
مشهد من مسرحية ذاكرة اعتقال - 6 أيلول 2025 (سانا)
مشهد من مسرحية ذاكرة اعتقال - 6 أيلول 2025 (سانا)
تحاكي مسرحية “ذاكرة اعتقال” معاناة المعتقلين في سجون النظام السابق، مستعرضة الانتهاكات التي طالتهم خلال سنوات من القمع والتغييب، وتغوص في عمق التجربة الإنسانية للمعتقلين.
يقدم العمل المسرحي مشاهد تختزل الصراع بين الحرية والقيد، والأمل واليأس، في بيئة مسرحية بسيطة لكنها مشحونة بالدلالات.
المسرحية انطلقت عروضها الأولى في معرض “دمشق الدولي”، ثم انتقلت إلى حلب وإدلب واللاذقية وحماة، وتستمر في تقديم عروضها بالمدن السورية تباعًا، لتجعل من المسرح مساحة لاستحضار الذاكرة وتوثيق المعاناة بأسلوب فني وإنساني.
قبل العرض، يملأ خشبة المسرح صوت لنقاط ماء تسقط بشكل متزامن ومزعج، مع جدران الخشبة السوداء، وفي المنتصف يظهر حبل المشنقة، وعلى اليسار قليلًا ضوء متدلٍّ، مع وجود برميل ماء عكر ومتسخ، ودولابين معلّقين يستخدمان لتعذيب السجناء.
يبدأ العرض بأصوات مظاهرات تطالب بالحرية، وصوت إطلاق رصاص، وعلى إثره يُستشهد شابان، ويبقيان على يمين ويسار مقدمة المسرح طيلة العرض، بينما يُترك داخل الزنزانة سجين، هو حامل سردية العرض المسرحي الإخبارية.
المعتقل الذي يؤدي دوره محمود زكور، لا يمثل شخصًا بعينه، بل هو صورة رمزية عن آلاف السوريين الذين فقدوا حريتهم وتركوا خلفهم عائلات تنتظرهم.
وفي المشهد الأخير، يهرب السجّان قبيل إعلان التحرير، في إشارة إلى انتصار إرادة الإنسان على القمع، وانكسار الخوف أمام صوت الحرية.
اعتمدت المسرحية على الرموز البصرية بشكل لافت، إذ رافقت المعتقل طوال العرض جثتان صامتتان داخل الزنزانة، تمثلان ضحايا القمع والمغيبين الذين لم يُعرف مصيرهم، في تجسيد للموت المستمر الذي يعيشه المعتقلون حتى بعد خروجهم من السجن.
الصمت في هذا المشهد لم يكن فراغًا، بل لغة أخرى تعبّر عن العجز، وعن الموت المؤجل الذي يعيشه السوري حين يُسلب صوته وكرامته.
قدّم محمود زكور أداء لافتًا جسد فيه تجربة الاعتقال بكل تفاصيلها الجسدية والنفسية، متنقلًا بين الانكسار والتمرد، وبين الألم والرجاء.
وشارك في العمل الذي أخرجه محمد مروان إدلبي، كل من محمد ملقي، بدور السجان، إلى جانب فاطمة عبد وثناء صقر، اللتين أضافتا بعدًا إنسانيًا للمشاهد عبر أدوار تعكس الحنين والأمومة والفقد.
العمل جمع ممثلين من حماة وحلب وإدلب واللاذقية، في مبادرة أرادها المخرج لتكون مشروعًا وطنيًا يوحّد الفنانين حول قضية إنسانية جامعة.
أما تصميم المكياج فكان من تنفيذ عبد الغني صيادي، بينما تولى عمار جراح الإضاءة والصوت التي لعبت دورًا سرديًا مهمًا في إبراز التوترات الداخلية للشخصيات.
قال صناع العمل المسرحي، إن “ذاكرة اعتقال” ليست مجرد عمل فني، بل رسالة وفاء لتضحيات المعتقلين والمغيبين، ومحاولة لتثبيت حضورهم في الذاكرة الجماعية للسوريين.
والمسرحية ليست مجرد عرض على الخشبة، بل صرخة فنية في وجه النسيان، ووثيقة إنسانية تحفظ ما تبقى من ذاكرة السوريين خلف القضبان.
تأتي “ذاكرة اعتقال” لتذكّر بأن الذاكرة لا تُمحى، وأن الفن يستطيع أن يروي ما عجزت عنه التقارير والشهادات.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى