الرئيس السوري أحمد الشرع يصل إلى موسكو ويستقبله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين - 15 تشرين الأول 2025 (رئاسة الجمهورية السورية)
بصفقات "غير مشروطة"
معهد “واشنطن” يحذر من استعادة روسيا نفوذها في سوريا
تسعى روسيا إلى ترسيخ حضورها مجددًا في سوريا عبر استراتيجيات هادئة، تعتمد على إغراء دمشق بصفقات “غير مشروطة”، في محاولة لاستخدام البلاد كورقة استراتيجية طويلة الأمد ضد المصالح الأمريكية، ما يجعل من الضروري للحكومات الغربية أن تستفيد بالكامل من نفوذها الاقتصادي الحالي، بحسب تقرير لمعهد “واشنطن لسياسة الشرق الأوسط” صدر مساء الاثنين 20 من تشرين الأول.
وذكر التقرير أنه بعد نحو عام على سقوط بشار الأسد، المدعوم من موسكو، أتيحت للولايات المتحدة فرصة نادرة لإعادة تشكيل ميزان القوى في الشرق الأوسط.
إلا أن هذه الفرصة، وفق مراقبين، بدأت تتلاشى مع إعادة روسيا تموضعها داخل سوريا، فالفشل في مواجهة تحركات موسكو هناك قد يُكلّف الغرب خسائر فادحة على المستوى العالمي.
واستضاف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، نظيره السوري، أحمد الشرع، لأول مرة منذ سقوط الأسد، في زيارة تهدف إلى “إعادة تعريف” العلاقات بين البلدين، في 15 من تشرين الأول الحالي.
بالنسبة لروسيا، تكتسب سوريا أهمية استراتيجية بالغة لموقعها في شرق البحر الأبيض المتوسط، إذ تمنحها منفذًا لتوسيع نفوذها في الشرق الأوسط وإفريقيا، والجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، وجنوب أوروبا عمومًا. ومع استمرار الحرب في أوكرانيا، يمثل الوصول إلى شرق المتوسط طريقًا لوجستيًا بالغ الأهمية لموسكو.
قواعد ثابتة وحضور متجدد
رغم تراجع الاهتمام الدولي بالوجود الروسي في سوريا، فإن نفوذ موسكو هناك يتعزز تدريجيًا، فهي تحتفظ بحق الوصول إلى القاعدتين العسكريتين في طرطوس وحميميم، وقد تعيد توظيفهما لمهام إضافية مثل إنشاء مراكز لإرسال المساعدات الإنسانية إلى إفريقيا.
وخلال اجتماعه مع بوتين، أكد الشرع التزامه بالاتفاقيات السابقة المبرمة مع روسيا، في خطوة عكست استمرار سلامة القواعد الروسية في سوريا، كما تواصل روسيا تزويد سوريا بالنفط، وتشارك في طباعة العملة السورية، فيما تبقى سفارتها مفتوحة في دمشق.
ومع تخفيف القيود على المعاملات الاقتصادية، تبدو موسكو في موقع مهيأ لتوطيد علاقاتها مع دمشق عبر وسطاء تجاريين غير شفافين، بحسب التقرير.
مصالح اقتصادية متنامية
في بداية أيلول الماضي، زار نائب رئيس الوزراء الروسي، ألكسندر نوفاك، سوريا على رأس وفد رسمي، وعرض تقديم المساعدة والتعاون في مجال الطاقة.
كما دعت الحكومة السورية شركة “تاتنفت”، خامس أكبر شركة طاقة في روسيا، إلى استئناف عملياتها، إلى جانب شركات روسية أخرى.
ورغم أن روسيا لا تواجه أي حظر على توريد النفط إلى سوريا، فإن مراقبين يرون أن استقرار البلاد لا ينبغي أن يكون على حساب أولويات السياسة الخارجية الأمريكية الأخرى.
وقبل زيارته موسكو هذا الشهر، شدد الشرع مرارًا على ضرورة استمرار العلاقات مع روسيا، فعلى المستوى البراغماتي، لا تزال سوريا تعتمد على موسكو في المعدات العسكرية والدعمين الدبلوماسي والاقتصادي، رغم توجهها المتزايد نحو الغرب، وفق التقرير.
تفاهمات خفية خلال سقوط الأسد
لم يكن سقوط الأسد، كما اعتقد كثيرون في الغرب، ضربة استراتيجية قاصمة لروسيا، فقد ذكر الرئيس الشرع أن قواته كانت قد دخلت في مفاوضات سرية مع الروس في أثناء هجوم “ردع العدوان”، الذي أطاح بالأسد.
الشرع كشف أن قواته دخلت مدينة حمص بينما “ابتعدت روسيا عن المعركة”، في حين تجنبت قواته مهاجمة قاعدة “حميميم” الجوية الروسية، بذلك، اختارت موسكو التخلي عن الأسد مع الاحتفاظ بنفوذها داخل سوريا، عبر علاقاتها بالقيادة الجديدة.
خسائر الغرب ومكاسب موسكو
التقرير يرى أن تجاهل استمرار التدخل الروسي في سوريا سيُضعف مصداقية الولايات المتحدة لدى حلفائها وشركائها في أوروبا والشرق الأوسط.
كما أن فك الارتباط هناك سيوفر لموسكو موارد إضافية لمواصلة حربها على أوكرانيا، ويعزز مساعيها نحو تقليص النفوذ الأمريكي وفرض نظام دولي متعدد الأقطاب.
وأوضح أنه لطالما ركزت سياسة موسكو في سوريا على هذا الهدف الاستراتيجي الأوسع لفلاديمير بوتين، وليس على دعم الأسد أو حتى سوريا نفسها، ومن شأن الفشل في التصدي لروسيا الآن أن يقوض أهداف الولايات المتحدة في أوروبا وأوكرانيا وحلف شمال الأطلسي، وفي إطار التنافس العالمي بين القوى الكبرى.
سوريا بعد الأسد.. روسيا الرابحة
يؤكد صناع القرار الأمريكيون أن روسيا لا يمكن أن تستفيد من جرائم حرب الأسد، لكن موسكو تستفيد بالفعل من توسيع علاقاتها الاقتصادية والسياسية في سوريا ما بعد الأسد، وفق التقرير.
وورد في التقرير أنه لم يُحاسب الأسد ولا فلاديمير بوتين على الجرائم المرتكبة في سوريا، بما في ذلك القصف العشوائي والتعذيب.
كما استخدمت روسيا الحرب السورية كـ”حقل تجارب” لمعداتها وتكتيكاتها العسكرية التي اعتمدها الكرملين لاحقًا في أوكرانيا.
ورغم أن نفوذ روسيا في سوريا تراجع مقارنة بمرحلة الأسد، فإن الكرملين يخوض “لعبة طويلة الأمد” هناك، ويبني علاقاته بحذر وعلى جبهات متعددة، مقدمًا نفسه كقوة توازن أمام الفاعلين الآخرين. ولا يبدو أن الرئيس الشرع أو حتى أطرافًا خارجية مثل إسرائيل في عجلة من أمرهم لإقصاء موسكو من هذا الدور.
لعبة النفوذ الطويلة
تبدو روسيا في وضع جيد للتقدم في سوريا، ما لم يواجه الغرب طموحاتها بشكل مباشر، بحسب التقرير، مضيفًا “فخلافًا لجهات أكثر هيمنة مثل تركيا، تتمتع موسكو بميزة علاقاتها مع جميع الأطراف، بما في ذلك “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، والطائفتان العلوية والدرزية.
ويرجح مراقبون أن موسكو تستخدم هذه العلاقات لتأجيج التوترات العرقية والطائفية، ما يُبقي سوريا ضعيفة ومنقسمة، وأكثر قابلية للتأثير الخارجي.
دعوة إلى تحرك غربي
يحذر التقرير من أن على الغرب التحرك سريعًا قبل أن تتضاءل فرصة كبح النفوذ الروسي، فالمطلوب هو تعزيز بدائل اقتصادية وسياسية حقيقية أمام دمشق، مع الضغط على الشرع لتقليص اعتماد بلاده على موسكو.
ويشير الخبراء إلى أن سوريا تحتاج إلى اقتصاد فعال، وهو ما لا تستطيع روسيا توفيره، في حين تبدي دمشق رغبة متزايدة في التواصل مع الغرب.
في المقابل، تحرص روسيا على استغلال أي فراغ غربي، فحيثما تغيب القوى الغربية، تبادر موسكو إلى عرض دعمها السريع وغير المشروط، على عكس الديمقراطيات التي تربط المساعدات بتحسين أوضاع حقوق الإنسان.
ويحذر المراقبون من أن روسيا، إذا توسع نفوذها أكثر، قد تسهم في زيادة عدم الاستقرار داخل سوريا والمنطقة، وقد تُفاقم التوترات الإقليمية لصرف أنظار الغرب وإشغاله عن جبهات أخرى مثل أوكرانيا.
ويؤكد التقرير أن الفشل في كبح طموحات الرئيس الروسي سيعيد روسيا بقوة إلى المنطقة، مع ما يحمله ذلك من تداعيات على الأمن الإقليمي والدولي.
القواعد الروسية وملفات اقتصادية
بحث الرئيس الشرع، خلال زيارته إلى روسيا عددًا من الملفات على رأسها القواعد الروسية وملفات اقتصادية بين البلدين.
وأجرى الشرع أول زيارة إلى روسيا، منذ سقوط نظام الأسد في 8 من تشرين الأول 2024، على رأس وفد ضم وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، ورئيس الاستخبارات حسين السلامة، ووزير الدفاع السوري، مرهف أبو قصرة، في 15 من تشرين الأول.
وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، قال إن الخارجية الروسية بذلت جهودًا كبيرة لإقامة التعاون مع السلطات السورية الجديدة، وفق وكالة “ريا نوفوستي”.
كما قال لافروف، لوكالة “سبوتنيك”، إن الرئيس الروسي خلال لقائه بالشرع “ناقش كل شيء” بما في ذلك موضوع القواعد الروسية.
إلى ذلك، قال نائب رئيس مجلس الوزراء الروسي، ألكسندر نوفاك، إن سوريا بحاجة إلى إعادة بناء بنيتها التحتية وروسيا قادرة على تقديم الدعم.
وأشار إلى أن روسيا وسوريا اتفقتا على عقد اجتماع للجنة حكومية دولية في المستقبل القريب، مضيفًا أن “مسائل الإمدادات الإنسانية” لسوريا نوقشت خلال المحادثات بين بوتين والشرع في الكرملين.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :