“كسب العقول والقلوب”.. معركة الإعلام الأهم في سوريا

tag icon ع ع ع

علي عيد

تتخطى سوريا واحدة من أصعب المفاصل في تاريخها غير الطويل، والذي يمتد لأقل من 80 عامًا منذ الاستقلال، نحو 54 عامًا منها خضعت لحكم دكتاتوري صارم لا يعتدّ بمشاعر الشعب، ويركز على مراكمة الخوف.

خلال الأعوام بين 1946 و1970، شهدت البلاد بعض المحطات غير المكتملة على مستوى الشعور بالهوية الوطنية، وأخص فترة الخمسينيات من القرن الماضي، لكنها لم تتخطَّ عتبة فكرة الهوية لتصل إلى الهوية، وبالتالي، فإن كل النزاعات المحتملة بعد انتهاء فترة حكم الحزب والقائد الأوحدين، مشكلتها عدم الاندماج الاجتماعي، وضعف التعاطف مع السلطة أيًا كانت، سواء بدوافع الخوف وعدم الثقة، أو بسبب الانتماءات دون الوطنية، إما لطائفة أو قومية أو عرق.

بعد سقوط النظام، ليس غريبًا أن يستحضر الناس النوازع الكامنة، فتحرير البلاد من سلطة غاشمة يبعث على الارتياح عمومًا، لكنه يجب أن يترافق مع معركة أخرى أشد شراسة وأكثر صعوبة وتشعبًا، وهي “معركة كسب العقول والقلوب”، في بلد إما أن ينتصر جميعه أو يخسر جميعه.

“كسب العقول والقلوب” (Winning hearts and minds)، هي استراتيجية اعتمدتها دول كبرى على نطاق خارجي وداخلي منها الولايات المتحدة وبريطانيا، ودول أخرى بتجارب حديثة.

تتركز أهمية استراتيجية “كسب العقول والقلوب” في الإطار الوطني الداخلي، عندما تسيطر مشاعر عدم الثقة، وحالات التمرد والنزاعات الداخلية، أو الاضطرابات التي تغذيها نزعات بخلفيات دينية أو عرقية أو أيديولوجية، سواء بدفع ذاتي داخلي أو دعم خارجي.

تقوم الاستراتيجية على توجيه نداءات عاطفية أو وجدانية أو فكرية، ويشير مقال متخصص، نشره معهد “هوفر” (Hoover Institution) الأمريكي، إلى أن هناك سوء فهم في الاعتقاد بأن كسب “القلوب والعقول” يعني مجرد اتباع نهج ناعم عند التعامل مع السكان المدنيين، وأن المفتاح هو تغيير عقلية الجمهور المستهدف، “وفي بعض الأحيان، يتطلب ذلك (بشكل مترافق) تدابير صارمة ونهجًا صعبًا”.

ويتابع المقال المتخصص، والمنشور في شباط 2024، أن تغيير العقلية لدى الجمهور يكون مترافقًا مع عمليات دعم صغيرة في المجتمعات المحلية، وتفاعل قوات الأمن الحكومية مع السكان هو المفتاح لكسب المجتمع، لكن ذلك يجب أن يكون مترافقًا مع حملة إعلامية فعالة.

ما أذكره هنا ليس نهجًا “مكيافيليًا”، بل ضرورة حتمية في بلد فعلت فيه سنوات التضييق السياسي والأمني والصراعات فعلها، وتسببت سياسات التطييف المجتمعي المبرمجة في انعدام الثقة بين مختلف أبناء الوطن الواحد.

أعود إلى أهمية الإعلام في استراتيجية “كسب العقول والقلوب”، باعتبار أنه يشكل تسعة أعشار الحل والمشكلة في آن واحد، والدليل أن تسجيلًا صوتيًا قصيرًا يهاجم فيه شخص نبي الإسلام الكريم، انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي كالنار في الهشيم، وتسبب في بناء جدار من عدم الثقة بين مواطنين ينتمون لنفس البلد، كما تسبب في أحداث أمنية مؤسفة، ورد فعل مجتمعي يشبه الفعل نفسه، ودخلت على الخط جهات خارجية.

لا يستبعد كثيرون أن مثل هذا التسجيل ربما تمت فبركته في إسرائيل، وهذا ما يصعب إثباته دون دلائل قاطعة، كما لا يمكن نفيه في ذات الوقت، بالنظر إلى مصلحة إسرائيل في إبقاء سوريا مساحة لجماعات متنافرة ومتقاتلة.

تبني وزارة الإعلام في الحكومة السورية الجديدة استراتيجية لإعلام تقول إنه سيتمتع بقدر وافر من الحرية، وفق ما سمعته شخصيًا من وزير الإعلام، د. حمزة المصطفى، وكوادر الوزارة، وهذه الاستراتيجية ربما تحتاج إلى ركائز عدة في إطار “معركة كسب العقول والقلوب” منها:

  • التركيز في المحتوى الإعلامي على المبادرات، والمشتركات الوطنية.
  • تعظيم الرمزيات الوطنية الجامعة في اللغة والمحتوى والتوجهات.
  • وضع قوانين على المدى المتوسط، ومدونة سلوك مدعومة قانونيًا وقضائيًا على المدى المستعجل، ومتوافق عليها، تجرّم التعاطي المنفلت، وتنبذ خطاب الكراهية، وتضيّق المساحة أمام المنتهكين والمجدّفين والمستثمرين في الفوضى، مع شرح ممنهج ومتكرر لكوادر العمل الصحفي والمؤسسات وحتى الجمهور، هدفه توضيح أهمية القانون والمدونة.
  • تبني سياسات تحريرية في وسائل الإعلام الوطنية التي تديرها الدولة أو جهات خاصة أو مستقلة، تحترم مدونة السلوك، وتوجيه عقوبات رادعة بحق أي جهة موقّعة على مدونة السلوك في حال قيامها بانتهاك متعمّد لبنودها.
  • خطة عمل مشتركة لوزارة الإعلام مع الوزارات الأخرى والمؤسسات الرسمية، لضمان وصول رسالة واعية إلى الجمهور، تعزز الثقة وتوحد اللغة والرسالة.
  • قصر الاعتماد على المؤثرين في قضايا خدمية ومبادرات مجتمعية إيجابية وبشكل متوازن، ومنع التداول المنفلت في القضايا الأمنية والسياسية.
  • تشكيل وحدة متابعة ورصد ومعالجة، تغطي فجوة انفلات وسائل التواصل، وتتعاون مع جهات متخصصة في تتبّع النشاط المشبوه على بعض المنصات التي لا تراعي معاييرها وسياساتها أمن المجتمعات.

كسبت كثير من الدول معركة “كسب القلوب والعقول”، وما أحوج سوريا والسوريين لها دون نفاق ولا تكلّف.. لتكن “معركة” يشارك فيها الجميع وينتصرون معًا.. وللحديث بقية.



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة