذاك، باتخاذ إجراءات عاجلة لسد العجز الحاصل، عبر تشجيع خريجي كليات الطب على الالتحاق بهذا التخصص أو الحد من عزوف الاختصاصيين عن الهجرة خارج البلاد، وتحديدًا إلى ألمانيا وجهتهم الأولى.
وتشير إحصاءات نُشرت نقلًا عن نقابة الأطباء السورية إلى انخفاض عدد أطباء التخدير في البلاد بنسبة 24.5% من 925 طبيبًا في 2010 لتصل إلى 698 في 2024، ويرجع العزوف عن هذا الاختصاص إلى “أسباب مادية بشكل رئيس”، وفق ما قاله رئيس رابطة أطباء التخدير وتسكين الألم، الطبيب فواز هلال، لعنب بلدي.
رئيس رابطة أطباء التخدير، قال في حديث إلى عنب بلدي، إن كل ما يسمعونه اليوم من الحكومة الحالية حول تحسين واقع أطباء التخدير ما هو إلا صدى للحكومات السابقة في عهد النظام المخلوع، ولم يختلف شيء سوى الوعود، مشيرًا إلى أنهم توقعوا عقلية أكثر إيجابية وانفتاحًا بالتعامل مع أزمة هذا الاختصاص، ليتفاجؤوا بعقلية مكررة مع اختلاف الأشخاص، دون التماس أي جدية لحل هذا الملف.
ولفت رئيس الرابطة إلى أنهم اجتمعوا مع نقابة الأطباء مجددًا، وأعادوا طرح ذات المطالبات التي كانوا يطرحونها سابقًا.
وحول المطالب، ذكر هلال أن أبرزها ما هو مرتبط بالقطاع الخاص، كحصول أطباء التخدير على حقوقهم كاملة وفق القانون “5/ت” الصادر سابقًا عن وزارة الصحة، والذي يتضمن فصل الوحدات التخديرية في المستشفيات الخاصة عن الوحدات الجراحية.
وأضاف هلال أنه في الماضي كان طبيب التخدير يأخذ 30% من أجور الجراح، وهي نسبة غير حقيقية غالبًا، باعتبار أن “الصفقة” التي تتم بين الجراح والمريض في العيادة لا يعلم طبيب التخدير بتفاصيلها إلا في حالات نادرة، والمرجعية المعتمدة لذلك تعرفة وزارة الصحة، وهي ضئيلة وغير منطقية إطلاقًا.
وأشار هلال إلى أن فصل الوحدات التخديرية التي تحسب لطبيب التخدير بشكل مستقل له إيجابيات، إذ ترك وبصيغة واضحة الباب مفتوحًا للتعديل، وأغلق الباب على المستشفيات الخاصة لإيقاف الاجتهادات التي كانت تضعها بتفسير نسبة الـ30% في القرارات القديمة، مثل توزيعها على فنيي التخدير وأسعار المواد المخدرة وأجور صيانة الأجهزة.
أما السلبيات، وفق هلال، فمرتبطة بموضوع الاستشارة التخديرية، التي كانت غائبة وضبابية، إذ يُطلق عليها مسمى “دراسة ملف”، إذ إنه في حال قام طبيب التخدير بدراسة الملف يحصل على أجر 150 ألف ليرة، وبالتالي تُركت لتقديرات المستشفى والجراح، علمًا أنها تحصيل حاصل، ولن يبدأ طبيب التخدير عمله قبل القيام بهذه الدراسة.
ويحظر القانون السوري مهنيًا على طبيب التخدير فتح عيادة مستقلة، لأن اختصاصه لا يتماشى مع الاختصاصات العلاجية التي تستوجب صرف الأدوية وإجراء الجراحات بشكل مستقل، ولكن “فتوى” صارت أقرب إلى عرف، نصّت على أن يحظى طبيب التخدير بامتياز عقد صفقة مع الطبيب الجراح والحصول على نسبة مئوية من قيمة الأجور العامة.
ويرى رئيس الرابطة، أن أي قرارات أو تعديلات هي بمثابة حبر على ورق إن لم توضع لها آلية تنفيذ، وكل القرارات والتعديلات التي صدرت سابقًا عن وزارة الصحة لم تكن لها آلية تنفيذ.
وكان يجب على وزارتي الصحة والمالية ونقابة الأطباء السوريين تشكيل لجنة مشتركة لإلزام المستشفيات الخاصة بدفع مستحقات أطباء التخدير كاملة وتطبيق القرار رقم “5/ت” الذي لم يرَ النور، قال هلال.
فيما يتعلق بملف التأمين، قال هلال، إنه وبسبب “هيمنة مافيا المستشفيات الخاصة على القرار”، تسدد أجور أطباء التخدير للمرضى المؤمّنين عن طريق المستشفى الخاص وليس إلى الحساب البنكي لطبيب التخدير، وذلك خلافًا للجراحين وكل التخصصات الطبية الأُخرى، وقد طالبوا بتعديل ذلك مرارًا تلافيًا للاقتطاعات التي تقوم بها هذه المستشفيات.
وبعد “نضال طويل”، صدر هذا القرار، وفق هلال، ليشمل بحسب نصه الطبيب في غرفة العمليات، لتقوم وزارة الصحة لاحقًا بتفسير هذه العبارة على أنها تشمل الطبيب الجراح فقط وليس طبيب التخدير، واعتبار الأخير موظفًا متعاقدًا مع المستشفى.
وكشف هلال عن عدم وجود عقد لطبيب تخدير واحد في المستشفيات الخاصة، لقيام إداراتها بالتهرب من إبرام العقود، عازيًا المسؤولية إلى غياب دور وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل التي عليها حل هذه المشكلة لضمان حقوق طبيب التخدير وحمايته من الطرد التعسفي.
وفي القطاع الحكومي، تستمر معاناة أطباء التخدير، التي تنعكس سلبًا على واقع هذه المهنة، قال هلال، إذ تفوق حوافز الجراحين حوافز أطباء التخدير بـ20 إلى 30 ضعفًا، بالرغم من أن عدد سنوات الدراسة والاختصاص هي ذاتها، وأصحاب كلا التخصصين مصنفون كموظفين فئة أولى وفق القانون الأساسي للعاملين في الدولة، كما أن طبيعة العمل تحمل ذات مخاطر الطبيب الجراح وقد تفوقها في حالات كثيرة.
وعن أسباب غياب دور نقابة الأطباء عن تحصيل حقوق هذا الاختصاص، قال هلال، إن السبب الأبرز هو ضغوطات المستشفيات الخاصة عليها، فمعظم النقابيين وأصحاب القرار مرتبطون بهذه المستشفيات، وبالتالي لن يعملوا على إصدار قرارات تأتي ضد مصالحهم الشخصية.
تحدث هلال عن دراسة تجري في وزارة الصحة الحالية تسمح لفنيي التخدير بالعمل في غياب طبيب التخدير، كاشفًا أن الدراسة نفسها كانت موجودة في وزارة التعليم العالي السابقة وقامت بإجهاضها.
وأكد أن اتخاذ هذا القرار سيخلق مشكلات قانونية كبيرة، بالإضافة إلى أن التصنيف العالمي للشهادات السورية سينخفض، وتبعات أخرى داخلية وخارجية لا يلحظها ويغفل عنها العاملون على تشريع هذا الأمر.
وتمنع المادة الثانية من المرسوم التشريعي رقم “12” لعام 1970، المعروف باسم قانون “مزاولة المهن الطبية”، “فني التخدير” من القيام بأي إجراءات تخديرية بمفرده في الظروف الاعتيادية، لكن نقص الأطباء يدفع المستشفيات الحكومية والخاصة للاعتماد على الفنيين وتغطية بعض مناوبات الأطباء.
ويُعرّف “فني التخدير” بأنه خريج معهد متوسط تخصص تمريض وتخدير تلقى تعليمًا يمتد لسنتين بعد الثانوية، وتقتصر مهامه على الجوانب الفنية كالتعامل مع أجهزة التخدير وتحضير غرف العمليات ومساعدة طبيب التخدير، بحسب هلال.
ونجحت رابطة “أطباء التخدير وتسكين الألم” خلال سنوات طويلة وعبر الضغط الإعلامي بتثقيف وإقناع الرأي العام في سوريا بأهمية وخطورة دور طبيب التخدير، قال هلال، معربًا عن أسفه لعدم تمكنه من إقناع وزير الصحة الحالي بذلك، وإلا لما كانت هذه الدراسة لتعود إلى أروقة وزارة الصحة بعد إجهاضها، وفق ما ذكره لعنب بلدي.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى