“هندسة الهوية الوطنية” يشرح أزمة الانتماء في سوريا

"هندسة الهوية الوطنية" يشرح أزمة الانتماء في سوريا
tag icon ع ع ع

في كتابه “هندسة الهوية الوطنية، سوريا المستقبل”، يتناول الباحث محمود باكير إشكالية غياب الهوية الوطنية السورية وأثرها في تفكك الدولة والمجتمع خلال العقد الأخير، مسلطًا الضوء على الحاجة إلى مشروع وطني جامع يعيد بناء المواطنة على أسس فكرية وعلمية متينة.

يرى المؤلف، في كتابه الذي صدر خلال العام الحالي عن “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات”، أن الأزمة السورية لم تكن سياسية أو أمنية فحسب، بل أزمة وعي وغياب هوية جامعة، إذ أدى تقصير الدولة والأحزاب إلى تصحر الهوية الوطنية وتآكل الانتماء، ما جعل المجتمع هشًا أمام الانقسامات.

واعتمد باكير في تحليله على أدوات علمية مثل “الطبولوجيا”، لفهم الهوية بوصفها شبكة من العلاقات المتداخلة التي تربط الأفراد، لا مجرد انتماء عاطفي أو جغرافي، مستعينًا أيضًا بمفاهيم من الفقه الإسلامي كالمصلحة الشرعية، التي تقوم على تغليب خير الخيرين ودفع الضرر الأكبر بالأصغر.

اعتبر الكتاب الهوية الوطنية أساسًا للحكم الرشيد والعدالة الاجتماعية والوحدة السياسية، ويقارن التجربة السورية بتجارب دول اسكندنافية، نجحت في ترسيخ هوية وطنية عبر التعليم الشامل، الذي يعزز قيم الانتماء والمسؤولية والتنوع.

ويرى المؤلف أن “النموذج الاسكندنافي” مثال على التعليم الذي يصوغ شخصية الإنسان عقلًا وعاطفة وأخلاقًا، ويمنح الطلاب القدرة على فهم العلاقات داخل المجتمع والمشاركة الفاعلة فيه.

وأشار إلى أن بناء الهوية لا يتحقق بدراسة مكونات المجتمع فقط، بل بفهم العلاقات التي تربطها، مستندًا إلى فلسفة “الغشطالت” (Gestalt)، التي ترى أن الكل أكبر من مجموع أجزائه، ومن هذا المنطلق، تصبح “إدارة التنوع” شرطًا لبناء هوية وطنية متماسكة.

وطبّق باكير هذه الرؤية على المجتمع الدمشقي القديم، موضحًا كيف عبرت عمارة البيوت والاهتمام بالتفاصيل الداخلية عن وعي اجتماعي وإنساني عميق، ما جعل المجتمع الدمشقي متماسكًا ومتوازنًا في قيمه وسلوكه.

وربط الكتاب بين فهم العلاقات الاجتماعية والتطور العلمي، موضحًا أن النموذج الاسكندنافي تميز بابتعاده عن التفكير الميكانيكي الذي ساد الفلسفة الحديثة، واعتمد على التناظر بين العلوم الطبيعية والاجتماعية لفهم الإنسان والمجتمع بموضوعية، ما سماه المؤلف “الهندسة الفكرية للهوية الوطنية”.

وفي سياق الواقع السوري، بيّن باكير أن ضعف الهوية الوطنية يعود إلى جذور تاريخية منذ تأسيس الدولة بعد اتفاقية “سايكس- بيكو”، وتفاقمت في عهد حزب “البعث” الذي رفع شعارات قومية منفصلة عن الواقع.

ودعا باكير إلى إعادة بناء الهوية على أسس تعليمية جديدة تنمّي الانتماء والمسؤولية، وتستند إلى المصلحة الوطنية عند تعارضها مع الانتماءات الدينية أو الحزبية، في اجتهاد شرعي يدعمه عدد من المفكرين الإسلاميين.

يخلص الكتاب إلى أن إحياء الهوية الوطنية السورية يتطلب قطيعة فكرية مع الماضي، وإطلاق مشروع وطني عقلاني قائم على التعليم والانفتاح وإدارة التنوع، بوصفها الأسس الحقيقية لبناء سوريا المستقبل.

سيرة الكاتب

أكاديمي سوري متخصص في الرياضيات، تخرج في جامعتي “دمشق” و”شفيلد” (إنجلترا)، وتولى رئاسة جامعة “القلمون” بين عامي 2011 و2014.

اهتم باكير بدراسة العلاقة بين الرياضيات والعلوم الإنسانية، وله بحوث ودراسات محكّمة في هذا المجال.

من مؤلفاته: “الرياضيات حرفة عقلية.. طريقة جديدة في الإدراك العقلي”، “دراسات لغوية من منظور رياضي”، “محطات في تاريخ الرياضيات”.



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة