tag icon ع ع ع

أمير حقوق | مارينا مرهج | كريستينا الشماس | محمد ديب بظت

يثير قرار تعديل أسعار التعرفة الكهربائية، الذي صدر مؤخرًا، جدلًا واسعًا بين المواطنين وقطاعات الإنتاج من معامل وورشات على حد سواء، خاصة في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي يواجهها السوريون.

وأصدرت وزارة الطاقة السورية، في 30 من تشرين الأول الماضي، تفاصيل قرار رفع أسعار الكهرباء وفقًا لأربع شرائح، قالت إنها “تراعي الفئات الاجتماعية ومستويات الاستهلاك المختلفة”، وذلك كجزء من خطة حكومية تهدف إلى إصلاح قطاع الكهرباء وتحسين الخدمة، في وقت يعاني فيه هذا القطاع من خسائر تقدّر بمليار دولار سنويًا، وسط تحديات في التمويل والبنية التحتية في معظم المناطق، بحسب ما ذكرته الوزارة.

وعقب رفع الأسعار، أصبح حديث الكهرباء الشغل الشاغل للسوريين على مختلف المستويات، دون أن تتضح بعد خطة الحكومة للاستجابة لهواجس الشارع.

أجرت عنب بلدي استطلاعًا للتعرف إلى رأي السوريين في تعرفة الكهرباء الجديدة، ومدى تناسبها مع مستوى الدخل في سوريا.

ورأى 83% من أصل 2550 شخصًا شاركوا في الاستطلاع، أن التعرفة الجديدة لا تناسب الدخل، بينما اعتبر 17% أنها مناسبة..

عنب بلدي استطلعت أيضًا آراء الشارع السوري، وتواصلت مع متخصصين وجمعيات وجهات ذات صلة، لتقديم قراءة أوسع في الأثر المتوقع لقرار رفع أسعار الكهرباء على حياة الناس والأسعار، والتكاليف المترتبة على القرار في مختلف القطاعات الإنتاجية.

كيف تعامل محدودو الدخل مع “كابوس” الشرائح

مع التدهور المستمر في القدرة الشرائية للمواطنين في سوريا، والظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها الكثيرون، أثار خبر تعديل تعرفة الكهرباء موجة من الجدل والغضب بينهم، إذ إنه سيؤثر بشكل مباشر على حياتهم، بحسب ما عبروا عنه لعنب بلدي.

فبينما يرى بعضهم أن زيادة الأسعار قد تكون ضرورية لمواجهة العجز في قطاع الكهرباء وتطويره، يتساءل آخرون عن مدى قدرة الأفراد على تسديد الفواتير.

باتت فاتورة الكهرباء المرتقبة “كابوسًا” يطارد سامر العلي، موظف حكومي، بين ما يجب دفعه وما يمكن التنازل عنه، كي يتمكن فقط من تسديد الفاتورة في موعدها، في حين يعجز دخله الشهري عن تغطية أبسط احتياجات أسرته.
ولم تعد المسألة بالنسبة له مرتبطة بتوفير الكهرباء بقدر ما أصبحت “معركة بقاء يومية”، بحسب تعبيره، فكل تحسن في التغذية الكهربائية بات يعني بالنسبة له ارتفاعًا جديدًا في التكاليف، إذا ما تغير دخله وصدقت الحكومة في وعودها بزيادة الأجور الشهرية.

وتقضي أمل الرفاعي، ربة منزل من حي الميدان بدمشق، معظم وقتها في التفكير بكيفية ترشيد استهلاك الكهرباء في منزلها، خشية أن تتجاوز فاتورتها الشهرية حد 300 كيلوواط، الذي رسمته لنفسها كخط “أحمر لا يجوز تجاوزه”.

ولا تختلف أمل عن كثير من المواطنين، الذين باتوا يحسبون بدقة ساعات تشغيل الأجهزة الكهربائية في منازلهم، ويتردون في تشغيل السخان بغرض الاستحمام، وينظمون دورات غسل الملابس في أيام محددة ضمن الأسبوع، لتتحول إدارة أمل لشؤون المنزل إلى عملية مراقبة مستمرة للأجهزة، تخشى فيها أن يؤدي أي خلل بسيط إلى زيادة في العداد لا قدرة للأسرة على تحملها، “لم يعد القلق من انقطاع الكهرباء، بل من استهلاكها، بعد أن أصبحت الفاتورة بندًا أساسيًا يهدد توازن ميزانية البيت كل شهر”، بحسب تعبيرها.

توزع الشرائح والأسعار بحسب ما نشرته الوزارة عبر “فيسبوك“:

  • الشريحة الأولى بسعر 600 ليرة سورية للكيلوواط الواحد، حتى كمية استهلاك 300 كيلوواط خلال دورة شهرين بنسبة دعم حكومي 60% من سعر التكلفة.

  • الشريحة الثانية بسعر 1400 ليرة للكيلوواط الواحد، وتضم أصحاب الدخل المتوسط والمرتفع والمشاريع الصغيرة التي تستهلك أكثر من 300 كيلوواط خلال دورة شهرين.

  • الشريحة الثالثة بسعر 1700 ليرة للكيلوواط الواحد، وتضم المعفيين من التقنين، مثل المؤسسات الحكومية والشركات والمصانع التي تحتاج إلى كهرباء على مدار الساعة.

  • الشريحة الرابعة بسعر 1800 ليرة، وتضم المعامل والمصانع والاستهلاك الكهربائي العالي، مثل معامل الصهر وغيرها.

استبدال المحولة المعطوبة في مركز تحويل الحسينية رقم (3) بمحولة جديدة باستطاعة 400 كيلو فولط - 3 تشرين الثاني 2025 (وزارة الطاقة /تلجرام)

استبدال المحولة المعطوبة في مركز تحويل الحسينية رقم (3) بمحولة جديدة باستطاعة 400 كيلو فولط – 3 تشرين الثاني 2025 (وزارة الطاقة /تلجرام)

ثلث الراتب للكهرباء

أمين سر جمعية حماية المستهلك والخبير الاقتصادي، عبد الرزاق حبزة، قال في حديث إلى عنب بلدي، إن عدم تناسب التعرفة الكهربائية الجديدة مع دخل المواطن يعد أمرًا بديهيًا، مشيرًا إلى أن رواتب المواطنين لا تتجاوز مليونًا ونصف مليون ليرة سورية بحدها الأقصى.

وأضاف حبزة أن من يتقاضى مليون ليرة، سيدفع نحو 300 ألف ليرة فاتورة كهرباء، أي ما يعادل ثلث راتبه تقريبًا، وهذا لا يتناسب بأي شكل مع الدخل الحالي.

وأشار حبزة إلى أن أي ارتفاع في حوامل الطاقة بشكل عام، سواء كان البنزين أو المازوت أو الفيول أو الكهرباء، يؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على دخل ومعيشة المستهلك، معتبرًا أن ارتفاع أسعار الكهرباء تحديدًا سينعكس بصورة مباشرة على الاستهلاك المنزلي.

وبيّن حبزة أن المواطن بات بالكاد يؤمّن حاجاته الغذائية، فموضوع الغذاء أصبح عبئًا يصعب تأمينه أصلًا، منوهًا إلى أنه أوضح سابقًا أن الدخل الشهري للمواطن يجب أن يتراوح بين خمسة وسبعة ملايين ليرة قبل التفكير بزيادة أسعار الكهرباء، حتى يتمكن فقط من البقاء على قيد الحياة.

ارتفاع الأسعار.. مخاوف مرتقبة

يبرر زيد لطفي، صاحب محل لبيع اللحم الأحمر في سوق الطبالة، أن رفع الأسعار لم يعد خيارًا بيده، بل ضرورة تفرضها التكلفة، فكل كيلو من اللحم الذي يعرضه على زبائنه يمر عبر سلسلة طويلة من التكاليف، من التبريد والنقل حتى فواتير الكهرباء الشهرية.

يجد زيد نفسه أمام معضلة، فإن لم يرفع السعر، سيخسر رأس ماله، وإن رفعه، سيخسر بعض زبائنه، لكنه يعتبر أن الاستمرار بالبيع بالأسعار القديمة يعني الإغلاق عاجلًا أم آجلًا.

أشار أمين سر جمعية حماية المستهلك، عبد الرزاق حبزة، إلى أن ارتفاع أسعار الكهرباء سينعكس فورًا على أسعار السلع والمواد الأولية، إذ تضطر المعامل والمحال التجارية إلى رفع الأسعار بشكل تلقائي.

وأوضح أن المنشآت التي تعتمد على التبريد، مثل محال اللحوم والفروج والبيض والمواد الغذائية الحساسة، ستزيد أسعارها بنسبة تتراوح بين 10 و15% بسبب تكلفة الكهرباء.

كما لفت إلى أن قطاع الدواجن يتأثر بشدة، إذ يحتاج إلى الكهرباء سواء في الصيف للتبريد أو في الشتاء للتدفئة، ما يؤدي إلى زيادة إضافية في الأسعار.

وطالبت الجمعية سابقًا بإعفاء المصانع والقطاع الزراعي خصوصًا من رسوم الكهرباء، لأن الزراعة تعتمد عليها في ضخ المياه والسقاية والاستخراج، وكذلك في إنتاج المواد الأولية الزراعية التي تتأثر بدورها بارتفاع الأسعار، وفي النهاية لا يمكن للتاجر أو الفلاح أو الصناعي أن يتحمل الخسارة، فيضيف الزيادة إلى التكلفة النهائية، لتنعكس مباشرة على المواطن، بحسب حبزة.

ارتفاع أسعار الكهرباء سينعكس فورًا على أسعار السلع والمواد الأولية، إذ تضطر المعامل والمحال التجارية إلى رفع الأسعار بشكل تلقائي.

عبد الرزاق حبزة
أمين سر جمعية حماية المستهلك وخبير اقتصادي

 

لا تأثير على السلع

مدير حماية المستهلك وسلامة الغذاء في الإدارة العامة للتجارة الداخلية وحماية المستهلك، حسن الشوا، يرى أن القرار الأخير لم ينعكس على أسعار السلع في الأسواق، إذ لم تُسجّل أي زيادة بعد صدور القرار، بحسب بيانات دائرة “سبر الأسعار” التي ترصد حركة الأسعار في جميع المحافظات.

وأشار، في حديث لعنب بلدي، إلى أن الزيادة في تكلفة الكهرباء لم تُحدث فرقًا ملموسًا على أسعار البيع، لأن تأثيرها موزّع على عدد كبير من المواد والقطع ضمن المحل الواحد، ما يجعلها غير مبرر لرفع الأسعار، وشدد على أن المديرية تتابع يوميًا مؤشرات الأسعار عبر دائرة “سبر الأسعار”، التي تجمع بيانات من عشرة مصادر مختلفة لكل مادة أساسية، مما يتيح معرفة أي تغير في الأسعار بشكل فوري.

وأكد أن الأسواق السورية تشهد في الوقت الحالي انخفاضًا ملحوظًا في أسعار عدد من المواد الأساسية، بعد فترة من الارتفاع، موضحًا أن التجار أبدوا وعيًا عاليًا في التعامل مع الظروف الاقتصادية الراهنة، وأن هناك حسًا وطنيًا عامًا لدى المواطنين والتجار معًا للحفاظ على استقرار الأسعار وحماية المستهلك.

 

القرار الأخير لم ينعكس على أسعار السلع في الأسواق، إذ لم تُسجّل أي زيادة بعد صدور القرار، بحسب بيانات دائرة “سبر الأسعار” التي ترصد حركة الأسعار في جميع المحافظات.

حسن الشوا

مدير حماية المستهلك بالإدارة العامة للتجارة الداخلية

 

ماذا عن الرقابة؟

حول الإجراءات المتخذة لحماية المستهلكين، قال حبزة، إن الرقابة على الأسواق في الوقت الحالي لن تكون مجدية، لأن المنتج أو التاجر يبرر ارتفاع الأسعار بزيادة التكاليف، خصوصًا في ظل اقتصاد السوق الحر.

“في السوق الحر يحدد التاجر السعر الذي يراه مناسبًا استنادًا إلى تكلفته مع هامش الربح، بخلاف ما كان يحدث سابقًا حين كانت هناك تسعيرة رسمية وتحديد للتكلفة والربح”، قال حبزة.

ونوه إلى أن المخالفات اليوم تقتصر على الإعلان عن الأسعار أو قضايا الغش والتدليس، بينما ارتفاع الأسعار بحد ذاته لا يُعد مخالفة.

وأوضح حبزة أن الجمعية طالبت بتحديد حد أقصى للربح، بحيث لا يُسمح للتاجر بشراء سلعة بعشرة آلاف وبيعها بـ30 ألفًا مثلًا، بل بزيادة منطقية إلى نحو 15 ألفًا فقط، لمنع استغلال ارتفاع الكهرباء كذريعة لرفع الأسعار بشكل مبالغ فيه.

أعمال صهر للحديد داخل ورشة حدادة بمنطقة الكلاسة الصناعية بمدينة حلب- 2 تشرين الثاني 2025 (عنب بلدي)

أعمال صهر للحديد داخل ورشة حدادة بمنطقة الكلاسة الصناعية بمدينة حلب- 2 تشرين الثاني 2025 (عنب بلدي)

فرص الاستدامة وتهديدات الأمن المجتمعي.. تأثير مزدوج

على الرغم من أنه جزء من خطة حكومية لإصلاح قطاع الكهرباء وتحسين استدامته المالية والفنية، فإن القرار الخاص بأسعار الكهرباء قد يؤدي إلى تفاقم الأزمات المعيشية، خصوصًا لدى الفئات محدودة الدخل، ويزيد الضغوط على القطاع الخاص الذي يتحمل أغلبية تكاليف الإنتاج والتشغيل، بحسب محللين اقتصاديين تواصلت معهم عنب بلدي.

الخبير الاقتصادي والأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة “حماة” الدكتور عبد الرحمن محمد، يعتقد أن تعديل أسعار التعرفة يمثل خطوة أولى ضمن خطة شاملة لإصلاح قطاع الكهرباء، موضحًا أن الحكومة تسعى من خلال هذا الإجراء إلى تأمين استمرارية الخدمة ومنع انهيار المنظومة الكهربائية، وهذا يتطلب تحقيق توازن بين التكلفة الفعلية والإيرادات.

ويعتقد محمد أنه على الرغم من ذلك، سيؤثر القرار حتمًا على قدرة المواطن الشرائية، موضحًا أن متوسط الدخل الشهري في سوريا لا يتجاوز نحو 75 دولارًا، وأن نحو 90% من السكان يعيشون تحت خط الفقر، ما يجعل أي زيادة في الفواتير عبئًا جديدًا على كاهل الأسر، خصوصًا الفقيرة منها.

ويتوقع أن تنعكس زيادة تكلفة الكهرباء على أسعار النقل والإنتاج والمواد الغذائية، ما قد يفاقم معدلات التضخم ويحد من قدرة الأسر على تلبية احتياجاتها الأساسية.

وبذلك فإن الأثر الاقتصادي المتوقع من تعديل التعرفة سيكون مزدوجًا، بحسب محمد، فمن جهة يمكن أن يسهم في تحسين استدامة الكهرباء وزيادة ساعات التشغيل، ومن جهة أخرى قد يؤدي إلى زيادة الأعباء المعيشية وارتفاع أسعار السلع والخدمات.

في حين وصف الخبير الاقتصادي محمد الحلاق، رفع التعرفة بأنه “معاناة اقتصادية”، تمس جوهر العقد الاجتماعي، وتهدد استقرار المجتمع ككل، مشيرًا إلى أن ارتفاع الأسعار لم يعد قضية خدمية، بل أزمة تمس حياة السوريين اليومية.

وقال الحلاق، إن الشريحة الأولى من التعرفة، التي يفترض أنها مدعومة، وصلت إلى نحو 180 ألف ليرة، فيما تضاعفت الأسعار في الشرائح الأعلى، مضيفًا أن الأهالي اليوم غير قادرين على دفع الفواتير الدنيا، فكيف سيدفعون فواتير الشريحة الثانية.

“نحن نتجه نحو أزمة حقيقية تهدد البنية الاجتماعية إذا لم يتم التدخل لتخفيف الصدمة”، بحسب الحلاق.

التأثير على القطاع الخاص

الزيادة ستنعكس على القطاع الخاص، بحسب الخبير محمد الحلاق، موضحًا أن أي ارتفاع في تكاليف الطاقة ينعكس على هوامش الربح، فالتاجر أو الصناعي الذي كان يربح 5% فقط، سيضطر إلى رفع الأسعار لتغطية نفقات إضافية، وليس لجني أرباح أكبر كما يُعتقد.

ويعتقد الحلاق أن الإجراءات الحكومية الأخيرة لم تراعِ وضع العاملين في القطاع الخاص، شارحًا، “حتى لو افترضنا أن الحكومة عوضت الموظفين في القطاع العام بمبالغ محددة، فماذا عن مئات الآلاف من العاملين في القطاع الخاص. هل هذا القطاع قادر اليوم على رفع الأجور أو تحمل الأعباء الجديدة؟”.

وأشار إلى أن بيئة الاستثمار في سوريا تعاني من عدم استقرار وغموض في التشريعات، الأمر الذي يعوق خلق فرص عمل جديدة ويزيد من معدلات البطالة.

وقال الحلاق، إن نحو 80% من منشآت القطاع الخاص تعاني أو تعمل بالكاد لتغطية تكاليفها، بينما لا تتجاوز نسبة المؤسسات التي بوضع جيد الـ20%، وغالبًا هي شركات تصديرية أو تملك علامات تجارية قوية، محذرًا من أن بعض الشركات الصغيرة قد تضطر إلى تقليص عدد العاملين أو حتى الإغلاق.

 

الزيادة ستنعكس على القطاع الخاص، وأي ارتفاع في تكاليف الطاقة ينعكس على هوامش الربح، فالتاجر أو الصناعي الذي كان يربح 5% فقط، سيضطر إلى رفع الأسعار لتغطية نفقات إضافية، وليس لجني أرباح أكبر كما يُعتقد.

محمد الحلاق

خبير اقتصادي

 

وفي حديثه عن الأجور، أكد الحلاق أن رفع الحد الأدنى للأجور في القطاع الحكومي، سيجبر القطاع الخاص على الرفع أيضًا، ما يزيد من تكاليف التشغيل.

أي زيادة في الرواتب تعني بالضرورة زيادة في الضرائب والتأمينات الاجتماعية، فإذا أصبح الحد الأدنى مليون ليرة مثلًا، فسيتكلف رب العمل نحو 24% إضافية على هذا المبلغ، وهذا عبء كبير على الشركات الصغيرة والمتوسطة، وفق ما ذكره.

وأضاف أن الحكومة تصف أجر العامل في سوريا بأنه “منخفض”، و”أنا أقول إنه كان منافسًا، لكنه لم يعد كذلك، لا يمكننا الحديث عن أجر رخيص في ظل هذه الظروف المعيشية الصعبة”.

خسارة مليار دولار سنويًا

قال مصدران حكوميان لعنب بلدي في وقت سابق، إن استمرار أسعار الكهرباء على ما هي عليه، يسبب خسارة للحكومة بنحو مليار دولار سنويًا، بسبب زيادة ساعات التغذية الكهربائية منذ سقوط النظام من ساعتين تقريبًا إلى ثماني ساعات يوميًا، ما يؤدي إلى زيادة تكاليف إنتاج الكهرباء واستيراد الغاز والفيول اللازم لتشغيل محطات التوليد.

‏ويكلف الكيلوواط من الكهرباء 0.14 دولار أمريكي (ما يعادل 1600 ليرة سورية)، ويباع حاليًا للمواطن بعشر ليرات سورية فقط (نحو 0.0009 دولار أمريكي)، وهذا يسبب خسائر كبيرة في قطاع الكهرباء.

‏الحكومة السورية لا تعتزم رفع الدعم كليًا عن الكهرباء، بل ستعيد هيكلته بما يحسن الخدمة الكهربائية المقدمة بأسعار أقرب إلى التكلفة الفعلية.

ألواح الطاقة الشمسية على أسطح أبنية في دمشق - 7 تشرين الثاني 2025 (عنب بلدي/ نور حمزة)

ألواح الطاقة الشمسية على أسطح أبنية في دمشق – 7 تشرين الثاني 2025 (عنب بلدي/ نور حمزة)

صدمة للصناعيين..

تكاليف تشغيلية زائدة وانعدام التنافسية للمنتج السوري

أثار قرار رفع تسعيرة الكهرباء للمشتركين الصناعيين موجة من الاستياء داخل الأوساط الصناعية التي تعتمد على الطاقة كمكون أساسي في عملية الإنتاج، معتبرين أن التوقيت غير مناسب في ظل الظروف التشغيلية الصعبة، وغياب الاستقرار في أسعار المحروقات ومدخلات الإنتاج.

ويرى عاملون في القطاع الصناعي الحلبي أن القرار سيؤدي إلى زيادة مباشرة في تكاليف التشغيل، ويضعف القدرة التنافسية للمنتجات المحلية في الأسواق الداخلية والخارجية، خاصة مع الفارق الكبير في أسعار الطاقة بين سوريا ودول الجوار.

صناعيون قالوا لعنب بلدي، إن رفع تعرفة الكهرباء الصناعية إلى 1700 ليرة سورية للكيلوواط الساعي شكّل صدمة للصناعيين الذين كانوا ينتظرون خفض السعر لا زيادته، خاصة بعد أن ثبتت الحكومة قبل أشهر السعر عند 1500 ليرة عقب إلغاء ضريبة الكهرباء البالغة 21.5%.

الخطوة الأخيرة جاءت من دون تمهيد أو تشاور، وفي وقت لم يتعافَ فيه القطاع الصناعي بعد من أزماته المتراكمة، وفق تعبيرهم، مشيرين إلى أن الكهرباء تعد مدخلًا أساسيًا في العملية الإنتاجية، شأنها شأن المواد، وإن ارتفاع تكلفتها ينعكس مباشرة على كفاءة المصانع واستمراريتها.

وأكدوا أن التعرفة الجديدة تضعف تنافسية المنتج السوري في الأسواق الخارجية، في ظل فروق واضحة مع الدول المجاورة التي تبيع الكهرباء بأسعار أقل بكثير، فبينما يبلغ السعر في الأردن نحو ثمانية سنتات، وفي مصر أربعة سنتات، وصلت التكلفة في سوريا إلى ما يعادل 14 سنتًا للكيلوواط الساعي.

تهديد بتوقف الإنتاج

رئيس لجنة منطقة العرقوب الصناعية في حلب، تيسير دركلت، يرى أن أثر القرار يختلف من قطاع إلى آخر، فالصناعات الهندسية لا تتجاوز فيها تكلفة الكهرباء 10% من إجمالي التكاليف، بينما ترتفع النسبة في الصناعات الكيماوية وصهر المعادن إلى نحو 40%.

وبناء على ذلك، ستزداد فواتير بعض المعامل بأكثر من خمسة ملايين ليرة شهريًا، الأمر الذي سيؤدي إلى تآكل هوامش الربح أو توقف بعض المنشآت كليًا عن العمل.

أشار دركلت إلى أن صناعات كالنسيج والجلديات كانت تعاني أصلًا من ضعف الطلب وارتفاع أسعار المواد الأولية والمحروقات، وأن زيادة تكلفة الكهرباء قد تدفع ما تبقى منها إلى التوقف، خاصة أن كثيرًا من المعامل تعمل اليوم بعشر طاقتها الإنتاجية.

وحذر من أن استمرار رفع الأسعار دون تحسن في القدرة الشرائية للمواطن سيقود إلى حالة ركود، إذ ستتراجع القدرة على تصريف البضائع المحلية، ما يعني توقف الإنتاج وتراجع فرص العمل.

عودة الضرائب

الصناعي في قطاع النسيج، عبد المنعم ريحاوي، ذكر أن الواقع الصناعي يعاني من عدم استقرار القرارات الاقتصادية، فبعد جهود كبيرة تمكن الصناعيون من إلغاء الضريبة على الكهرباء، وعاد السعر ليرتفع مجددًا إلى 1700 ليرة للكيلوواط الساعي، ليشمل فعليًا الضريبة مجددًا، وهو ما يعادل نحو 15 سنتًا أمريكيًا بحسب سعر الصرف، ما يعد سعرًا مرتفعًا جدًا إقليميًا.

يعتقد ريحاوي أن السعر الحالي للكهرباء سيرفع التكاليف التشغيلية للمعامل، مما قد يؤدي إلى تضخم إضافي، ورفع رواتب العمال، في المقابل سيضطر الصناعي إلى رفع أسعار المنتجات، ما يعيد العجلة الإنتاجية إلى وضع شبه متوقف ويضع الصناعة في دائرة صعبة بين التكلفة والتسويق.

الأثر على تكاليف التشغيل

في الوقت الذي “نحاول فيه إنعاش الأسواق”، تبدو الحكومة وكأنها تحارب المنتج الوطني بدل دعمه، فأي تغيير في بيئة العمل الصناعي، سواء في أسعار الطاقة أو سعر الصرف، ينعكس سلبًا على المنشآت التي تحتاج إلى فترات طويلة من الاستقرار حتى تتمكن من النهوض مجددًا، وفق ما أوضحه الصناعي محمود شيخ الكار لعنب بلدي.

أما المحاضر في جامعة “دمشق” ورجل الأعمال محمد بن مروان أورفه لي، فقال إن قرار تحديد سعر الكهرباء للمشتركين الصناعيين والتجاريين سيزيد الأعباء على الصناعيين، الذين يواجهون أصلًا منافسة من منتجات مستوردة مدعومة في بلدانها، إلى جانب ارتفاع أسعار المشتقات النفطية محليًا.

وأوضح لعنب بلدي أن الكهرباء تدخل مباشرة في التكاليف المتغيرة للإنتاج، ما يعني أن أي ارتفاع في سعرها سينعكس فورًا على تكلفة التشغيل، لافتًا إلى أن التعرفة الجديدة يمكن أن تكون مقبولة فقط في حال حماية المنتج الوطني من البضائع المستوردة.

استبدال المحولة المعطوبة في مركز تحويل الحسينية رقم (3) بمحولة جديدة باستطاعة 400 كيلو فولط - 3 تشرين الثاني 2025 (وزارة الطاقة /تلجرام)

استبدال المحولة المعطوبة في مركز تحويل الحسينية رقم (3) بمحولة جديدة باستطاعة 400 كيلو فولط – 3 تشرين الثاني 2025 (وزارة الطاقة /تلجرام)

 السوريون يبحثون عن البدائل

الارتفاع الأخير في أسعار الكهرباء، وما يرافقه من اتساع الفجوة بين الدخل الشهري وتكاليف المعيشة، دفع حسابات المواطنين لاستهلاكهم وتوقعاتهم لفواتير الكهرباء التي ستنتظرهم في نهاية كل دورة كعبء إضافي يثقل كاهل الأسر، إذ بدأ كثيرون البحث عن بدائل مستدامة تؤمّن الطاقة دون الاعتماد على الشبكة العامة بشكل كامل.

وتتصدر منظومات الطاقة الشمسية هذه البدائل، خاصة بعد استخدامها بشكل مؤقت لمعالجة ساعات التقنين، إذ تتيح إنتاج الكهرباء بتكلفة شبه صفرية بعد التركيب، ما يجعلها خيارًا استثماريًا طويل الأمد يحقق استقلالًا طاقيًا ويضع حدًا دائمًا لفواتير الكهرباء.

الطاقة الشمسية كبديل مستدام

بحسب شركة “xnetron” للطاقة البديلة، يمكن لمنظومات الطاقة الشمسية أن تغطي كامل احتياجات المنازل من الكهرباء في حال تركيبها بشكل مناسب.

ويمكن للأسرة العادية التي تملك تجهيزات أساسية، مثل البراد والإنارة والتلفاز والمراوح والغسالة، تركيب منظومة مؤلفة من أربعة إلى ستة ألواح شمسية مع بطارية “ليثيوم” و”إنفرتر” باستطاعة 4 إلى 6 كيلوواط، لتشغيل الأحمال الكهربائية خلال النهار بشكل كامل دون الاعتماد على الكهرباء العامة، أما في الليل، فيتم التحويل إلى البطارية لتغطية الاستهلاك الليلي.

مسؤولة المبيعات في شركة “xnetron“ أشارت، في حديث لعنب بلدي، إلى أنه في حال الترشيد الجيد للطاقة خلال الليل، يمكن الاستغناء بشكل شبه تام عن الكهرباء العامة، مما يسهم في تخفيض فاتورة الكهرباء بنسبة تتجاوز 90%، أما في حال الضرورة القصوى، فيمكن اللجوء لشحن البطاريات من الشبكة العامة لمدة ساعة أو ساعتين فقط.

ولفتت إلى أن الأحمال الثقيلة مثل المكيف والغسالة يفضل تشغيلها في ساعات النهار، إلا في حال توسيع المنظومة ورفع استطاعتها، وهو ما يسمح بالاستغناء الكامل عن قاطع الكهرباء.

وحول إمكانية الاستفادة من الطاقة الشمسية في فصل الشتاء، ذكرت المسؤولة أن أداء الألواح الشمسية يكون أفضل في فصل الشتاء مقارنة بالصيف، إذ تعتمد في عملها على أشعة الشمس وليس على حرارتها.

وكشفت أنه سيتم طرح منتج جديد في السوق قريبًا، وهو “سيخ” لتسخين المياه يعمل على الطاقة الشمسية، بقدرة استهلاك تبلغ 500 واط فقط، مقارنة بـ”السيخ” التقليدي الذي يستهلك نحو 3500 واط، منوهة إلى أن هذه الخطوة ستسهم بتخفيف الضغط عن منظومات الطاقة المنزلية.

كما أوصت باستبدال إنارة موفرة للطاقة بالإضاءة التقليدية، واستخدام أجهزة من نوع “إنفرتر” مثل المكيفات والبرادات والغسالات، لما تتمتع به من استهلاك منخفض للطاقة وقدرة أعلى على التوافق مع منظومات الطاقة الشمسية.

“الأمبيرات”.. حل احتياطي للكهرباء

عصام حلاق، من سكان حي السيد علي في حلب، اعتبر خلال حديث لعنب بلدي أن القرار ليس بالضرورة سلبيًا، موضحًا أن المقارنة مع تكلفة “الأمبيرات” تُظهر فارقًا واضحًا في التكلفة، إذ يبلغ متوسط اشتراك “الأمبير” الواحد نحو 280 ألف ليرة شهريًا، ولا يتيح تشغيل أكثر من الإنارة والتلفزيون لساعات محدودة، بينما يمكن للكهرباء النظامية، حتى ضمن الشريحة الثانية، تشغيل معظم الأجهزة المنزلية بحدود معقولة وبتكلفة أقل نسبيًا.

في المقابل، يرى إبراهيم رسلان، من سكان حي الزبدية، أن القرار سيضاعف الأعباء على الأسر محدودة الدخل، معتبرًا أن “الأمبيرات”” باتت حاجة لا يمكن الاستغناء عنها، في حين أن ارتفاع تكلفة الكهرباء النظامية سيجعل الجمع بينهما عبئًا ماليًا كبيرًا، “خاصة في ظل ضعف الدخل الشهري وعدم استقرار ساعات التغذية النظامية”.

وأوضح أحمد دربيس، صاحب مولدة “أمبيرات” في حي الجميلية، أن الأهالي ما زالوا منقسمين في موقفهم من استمرار الاشتراك بخدمة “الأمبيرات” بعد صدور قرار رفع سعر الكهرباء المنزلية، مشيرًا إلى أن بعضهم أبقى على اشتراكه كما هو بدافع الخوف من ارتفاع الفواتير النظامية، بينما اختار آخرون إلغاء الاشتراك مع تحسن نسبي في ساعات التغذية الكهربائية.

وبيّن لعنب بلدي أن الكهرباء النظامية “تحسّنت فعلًا”، لكنها ما زالت غير متوفرة على مدار 24 ساعة، وهو ما يدفع عددًا من العائلات للاشتراك بـ”أمبير” واحد كحل احتياطي، رغم ارتفاع تكلفته مقارنة بدخلهم الشهري.

وأضاف أحمد أن قسمًا من السكان اتجه نحو تركيب منظومات طاقة شمسية لتأمين احتياجاتهم الأساسية، معتبرًا أن الخيارات أمام الناس “باتت متعددة لكنها جميعها مكلفة”، وأن “الأمبير” ما زال بالنسبة لبعضهم ضرورة، حتى لو لم يعد الوسيلة الأرخص.

اقتراحات لتخفيف العبء

قدم الدكتور عبد الرحمن محمد مقترحًا يقضي بتقسيم تسعيرة الكهرباء مناطقيًا بحسب مستوى المعيشة، شارحًا، “يمكن تحديد 800 ليرة لكل كيلوواط ساعي في الأحياء الراقية، و600 في الأحياء المتوسطة، و100 ليرة لأول 200 كيلوواط في الأرياف والأحياء الشعبية، بحيث يراعى التفاوت في القدرة المادية بين المناطق”.

كما دعا إلى تقديم دعم مباشر للأسر الفقيرة، وإطلاق برامج ترشيد استهلاك وتوعية حول تقليل الفواتير، إضافة إلى استثمار عائدات تعديل الأسعار في تطوير البنية التحتية وتحسين الاستقرار الكهربائي.

من جهته، شدد الحلاق على ضرورة التشاركية بين الحكومة والقطاع الخاص في اتخاذ القرارات الاقتصادية، قائلًا، “لا يمكن معالجة أزمة بهذا الحجم دون إشراك غرف التجارة والصناعة واللجان الشعبية في الحوار، الحلول الفوقية تزيد من فجوة الثقة بين المواطن والحكومة”.

يرى الدكتور عبد الرحمن محمد أن تعديل أسعار الكهرباء ضرورة اقتصادية لا مفر منها لضمان استمرارية القطاع، لكنه يأتي مع تحديات كبيرة تتعلق بقدرة المواطنين على تحمل الأعباء المالية المتزايدة.

واعتبر أن من المهم أن تتبنى الحكومة استراتيجيات فعالة لضمان استدامة الخدمة الكهربائية دون تحميل المواطنين أعباء إضافية، مما يتطلب توازنًا دقيقًا بين الأهداف الاقتصادية والاجتماعية.

أما الخبير الاقتصادي محمد الحلاق فقال إن سوريا اليوم بحاجة إلى رؤية واقعية تحافظ على استقرار المجتمع، “فلا يمكن أن نخرج من أزمة إلا إذا واجهناها بالحوار والشفافية، لا بالتجميل”.

يبقى واقع الكهرباء في سوريا معقدًا، حيث تتقاطع الحاجة مع القدرة الشرائية للأسر، خاصة محدودة الدخل منها، ليجد المواطن نفسه أمام معادلة صعبة بين التكلفة والضرورة، ما يجبره على الموازنة بين الحلول المؤقتة والحلول الاستثمارية طويلة الأمد لتأمين احتياجاته الكهربائية اليومية.

مقالات متعلقة