سوريا.. استيراد اللحوم يُرضي المستهلك ويضغط على المربين

أحد محال بيع اللحوم المجمدة في سوق باب سريجة- في 23نيسان 2025 (عنب بلدي/أمير حقوق).

camera iconأحد محال بيع اللحوم المجمدة في سوق باب سريجة- في 23نيسان 2025 (عنب بلدي/أمير حقوق).

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – أمير حقوق

انتشرت اللحوم المجمدة بوفرة ملحوظة في الأسواق السورية، خاصة بعد سقوط النظام السابق، واتباع اقتصاد السوق الحر، الذي مهّد لدخول البضائع الأجنبية.

وتنافس أسعار اللحوم المجمدة اللحوم المحلية الطازجة، الأمر الذي يفسّر إقبال الأهالي على شرائها.

وفي رصد أجرته عنب بلدي في أسواق دمشق، بلغ سعر كيلو اللحوم الحمراء المجمدة 60 ألف ليرة، بينما يتراوح سعر كيلو اللحوم الحمراء الطازجة بين 100 و150 ألفًا.

أما الفروج، فبلغ سعر كيلو الشرحات المجمدة 24 ألفًا، في حين تتراوح الشرحات الطازجة بين 42 و48 ألفًا، وكيلو فخاذ الوردة المجمدة بـ22 ألفًا، أما الطازجة فبين 35 و40 ألفًا.

ويُقابل الدولار نحو 10 آلاف ليرة سورية وسطيًا في السوق السوداء، وسط تذبذب في أسعار الصرف بعد قرار الرئيس الأمريكي رفع العقوبات عن سوريا.

أغلبيتها مهرّبة

ويُعتمد على استيراد اللحوم المجمدة لتغطية الأسواق السورية بالكميات المطلوبة، مع استغلال أسعارها المنخفضة التي تناسب القدرة الشرائية للأفراد، وتكسر بدورها احتكار بعض التجار الذين يتلاعبون بأسعار اللحوم بشقيها.

أمين سر جمعية حماية المستهلك والخبير الاقتصادي، عبد الرزاق حبزة، قال لـعنب بلدي إن استيراد اللحوم المجمدة ظاهرة نشأت منذ أكثر من عشر سنوات في سوريا، ومن أهم أسبابه نقص أعداد القطيع الحيواني (الأغنام، الأبقار، الدجاج).

وكانت اللحوم تُستورد سابقًا بشكل نظامي، أما اليوم فأغلبيتها تُستورد بشكل مهرّب، سواء الفروج أو اللحوم الحمراء، والإقبال على شرائها من قبل المستهلكين جيد نوعًا ما، نظرًا لأسعارها التي تُعد منخفضة عن اللحوم الطازجة بحوالي 50%، وبالتالي تناسب القدرة الشرائية للعائلات، بعيدًا عن قضية القيمة الغذائية، التي لا تشغل بال المستهلكين، بحسب حبزة.

على حساب المنتج المحلي

نائب عميد كلية الاقتصاد بجامعة حماة، والخبير الاقتصادي، الدكتور عبد الرحمن محمد، قال لـعنب بلدي إن اللحوم المجمدة تُستورد بمعظمها من تركيا حاليًا، وتشمل لحوم الأبقار والدجاج والأسماك، وتُباع بأسعار أقل من اللحوم الطازجة المحلية.

أما الجهات المستوردة، فتشمل القطاعين العام والخاص، حيث تعتمد الدولة على الاستيراد لسد الفجوة في الطلب المحلي، وتسمح الحكومة بذلك لتخفيف الأعباء عن المواطنين، لكن ذلك قد يكون على حساب المنتج المحلي، دون دراسة دقيقة للموضوع وتبعاته.

وبحسب الدكتور عبد الرحمن محمد، فإن الإقبال على هذه اللحوم المجمدة يعود إلى عدة عوامل، من أبرزها:

  • أسعارها أرخص بكثير من المحلية، بسبب تكاليف الإنتاج المرتفعة محليًا (الأعلاف، الأدوية، الوقود).
  • تراجع الإنتاج المحلي.
  • زيادة الفقر؛ إذ إن معظم السوريين غير قادرين على شراء اللحوم الطازجة بأسعارها المرتفعة.

وتكمن إيجابيات استيراد اللحوم المجمدة، وفقًا للدكتور عبد الرحمن محمد، في:

  • توفير بروتين رخيص، وغذاء مناسب للعائلات الفقيرة بأسعار معقولة.
  • تقليل الضغط على اللحوم المحلية، إذ قللت من الاحتكار وارتفاع الأسعار المبالغ فيه أحيانًا.
  • استقرار السوق: إذ وفّرت بديلًا أقل تكلفة، خاصة في فترات انخفاض المعروض المحلي.

وقد عانى مربو المواشي والدواجن خلال عهد النظام السابق من غلاء الأعلاف، ومستلزمات التربية الحيوانية، والأدوية البيطرية، ما أسهم بشكل كبير في ارتفاع أسعار اللحوم.

خلل في الاقتصاد الوطني

يظهر تأثير استيراد اللحوم المجمدة بشكل واضح على اللحوم المحلية، سواء من حيث المنافسة، أو في قطاع التربية الحيوانية، ما يؤثر على حركة الاقتصاد الوطني.

ويرى عبد الرزاق حبزة أن تأثير استيراد اللحوم المجمدة على البضاعة المحلية يتضح من خلال استبدالها وقلة الطلب عليها.

وأوضح أن التأثير الأكبر يواجه المربين، إذ تؤدي هذه المنافسة إلى خروجهم من العملية الإنتاجية، وبالتالي خسائر على صعيد الثروة الحيوانية، مثل إغلاق المداجن، والابتعاد عن تربية الأغنام والأبقار.

وقد يلجأ بعض المربين إلى “التهريب العكسي”، أي تهريب الأغنام والأبقار والدجاج إلى الدول المجاورة، وخاصة أن اللحوم السورية مرغوبة.

وفي كلتا الحالتين، فإن التأثير سلبي على المربين وعلى الاقتصاد الوطني عمومًا، بحسب حبزة، الذي أضاف أن أغلب اللحوم المجمدة مهرّبة، أي لا تخضع للجمركة ولا تُفرض عليها رسوم جمركية، ما يسبب خللًا في الاقتصاد الوطني.

كما لا تخضع هذه اللحوم للكشف الصحي والبيطري، وبالتالي تدور حولها تحذيرات بخصوص التلوث الإشعاعي، أو فترة التجميد، أو المواصفات القياسية كالمذاق واللون والتركيب الكيميائي، كونها لا تخضع للتحليل.

وكانت حكومة النظام السابق قد أعلنت، في أيار 2024، عن بدئها استيراد قرابة أربعة ملايين رأس من العجول والأغنام بأوزان وأعمار صغيرة، لأول مرة منذ 12 عامًا، ما يؤكد تراجع الإنتاج المحلي.

تهديد الثروة الحيوانية

وبحسب توصيف الدكتور عبد الرحمن محمد، فإن تأثير استيراد اللحوم المجمدة على اللحوم المحلية يتمثّل في:

  • تراجع الطلب على اللحوم المحلية، بسبب المنافسة السعرية، إذ صار المربون يعانون من صعوبة بيع منتجاتهم.
  • انخفاض أسعار المواشي: إذ يُضطر المربون لبيع الماشية بأسعار أقل بسبب ضعف الإقبال.
  • تهديد الثروة الحيوانية: إذ تقل أعداد الماشية، بسبب عدم جدوى التربية في ظل المنافسة مع المستورد، وارتفاع أسعار الأعلاف.

وأشار إلى انعكاس استيرادها على المربين، إذ يتمثّل في خسائر مالية ضخمة، نتيجة عدم القدرة على منافسة الأسعار المنخفضة للمستورد، وتراجع الاستثمار في التربية.

وبرأي الدكتور عبد الرحمن محمد، فإن الحل الأمثل يكمن في موازنة سياسة الاستيراد مع دعم المربين، عبر:

  • توفير الأعلاف بأسعار معقولة.
  • تحسين سلالات الماشية.
  • حماية المنتج المحلي من المنافسة غير العادلة.

لذا، فإن مستقبل استيراد اللحوم المجمدة يعتمد بشكل أساسي على وجود استراتيجيات واضحة ومتكاملة من قبل الحكومة، لضمان تحقيق الفوائد المرجوة من قطاع الثروة الحيوانية.

 



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة