يحتضنه "دير الآباء اليسوعيين" كل ثلاثاء

أجيال مختلفة تتفاعل في “مجتمع حمص السينمائي”

قاعة دير الآباء اليسوعيين في حمص أثناء عرض فيلم ميل يا غزيل - 28 تشرين الأول 2025 (عنب بلدي/ محمد كاخي)

camera iconقاعة دير الآباء اليسوعيين في حمص أثناء عرض فيلم ميل يا غزيل - 28 تشرين الأول 2025 (عنب بلدي/ محمد كاخي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – محمد كاخي

في يوم الثلاثاء من كل أسبوع، يجتمع الحماصنة بمختلف أعمارهم في “دير الآباء اليسوعيين” بحي الحميدية لمتابعة الأفلام الوثائقية السورية واللبنانية والفلسطينية، التي يقدمها “مجتمع حمص السينمائي”، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) و”دير الآباء اليسوعيين”، للاستمتاع بحكايات بلادهم في عيون مخرجيها.

أسست مجموعة من الشباب الحمصي “مجتمع حمص السينمائي” في شباط الماضي، ليبدؤوا رحلة إعادة تنشيط الحركة السينمائية في المدينة، من خلال تقديم العروض بشكل مجاني.

المؤسس المشارك في “مجتمع حمص السينمائي”، نوار البقاعي، قال لعنب بلدي، إن سقوط النظام السوري منحهم فرصة لبدء هذا المشروع، فقبل سقوط النظام لم يكن ممكنًا بناء مجتمع سينمائي مستقل، وكان سيُفرض عليهم الترويج لرواية النظام السوري من خلال الأفلام التي ستُعرض.

يؤمن القائمون على “المجتمع” بأن السينما أداة حوار والتقاء، ويحاولون من خلالها إحداث تغيير ثقافي واجتماعي، واختار “المجتمع”، بحسب البقاعي، تقديم أفلام وثائقية من السينما السورية واللبنانية والفلسطينية، لعرض شخصيات حقيقية قد يكون لها أشخاص يشبهونها على المقاعد بين الحضور، وأفلام تخص الشأن السوري في الماضي والحاضر وتلامس مجتمعه.

ويختار “المجتمع” أفلامًا منعها النظام السابق من العرض، وتناولت الثورة السورية وسرديتها، ويخلق مساحة للنقاش بين المتفرجين بعد انتهاء الفيلم، يتبادل خلالها الحضور والقائمون وجهات نظرهم عما شاهدوه.

وقال البقاعي، إن الفريق يختار أفلامًا تفتح آفاق النقاش بين الجمهور، وتكون من صلب الواقع المعاش للسوريين اليوم.

حضرت عنب بلدي العرض الأخير وقابلت الجمهور والقائمين على “المجتمع”، لتستكشف آراء الحماصنة عن مجتمعهم السينمائي الصغير.

استعادة ذكريات مضت

يجتمع في قاعة العرض جمهور من جميع الفئات العمرية، فيمكن للمراقب أن يرى الشباب والكبار والمراهقين، وكل منهم يأتي لأسبابه ورؤيته الخاصة.

زكة خانكان (54 عامًا)، ترتاد “دير الآباء اليسوعيين” لتعود بذاكرتها إلى مطلع الألفية، حين كانت تقضي فترة شبابها في حمص برفقة أصدقائها، متنقلين بين دور السينما والمسارح والمراكز الثقافية.

استعادت زكة، في حديثها إلى عنب بلدي، نشاطاتها السابقة، وكيف افتقدتها بعد اندلاع الثورة السورية وتدمير النظام السابق مدينة حمص، واعتبرت أن مثل هذه المبادرات والتجمعات بعد 14 عامًا، “جميلة ومهمة”، خصوصًا أن دور السينما في حمص جميعها دُمرت.

عمر البقاعي (63 عامًا)، يثمّن التجربة التي تعيده إلى شبابه الذي قضاه بين مقاعد المراكز الثقافية والمسارح في حمص، فقد تربى، بحسب قوله، على السينما والأدب، وهو ما صقل شخصيته وهذّبها.

وتفتقد المدينة إلى السينما والفن، خصوصًا أن النوع الذي يُعرض في “المجتمع” يمس الواقع السوري، بحسب عمر، وعلى السوريين برأيه أن يدرسوا ما صنع مخرجو الماضي عن الفترات السابقة كي لا يكرروها في حاضرهم، ولإنتاج حالة مجتمعية أرقى مما هي عليه.

يتفق أنور إلياس (59 عامًا) مع صديقه عمر، بشأن أهمية هذه العروض، فالزمن اليوم زمن الصورة، ومن المهم أن تكون هذه التجربة في حمص منطلقًا لتجارب أخرى في بقية المدن كي يتحدث السوريون ويتعرفوا إلى بعضهم، لأنهم لا يعرفون بعضهم جيدًا، وعاشوا على ما نسجته كل مجموعة عن الأخرى في خيالها، بحسب قوله.

الشباب يستكشف التجربة

ينافس الشباب من سبقوهم من كبار السن في إحصائيات الحضور، وبحسب المؤسس المشارك في “مجتمع حمص السينمائي”، نوار البقاعي، فإن هناك توازنًا في أعداد الحضور بين من هم فوق الـ40 عامًا ومن هم تحت الـ40، ويثبت الشباب حضورهم بشكل دائم، وفي الأصل، “مجتمع حمص السينمائي” أسسه شباب أعمارهم بين 21 و26 عامًا، قال البقاعي.

يحضر الشباب إلى “المجتمع” لاستكشاف ما لم يعرفوه عن المنطقة، وليتعرفوا أكثر إلى بلادهم من خلال عدسات مخرجي الأفلام الوثائقية.

“منذ كنت صغيرة وأنا أتابع السينما، ولدي شغف بالصورة، وكلما كبرت تعمقت أكثر بالفكرة، إلى أن وصلت إلى قاعة مجتمع حمص السينمائي لأشاهد أفلامًا تنمّي تجربتي ومعرفتي عن البلاد وتاريخها ومجتمعها”، قالت سماح (24 عامًا).

تحلم سماح بدراسة الإخراج في السنوات المقبلة، وتأتي إلى “المجتمع” لتغذي تجربتها البصرية بما أنتجه المخرجون السوريون واللبنانيون والفلسطينيون.

تحب لارا (21 عامًا) أن ترى العالم من كاميرا السينما، ويعجبها النقاش الذي يجريه الحضور بعد انتهاء الفيلم، حين يتبادل الحضور آراءهم ووجهات نظرهم حول ما شاهدوه، وهو ما تعتبره أفضل وقت خلال الفعالية، لأنها مهتمة باستطلاع وجهات النظر المختلفة للآخرين، وكيف يرى الآخر ما تراه هي أيضًا في نفس الوقت.

تجربة الأفلام الوثائقية السورية كانت جديدة على لارا، وتعرفت إليها من خلال عروض “المجتمع” لأنها شعرت بأنها تشاهد شيئًا يشبه واقعنا اليوم، وأحبّت التجربة التي تتمنى أن تستمر في حمص وتتوسع إلى باقي مدن البلاد.

قاعات جديدة بالانتظار

جميع من قابلتهم عنب بلدي خلال العرض الأخير لـ”المجتمع”، أشادوا بهذه التجربة وأهميتها على الصعيد الثقافي والمجتمعي، وتمنوا توسيع تغطيتها لتشمل أحياء أخرى في المدينة، ولتصل إلى ريفها أيضًا، حيث لا يستطيع الناس تحمل أعباء القدوم إلى المدينة لحضور الأفلام.

وتتمنى زكة خانكان، أن تتوسع التجربة الحالية المقامة في “دير الآباء اليسوعيين”، لتخرج إلى أماكن أخرى في حمص، وأن تعود كما كانت في ذاكرة الحماصنة سابقًا بالمركز الثقافي والمسارح.

المؤسس المشارك في “مجتمع حمص السينمائي”، نوار البقاعي، قال لعنب بلدي، إن “المجتمع” سيحصل على منح تمويلية تمكّنه من العرض في مناطق مختلفة ضمن مدينة حمص، وإن الفترة السابقة كانت مرحلة تأسيسية فقط، وسيحافظ “المجتمع” على تقديم العروض بشكل مجاني في مختلف أماكن العرض.

وأضاف البقاعي أنهم الآن بصدد تجهيز مشروع يهدف إلى إيصال العروض للفئات التي لا يمكنها بلوغ مراكز المدن، كمناطق دير بعلبة وتير معلة في حمص، وستكون لـ”المجتمع” عروض خارج حمص أيضًا، في جرمانا ودوما ومخيم “اليرموك” بدمشق، وفي مناطق من حلب أيضًا.



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة