تعا تفرج

المثقف الليبرالي المفقود

tag icon ع ع ع

خطيب بدلة

ثمة ظاهرة طريفة، تنتشر بين السادة أشباه المثقفين، هي النظرة التقابلية للمفاهيم، يعني الواحد إما مع، أو ضد.. فإذا انتقدت الحكومة الحالية، ينط لك واحد شبه مثقف، ويسألك باستنكار: يعني نظام الأسد أحسن؟ وينط آخر ويسألك: أنت زعلان على حكم الأقليات؟ وإذا انتقدت دكتاتورية الرئيس العراقي السابق، صدام حسين، يقول لك شبه مثقف ثالث: يعني الأمريكان، والميليشيات اللي إجوا بعد صدام حسين أحسن؟

استخدمت مصطلح أشباه المثقفين، في وصف حالتنا، لأنني أفترض، أن الإنسان الوحيد الذي يستحق لقب “المثقف”، هو المتحرر، الليبرالي، الذي لا يتحيز لجماعة، أو أيديولوجية، ولا يتبنى غير مبدأ المواطنة، وحقوق الإنسان، يقف في مواجهة من يعادي الإنسان، بغض النظر عن جنسه، وانتمائه، وهذا، للأسف، صنف نادر في بلادنا، والبارحة، في أثناء حديث جرى بيني وبين صديقي، قلت له: إذا عثرت على مثقف ليبرالي سوري، دلني عليه، أريد أن آخذ معه صورة تذكارية.

بسبب التقابلية، أو الازدواجية التي يتبناها أشباه المثقفين، تراهم يحبون إيران، و”حزب الله”، لأنهما كانا يحاربان ضد إسرائيل، العدو الذي توارثت أجيالنا معاداته، ثم، فجأة، يكرهون إيران و”حزب الله”، لأنهما، وقفا مع نظام الأسد، ضد الثائرين عليه، وتجلت هذه الازدواجية بصورة شديدة التعقيد، عندما أظهر أشباه المثقفين امتنانًا لإسرائيل، لأنها قهرت إيران و”حزب الله”، وشمتوا بهما شماتة لا توصف، ولكن هذا الامتنان لم يدم طويلًا، إذ عادوا لوضع إسرائيل في خانة العدو الأزلي، الذي لم يتوقف، قط، عن قتل الإخوة مجاهدي “حماس”، وتهجير شعب غزة الصامدة.

أنا، أيضًا، أدين إسرائيل، بسبب قتلها مدنيين في غزة، ومحاولتها تهجير سكان فلسطينيين، ولكن المثقف الليبرالي أشجع مني بكثير، فهو يدين إقدام “حماس” على قتل مدنيين إسرائيليين، ويستنكر قتل “حماس” فلسطينيين معارضين لسياساتها، بعد وقف إطلاق النار، والمثقف الليبرالي يبصم لنا على إدانة كل أفعال التهجير التي تقوم بها إسرائيل بحق الفلسطينيين، ولكنه يرفض، أيضًا، تهجير المدنيين من قريتي كفرية والفوعة، ويطالب بعودتهم إلى ديارهم، وعمومًا، هو يخاصم كل أشكال الاعتداء على البشر العزل، بالقتل، أو بالتهجير، أو بقطع موارد الرزق.

في عقل شبه المثقف ما يشبه خلاط الفواكه، يأخذ الأفكار التي تخدم موقفه المسبق، المؤيد للسلطة، ويضع فيه آخر الأحداث التي حصلت، ويخرج منها بنتائج تريه أن كل ما تفعله السلطة يصب في مصلحة المواطن، والوطن.. يرى في السياسة الخارجية للسلطة الحالية، التي تحاول إرضاء جميع الدول المتصارعة على سوريا، نوعًا من الذكاء والحكمة، ولا يسأل عن المقابل، أو التنازلات التي تقدمها سوريا لهذه الأطراف، على حساب اقتصادها، وحاضرها، ومستقبلها.

إنني أطمح، الآن، لأن نحاول، نحن أشباه المثقفين، الارتقاء بعقولنا، ومواقفنا، إلى مستوى المثقف الليبرالي، فنكف عن كل أنواع التلفيق، والترقيع، وتدوير الزوايا، وتضخيم جرائم أحد أطراف الصراع، وإخفاء جرائم الطرف الذي نؤيده، وأن ننتقل، في المحصلة، من خانة التفكير الطائفي، والعرقي، والقَبَلي، والمناطقي، إلى خانة التفكير الحر، الذي يقف، بصلابة، مع الوطن، والحرية، وحقوق الإنسان.



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة