مطالب حقوقية باستبعاد المتورطين بانتهاكات من مؤسسات الدولة

أكدت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن استبعاد المتورطين بانتهاكات من مؤسسات الدولة ضرورة قانونية وأخلاقية - 29 أيلول 2025 (وزارة التربية السورية)

camera iconأكدت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن استبعاد المتورطين بانتهاكات من مؤسسات الدولة ضرورة قانونية وأخلاقية - 29 أيلول 2025 (وزارة التربية السورية)

tag icon ع ع ع

قالت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” إن استبعاد الأفراد المتورطين في انتهاكات “جسيمة” لحقوق الإنسان من مؤسسات الدولة السورية خلال المرحلة الانتقالية، يمثل ضرورة قانونية وأخلاقية، وليس مجرد قرار سياسي انتقائي.

وفي تقرير أصدرته اليوم، الاثنين 20 تشرين الأول، بعنوان “الضرورة القانونية والأخلاقية لاستبعاد المجرمين من مؤسسات الدولة في المرحلة الانتقالية في سوريا“، شددت على أن هذا الإجراء هو شرط رئيس لتحقيق العدالة الانتقالية ومنع تكرار الجرائم، واستعادة ثقة المواطنين بمؤسسات الدولة.

بقاء البنى والشخصيات التي رسخت الاستبداد وشاركت في الانتهاكات ينسف أساس العدالة الانتقالية، حسبما ورد في التقرير.

وقالت الشبكة إن إعادة بناء الدولة دون مساءلة وتطهير حقيقي تبقى عملية شكلية، ومعرضة للانهيار، ما قد يقود إلى دوامة جديدة من الإفلات من العقاب والانتقام.

وشدد التقرير على أن الإقصاء الإداري للمتورطين لا يعد انتقامًا، بل هو تجسيد لمبدأ “ضمان عدم التكرار”، كما نص عليه القانون الدولي لحقوق الإنسان، محذرًا من أن التغاضي عن هذا المطلب سيفسح المجال أمام تغلغل الإفلات من العقاب في مؤسسات الدولة المستقبلية.

ورصد التقرير كيف تحولت مؤسسات الدولة السورية في عهد نظام الأسد من أجهزة يفترض أن تكون في خدمة المواطن إلى أدوات قمع، بدءًا من القضاء، ومرورًا بالإعلام، وانتهاء بالجيش والأجهزة الأمنية.

وعرض مستويات التواطؤ البنيوي التي مكنت هذه الانتهاكات، من كبار القيادات الأمنية، إلى القضاة الذين شرعنوا القمع، ووصولًا إلى موظفين إداريين وفنيين ومثقفين وفروا الغطاء الاجتماعي والسياسي لممارسات النظام.

انتهاكات النظام السابق

وبحسب قاعدة بيانات الشبكة، تمثلت أبرز انتهاكات النظام السابق بـ:

  • قُتل ما لا يقل عن 202,021 مدنيًا.
  • سُجلت نحو 160,123 حالة اعتقال تعسفي واختفاء قسري.
  • توفي ما لا يقل عن 45,031 شخصًا تحت التعذيب.
  • تم تنفيذ 217 هجومًا كيماويًا، و254 هجومًا بذخائر عنقودية، إضافة إلى 81,954 برميلًا متفجرًا.
  • تم تهجير أكثر من 13.8 مليون سوري داخل البلاد وخارجها.

وتُظهر هذه البيانات أن الانتهاكات لم تكن حالات فردية، بل نتاج تواطؤ منظم شارك فيه:

  • عناصر الأجهزة الأمنية و”الميليشيات”.
  • قضاة ومحامون ومشرعون.
  • موظفون مدنيون ومسؤولون إداريون.
  • شخصيات اقتصادية وثقافية وإعلامية وفنية.

وقد وثقت الشبكة تورط 16,200 شخص في هذه الانتهاكات، بينهم قادة أمنيون وعسكريون، قضاة، وعناصر من ميليشيات رديفة، إضافة إلى شخصيات إعلامية واقتصادية.

استبعاد المتورطين في الانتهاكات لا يُعد إجراء انتقاميًا، بل هو ضرورة قانونية وأخلاقية تستند إلى مبادئ راسخة في القانون الدولي، وفي صلب العدالة الانتقالية، وعلى رأسها مبدأ “ضمانات عدم التكرار”، حسبما أكد التقرير.

واستشهد التقرير بأحكام المحكمة الأوروبية والمحكمة الأمريكية لحقوق الإنسان، التي أقرت بشرعية إجراءات التطهير المؤسسي شريطة التزامها بمعايير قانونية واضحة، وضمانات المحاكمة العادلة.

التقرير أشار إلى أن الإبقاء على المتورطين يمثل طعنة للضحايا، ويفتح الباب أمام إعادة إنتاج الانتهاكات، ما يكرس ثقافة الإفلات من العقاب.

نموذج متدرج لتطهير الإدارات

قدم التقرير إطارًا متدرجًا لتطهير الجهاز الإداري للدولة، من خلال تصنيف مستويات التواطؤ إلى ثلاث فئات:

المستوى الأول: استبعاد دائم وإلزامي

يشمل كبار القادة المتورطين مباشرة في الانتهاكات الجسيمة.

المستوى الثاني: استبعاد مفترض مع إمكانية الاستئناف

يشمل من شرّعوا الانتهاكات أو برروها أو أسهموا فيها بشكل غير مباشر.

المستوى الثالث: مراجعة فردية

يشمل الموظفين غير المتورطين مباشرة، مع إمكانية إعادة دمجهم وفق شروط صارمة.

ويُفرق التقرير بين المساءلة الجنائية والتدقيق الإداري، مشددًا على أن الغاية من الأخير هي استعادة شرعية مؤسسات الدولة، لا فرض العقوبات الجنائية.

الشبكة السورية لحقوق الإنسان اختتمت تقريرها بتوصيات رئيسية، أبرزها:

  • إقرار قانون خاص بالتطهير والتدقيق الوظيفي.
  • إشراك المجتمع المدني ومجموعات الضحايا.
  • إطلاق استشارة وطنية عامة حول مشروع القانون.
  • الاستفادة من قاعدة بيانات الشبكة، التي تضم آلاف الملفات الموثقة لمتورطين في الانتهاكات.
  • إطلاق حملة توعية وطنية حول العدالة الانتقالية والتطهير المؤسسي.

إدماج العدالة الانتقالية في عمل الوزارات

نشر الصحفي المدافع عن حقوق الإنسان، منصور العمري، ورقة بحثية تناول فيها التحديات التي تواجه مسار العدالة في سوريا بعد تشكيل “الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية”، في 17 من أيار الماضي.

واعتمدت الورقة، التي نشرت في 3 من أيلول الماضي، في مؤسسة “مبادرة الإصلاح العربي” للأبحاث بعنوان “تعميم العدالة الانتقالية في سوريا: مقترح للتكامل الوزاري”، على مراجعة تجارب دولية ومقترحات عملية.

وشددت الورقة على أن معالجة الانتهاكات الواسعة لا يمكن أن تقتصر على لجنة مركزية، بل تتطلب إدماج العدالة الانتقالية في عمل الوزارات نفسها عبر وحدات متخصصة، بما يجعلها جزءًا من الحوكمة اليومية وإصلاح مؤسسات الدولة.

وينطلق الباحث من أن الانتهاكات التي وقعت في أثناء النزاع لم تقتصر على قوات أمن محددة، بل تغلغلت في مختلف أجهزة الدولة، ومن ضمنها المسؤولة عن الرعاية الصحية والتعليم والممتلكات، لذلك تتطلب معالجة هذه الأمور فهمًا واستجابة خاصة بكل قطاع على حدة.

وبحسب الورقة البحثية، فإن بناء سوريا الجديدة يتطلب نهجًا مختلفًا يقوم على إدماج العدالة الانتقالية في عمل الوزارات نفسها، عبر وحدات متخصصة ترتبط مباشرة بالوزراء، وتكون مسؤولة أمام الهيئة المركزية، بما يضمن أن تتحول مبادئ المساءلة وجبر الضرر وعدم التكرار إلى جزء من الحوكمة اليومية.

“الشبكة السورية” تقدم رؤيتها لـ”العدالة الانتقالية”



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة