من الرفض إلى التطبيع.. تحول الموقف الشعبي السوري من إسرائيل

جنود من اللواء "810" التابع للجيش الإسرائيلي على جبل الشيخ - 4 أيلول 2025 (وحدة المتحدثين باسم الجيش الإسرائيلي)

camera iconجنود من اللواء "810" التابع للجيش الإسرائيلي على جبل الشيخ - 4 أيلول 2025 (وحدة المتحدثين باسم الجيش الإسرائيلي)

tag icon ع ع ع

محمد غزوان شاهين

لم يكن الموقف من دولة الاحتلال الإسرائيلي يومًا موضع خلاف داخل المجتمع السوري بمختلف شرائحه السياسية والاجتماعية، إذ شكل رفض التطبيع أحد المحرمات الوطنية والثقافية التي جمعت السوريين لعقود طويلة، حتى في ظل الانقسامات العميقة التي عرفتها البلاد منذ عام 2011.

غير أن المراقب اليوم يلحظ تحولًا لافتًا في هذا الموقف، لا على مستوى الخطاب السياسي الرسمي فحسب، بل داخل المزاج الشعبي ذاته.

فجزء كبير من فلول النظام الذين طالما تفاخروا بانتمائهم إلى ما يسمى محور الممانعة، باتوا يبدون تقبلًا لفكرة التقارب مع إسرائيل ولو بشكل غير مباشر، بحجة الحماية من المشروع الإسلامي أو مواجهة الحكومة الحالية، متجاهلين بذلك أحد أبرز أعمدة السردية التي بررت دعمهم للنظام المخلوع طوال سنوات.

وفي المقابل، لا تبدو شريحة من مؤيدي الرئيس أحمد الشرع، وحتى من كانوا يسمون سابقًا الرماديين، أقل مرونة في هذا المجال، إذ نجد خطابًا يتسامح مع فكرة التطبيع هذه المرة تحت عنوان الاستقرار وإعادة الإعمار، ولو على حساب المبادئ التاريخية والثوابت الوطنية والدينية المرتبطة بالقضية الفلسطينية.

ولا تخرج بعض الكيانات الأخرى، مثل قسد أو تيار الهجري، عن هذا الإطار، فخطابها البراغماتي إزاء القوى الإقليمية، بما في ذلك إسرائيل، يكشف عن مقاربة جديدة ترى في التطبيع أداة تفاوض ومصلحة مرحلية أكثر من كونه قضية مبدئية.

هذا التغير في الخطاب لا يأتي من فراغ، بل هو نتيجة مباشرة لتآكل الثقة العامة بكل الشعارات القديمة التي استُهلكت دون أن تحقق وطنيًا أو إنسانيًا أي نتائج ملموسة.

والسؤال الذي يفرض نفسه اليوم هو: كيف تحول التطبيع مع إسرائيل من خط أحمر جامع إلى طرح قابل للنقاش، بل إلى خيار تتعدّد مبرراته بين الأمن والسياسة والاقتصاد؟

إن هذا التحول لا يعكس فقط تبدلًا في التموضع السياسي، بل انهيارًا تدريجيًا في البنية الرمزية لثقافة وطنية كانت ترفض التنازل عن حق تاريخي وجغرافي باسم المصلحة. وإن لم يطرح هذا التحول للنقاش الجاد، فإن أجيالًا سورية جديدة قد تنشأ وهي ترى في التطبيع خيارًا طبيعيًا لا يستدعي التوقف عنده.

وبرأيي، فإن المسؤول الأول والأخير عن هذا الضياع في الموقف الشعبي السوري تجاه الصراع مع إسرائيل هو نظام الأسد، الذي عمد على مدى عقود إلى تفريغ مفهوم الوطنية من مضامينه الحقيقية، وربطه بثنائية مصطنعة تقوم على الولاء المطلق للقائد الرمز بشار الأسد (ومن قبله حافظ الأسد) من جهة، وعداء شعاري لإسرائيل من جهة أخرى.

وبالتالي أصبح الانتماء الوطني يقاس بمقدار الولاء للنظام الحاكم، لا بمقدار الالتزام بالمبادئ السياسية والقومية والأخلاقية. وقد ساهم هذا المسار في تحويل الموقف من إسرائيل إلى مجرد أداة تعبئة داخلية، لا ترتكز على وعي حقيقي أو التزام مبدئي، مما سهل لاحقًا قابلية شرائح واسعة من الشارع لتبني مواقف براغماتية أو متهاونة تجاه التطبيع حين اختلطت أولويات البقاء والمصالح بالخوف من المستقبل وانعدام الثقة بأي مشروع وطني بديل.

ومن هنا، أرى أن الحل الجذري يبدأ من إعادة بناء الشعور بالمواطنة وتعزيز معناه الحقيقي لدى المواطن السوري، بحيث لا تبقى المواطنة مرتبطة بالشعارات أو بالولاءات العابرة، بل تنبع من فهم عميق للمصلحة العامة وتقديم الهم السوري على كل هم آخر، مع الحفاظ في الوقت ذاته على البعد الإنساني في التضامن مع قضايا الشعوب الشقيقة والجارة، دون الوقوع في فخّ الأدلجة أو التلاعب بالهوية الوطنية.

فالمعركة الحقيقية اليوم ليست بين الرافضين والمطبعين، بل بين من يريد استعادة معنى المواطنة، ومن يرى في الولاء المجرد بديلًا عن الوعي.



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة