تعا تفرج

نحن وركب الحضارة

tag icon ع ع ع

خطيب بدلة

أنا، محسوبكم، لا أتحمس لاستخدام مصطلح “الإسلام السياسي” في سياق كتاباتي، لأنه، برأيي، غير دقيق، ولكن، يمكننا استخدامه، تجاوزًا، للدلالة على جماعات من المسلمين، متكتلة ضمن أحزاب تتبنى أحد مذاهب الإسلام سياسة، ومنهجًا، مثل “حزب الله”، و”زينبيون”، و”فاطميون”، وحركة “حماس”، و”الجهاد الإسلامي”، وتنظيم “الدولة الإسلامية”، و”جبهة النصرة”، إلخ.

هذه الجماعات، وعلى الرغم من تنوعها، وتباعُد أماكن وجودها، تتفق، كلها، على خلق التباس دفاعي، ملخصه أن مَن يعارض سعيها لتولي السلطة، أو تفردها بالسلطة في إحدى الدول، كافر، زنديق، مرتد، يحارب الدين الإسلامي بوصفه عقيدة يعتنقها الملايين من البشر.. هذا الالتباس، في اعتقادهم، يقطع الطريق على أي نقد يمكن أن يوجه لسلوك جماعتهم، أو تجاوزاتها، أو حتى جرائمها (فيما لو وجدت)، وهناك حيلة أخرى، يلجؤون إليها، أحيانًا، وهي أن عامة الناس، لا يحق لهم إبداء الرأي في المسائل الدينية، فهذا من اختصاص المشايخ، الذين يسمونهم، أحيانًا، أهل الذكر.

الرد على هذه الادعاءات بسيط جدًا، وهو أن الإسلام دين بلا كهنوت، ومن حق كل مسلم أن يقرأ ما يتعلق بدينه، في الكتب، ويستخلص منها ما ينفعه في حياته، وحياة أسرته، وأن مَن يعترض على قفز هذه الجماعة، أو تلك، إلى السلطة، ليس زنديقًا، ولا كافرًا، ولكنه يفكر بالوطن، وهو على يقين بأن بناء الدول يحتاج إلى حاملي شهادات عليا، في القانون، والاجتماع، والهندسة، ومختلف العلوم الدنيوية، بينما تخلق السلطة التي تستند إلى دين، أو مذهب، انقسامات حادة في المجتمع، وهذا ليس عيبًا في الدين، ولا في المذهب، ولكن نصوص الدين تبقى محاطة بالقداسة، بمعنى أنها فاقدة حد المرونة اللازمة لمتابعة مستجدات الحياة، بينما يمكن تغيير القوانين والأنظمة الوضعية، في أي لحظة، ببساطة، وسهولة.

عندما يمارس الإنسان المتدين طقوسه، وعباداته، لا يسبب أي أذى للآخرين، ولكن، عندما يستولي المتدينون على الحكم، سيكونون مجبرين على الرجوع إلى الأحكام الدينية، التي قد لا تقبل بإشراك أبناء الأديان الأخرى، ولا أبناء المذاهب الأخرى، في السلطة، وقد يؤدي هذا إلى نوع من الخصومة، وربما أدى إلى وصول أبناء الوطن الواحد إلى الاقتتال.

مرت على المجتمعات الأوروبية قرون طويلة، كانت فيها ترزح تحت سلطة الكنيسة، وظهر التباين الذي أشرت إليه أعلاه، جليًا في موقفهم من نظرية مركزية الشمس، ورفضوا نظرية العالم غاليليه، المستندة إلى نظرية كوبرنيكوس، بل إن الكنيسة رفضت مختلف النظريات التي كان العلماء يأتون بها، ما أدى إلى إعاقة النزوع نحو التطور في تلك المجتمعات، وقد طال الصراع بين سلطة الكنيسة، ورغبة المجتمع في التطور والتحديث، إلى أن اكتشفوا كلمة السر السحرية، التي تُرضي الطرفين، وهي: فصل الدين عن الدولة، على أن تقوم الدولة بتطبيق مبدأ الحياد تجاه معتنقي الديانات كلها، وحمايتهم، والحرص على حريتهم في ممارسة طقوسهم.

المشكلة أننا، نحن أهل هذه المنطقة، لا نحب أن نتعلم من تجارب الآخرين، ومهما تكبدنا من خسائر، وتخلفنا عن ركب الحضارة، نرفض أن نتعلم، وأن نتطور.



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة