يتصدرها الوضع الاقتصادي

لماذا يعزف شباب سوريا عن الزواج؟

مقاتل في فصائل "إدارة العمليات العسكرية" التي أسقطت نظام الأسد يحمل وردة في فوهة بندقيته في المسجد الأموي بدمشق - 13 كانون الأول 2024 (AFP)

camera iconمقاتل في فصائل "إدارة العمليات العسكرية" التي أسقطت نظام الأسد يحمل وردة في فوهة بندقيته في المسجد الأموي بدمشق - 13 كانون الأول 2024 (AFP)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – كريستينا الشماس

“شارفت على عمر 35 عامًا، وما زالت فكرة الزواج بعيدة عني”، “تكاليف الزواج كابوس يطاردني كل يوم”، “هناك العديد من المعوقات التي تمنعني من اتخاذ هذه الخطوة”، بهذه العبارات أوضح عدد من الشباب الذين قابلتهم عنب بلدي، العوامل والأسباب التي منعتهم من التفكير بالزواج.

زادت نسبة العزوف عن الزواج لدى الشباب السوريين خلال السنوات الأخيرة، نتيجة للعديد من العوامل الاجتماعية والاقتصادية والنفسية.

وقدّرت الباحثة الاجتماعية لبنى بسمة، في حديث إلى عنب بلدي، نسبة الشباب العازفين عن الزواج بأكثر من 60% في سوريا، وأوضحت أن تأخر سن الزواج تفاقم منذ عام 2011 مع تصاعد التوترات السياسية وما رافقها من تدهور حالة المجتمع السوري على كافة الصعد.

أولويات مقتصرة على “لقمة العيش”

علي نصر (38 عامًا)، مهندس مدني يعمل في مكتب هندسي خاص بدمشق، قال لعنب بلدي، إن عائلته المكونة من 5 أشخاص تعتمد على دخله الذي يبلغ مليونًا ونصف مليون ليرة، وهذا الدخل لا يكفي مصاريف “لقمة العيش”، بحسب قوله، إذ يضطر علي للعمل الإضافي سائق “تاكسي” لسد احتياجات عائلته.

“كيف لي أن أفكر بالزواج وأنا أحمل مسؤولية تأمين أدنى مستلزمات المأكل والمشرب لعائلتي”، بهذه الكلمات عبر علي عن حاله، وقال إن صفة المهندس الميسور الحال الذي كان يعتبره المجتمع من أصحاب الدخل الجيد، باتت من ذكريات الزمن الجميل”، بحسب تعبيره.

رياض حسن (37 عامًا)، ممرض يعمل في مركز طبي خاص في منطقة المزة بدمشق، تحدث لعنب بلدي عن العوائق التي واجهته وجعلته يبتعد عن فكرة الزواج، فبعد تخرجه من المعهد الطبي في دمشق عام 2011، وتصاعد أحداث الثورة السورية، اضطر للنزوح من مدينة المعضمية بريف دمشق مع عائلته بعد أن تضرر منزلهم بشكل كبير.

“14 عامًا لم أحسبها من عمري، كنت أخطط للعمل في مجال دراستي والزواج بعد ذلك، لكن نزوحي لمنطقة أخرى وغلاء المعيشة وسكني مع عائلتي تجعلني غير مؤهل للزواج”، قال رياض.

أكدت الباحثة الاجتماعية لبنى بسمة، في حديثها لعنب بلدي، أن الشباب السوري تغيرت أولوياته وباتت فكرة الزواج خارج إطار اهتماماته، فغلاء المعيشة والمهر وارتفاع تكاليف إيجار العقارات وزيادة نسبة البطالة، إضافة إلى الظروف الاقتصادية والمعيشية، تعتبر صعوبات تقف بوجه الشباب وتعوق اتخاذ خطوة الزواج.

الخدمة الإلزامية كانت عائقًا

كانت الخدمة الإلزامية والتجنيد الاحتياطي في عهد نظام الأسد المخلوع كابوسًا يطارد الشباب السوري على مدار 14 عامًا، فكانت تصل فترة الخدمة العسكرية بين 18 شهرًا وعامين، يضاف إليها فترة التجنيد الاحتياطي التي قد تصل إلى أكثر من سبعة أعوام.

ومنذ عام 2014، بدأ النظام السوري بإرسال دعوات احتياطية للشبان الذين لم تتجاوز أعمارهم 42 عامًا، ما دفع الكثيرين إلى مغادرة سوريا عن طريق “التهريب” أو السفر إلى دول الجوار أو الاتحاد الأوروبي.

تامر عسافيين (35 عامًا)، مقيم في ألمانيا، تحدث عن معاناته بعد تخرجه من قسم الترجمة في كلية الآداب بدمشق عام 2013، وعندما طُلب للالتحاق بالخدمة الإلزامية، اضطر للهروب من سوريا وتقديم اللجوء الإنساني في ألمانيا.

قال، تامر، “لا يختلف حالي عن الكثير من الشباب السوري، لم نكن نفكر بالزواج اطلاقًا، كان همنا الوحيد أن نهرب من الخدمة الإلزامية”.

يوسف محفوض (40 عامًا)، يعمل في أحد محال التجهيزات الكهربائية بدمشق، يسترجع ما حدث معه في 2016، بعد أن أُبلغ بالالتحاق بالخدمة الاحتياطية، ما اضطره لترك عمله والالتزام في منزله لمدة 8 سنوات.

“8 سنوات ذهبت من عمري أسيرًا في المنزل، لم أستطع العمل أو الاستقرار في حياتي الشخصية، وها أنا اليوم أكتفي بدخل لا يتجاوز المليونين شهريًا، وبالتالي لا يمكنني الإقدام على خطوة الزواج التي يمكن أن تكلفني مبالغ أحتاج إلى سنوات لجمعها”، قال يوسف.

زواج معلق بالسفر

سميرة محمد (28 عامًا)، تعمل في القطاع الحكومي بدمشق، فضلت أن يكون شريك حياتها مقيمًا في الخارج، إذ تعتقد أن الشباب السوري المغترب مؤهلًا للزواج أكثر وذا دخل مادي أفضل.

وتعتقد سميرة أن العيش في ظروف اقتصادية صعبة وبيئة غير ملائمة للاستقرار يعتبر مخاطرة لا تتجرأ على خوضها.

توافقها الرأي “أم عمر” السيدة الخمسينية المقيمة في دمشق، التي قالت لعنب بلدي، إن الزواج في سوريا بات محفوفًا بالصعوبات المعيشية التي تؤدي في كثير من الأحيان إلى الطلاق، وخوفها على ابنتيها من هذا المصير جعلها ترفض من يتقدم لهما إلا إذا كان مغتربًا.

أوضحت الباحثة الاجتماعية لبنى بسمة، أن فكرة الزواج إلى الخارج باتت من العوامل المؤثرة في تأخر الزواج، وبحسب الحالات الاجتماعية التي رصدتها بسمة، فإن معظم علاقات الزواج باتت مقتصرة على التواصل عبر “السوشال ميديا” بسبب وجود الطرفين في بلدين مختلفين.

عوامل تأخر الزواج في سوريا

ناقشت دراسة  بعنوان “العوامل المؤثرة في تأخر سن الزواج”، صادرة عن جامعة “اللاذقية” في 2019، الأسباب الاقتصادية والاجتماعية والنفسية التي أدت إلى تأخر سن الزواج عند الشباب السوري، وكان أبرزها:

أزمة البطالة والسكن وانخفاض الدخل: تعد البطالة مشكلة مزدوجة، إذ تعتبر اقتصادية واجتماعية في وقت واحد، وتعكس حقيقة الاقتصاد السلبي في المجتمع، الذي ينعكس تأثيره بدوره على الوضع الاجتماعي للعاطلين عن العمل.

فانتشار البطالة بين الشباب يحول بينهم وبين فرصة الحصول على عمل يدر عليهم دخلًا ثابتًا، ما يجعلهم غير قادرين على تحمل مسؤوليات الزواج ومتطلباته من تأمين مسكن ومهر ومصاريف الزواج وغيرها بالإضافة إلى غلاء المعيشة.

وانخفاض القدرة الشرائية أدى إلى تفاقم أزمة السكن، فأصبح الحصول على مسكن للكثيرين عبارة عن حلم صعب المنال، ولهذا يعزفون عن الزواج لأنهم غير قادرين ماديًا.

تردي الأوضاع الأمنية: انعدام الاستقرار والأمن وانتشار الفوضى على مدار 14 عامًا، ترك واقعًا اقتصاديًا مترديًا، ما أدى إلى عزوف الكثير من الشباب عن الزواج، ودفعهم إلى الهجرة خارج البلاد بحثًا عن الاستقرار.

وعرضت الدراسة واقع تأخر سن الزواج في الدول العربية، إذ إن هناك عوامل نفسية أثرت سلبًا على فكرة الزواج عند الشباب، منها المبالغة في مواصفات الشريك، ومعايشة تجارب زواج فاشلة.

كما أن تأخر سن الزواج يبين مدى عزوف الشباب على الدخول في ارتباطات مسؤولة تفسر على أنها عدم جاهزية نفسية تعزى إلى عدم اكتمالهم ونضجهم والذي جاء نتيجة البناء الاجتماعي الجديد.

وترى الباحثة الاجتماعية لبنى بسمة، أن يجب تحسين الحال المعيشي والاقتصادي للشباب، لردم هوة تأخر الزواج، كتوفير فرص عمل للشباب للحد قدر الإمكان من نسبة البطالة، وتوفير قروض لإنشاء مشاريع صغيرة، وقروض مساعدة لشراء منزل أو تخفيض الإيجارات.

ومن الناحية الاجتماعية، يجب على الأهالي الأخذ بالحسبان الظروف المادية، وبالتالي عليهم تخفيض المهر لقدر يحفظ حق ابنتهم، إضافة إلى تحفيز الشباب للإقدام على خطوة الزواج وتشجيعهم على تحمل المسؤولية من خلال تعريفهم على نماذج ناجحة للزواج.



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة