
العملة المزورة تنتشر في سوريا 5 أيار - 2025 (عنب بلدي/ زينب ضوا)
العملة المزورة تنتشر في سوريا 5 أيار - 2025 (عنب بلدي/ زينب ضوا)
عنب بلدي – زينب ضوا
انتشرت العملة المزورة في الأشهر الأخيرة بشكل ملحوظ في الأسواق السورية، التي شهدت تعاملًا بالدولار وعملات أخرى بعد سقوط نظام الأسد، الذي كان يحظر تداول أي عملة أجنبية في الأسواق الرسمية.
وتسبب وصول العملة التركية والدولار من مناطق الشمال السوري أو ما يحمله السوريون القادمون من الخارج، بتزايد حركة تصريف العملات، وسرعان ما صارت تجارة سريعة الربح، وانتشرت إثرها الكثير من الأموال المزورة، خاصة من العملة السورية.
الطالبة الجامعة مايا عبود، قالت إنها حاولت إرسال مبلغ إلى أهلها في مدينة جبلة، لكن شركة التحويل اكتشفت أنها تحمل ثلاث قطع نقدية من فئة 5000 مزورة دون علمها.
وأضافت أن المواطن الذي لا يملك خبرة كافية يصعب عليه التفرقة بين العملة المزورة وغيرها، ويمكنه بكل سهولة أن يقع ضحية للغش والنصب من قبل مزوري ومروجي العملة في السوق.
ومع تراجع قيمة العملة أمام الدولار والتضخم في سوريا، فإن كثيرًا من الناس لا يتفقدون كل الرزم المالية عند التصريف أو المعاملات التجارية، لما يستغرقه ذلك من وقت، وبالتالي يمكن بسهولة أن تتخللها أوراق مزورة.
مايا ليست الوحيدة التي وقعت ضحية لهذه الظاهرة، إذ قال عبد الرحمن الذي يعمل طبيبًا للأسنان، لعنب بلدي، إنه بعد إعطاء أحد المرضى له مبلغًا اكتشف أن كل الأوراق ليست ذات ملمس واحد ومختلفة عن بعضها من ناحية اللون، مبينًا أن كثيرًا من الناس يضعون العملات المزورة مع السليمة ويبيعونها للناس.
صائغ الذهب في منطقة المزة بدمشق يوسف علي، قال إن الكثير من الزبائن يرغبون بالتصريف لكن يكتشفون أنهم يحملون عملة مزورة دون علمهم بذلك.
نائب عميد كلية الاقتصاد للشؤون الإدارية وشؤون الطلاب في جامعة حماة، الدكتور عبد الرحمن محمد، قال لعنب بلدي، إن الليرة السورية تعرضت لانهيار حاد إذ فقدت أكثر من 99% من قيمتها أمام الدولار منذ 2011، ما جعلها عرضة للتزوير بسبب انخفاض تكلفة طباعة الفئات الصغيرة مقابل المكاسب المحتملة.
وقال إن ظاهرة تزوير العملة في سوريا تعد أحد أعراض الأزمة الاقتصادية الهيكلية التي تتطلب حلولًا شاملة، بدءًا من تعزيز الرقابة على الحدود والقطاع المصرفي، ومرورًا بإصلاح السياسة النقدية، وانتهاء باستعادة الاستقرار السياسي الذي يُعد شرطًا أساسيًا لانتعاش الاقتصاد، ودون معالجة جذرية، ستستمر هذه المشكلة في تفكيك البنية النقدية والاجتماعية للسوق السورية.
بدوره، يعتقد الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة “دمشق” الدكتور عابد فضلية، أن من أهم أسباب ترويج العملة المزورة أو المزيفة الضعف النسبي للرقابة من جهة، وتطور أساليب التزوير من جهة ثانية، وربما السبب الثالث والأهم هو وجود أو تطور العصابات التي تقوم بذلك.
دفع ضعف الرقابة الحكومية وقلة الثقة بالعملة المحلية بعض المزورين إلى اللجوء لطباعة أموال مزيفة لتعويض النقص في السيولة، إضافة إلى ضعف المؤسسات الأمنية والرقابية، ما أدى إلى انتشار شبكات تزوير منظمة تعمل بسهولة نسبيًا، وفاقم ذلك عدم وجود أنظمة متطورة للكشف عن العملة المزورة (مثل الأشرطة الأمنية أو الحبر الخاص)، بحسب نائب عميد كلية الاقتصاد في جامعة “حماة”، عبد الرحمن محمد.
وقال إن الطلب المتزايد على النقد في السوق الموازية، بسبب العقوبات الدولية، أدى إلى تحول معظم المعاملات إلى القطاع غير الرسمي، ما زاد الطلب على العملة النقدية (بما فيها المزورة) لتمويل الأنشطة اليومية، وأيضًا انتشار الفساد وتهريب العملة المزورة عبر الحدود مع دول الجوار.
وأوضح أن فتح السوق سمح بتهريب كميات كبيرة من العملة المزورة عبر الحدود، خاصة من دول تشهد اضطرابات (مثل لبنان والعراق)، حيث تُستخدم سوريا كمسار لتهريب الأموال المزورة.
قال الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة “دمشق” الدكتور عابد فضلية، لعنب بلدي، إن ظاهرة تزوير العملة وتوسع نطاقها وانفلاتها لها آثار اقتصادية سيئة، إذ تساعد على اغتناء أعضاء الجهة المزورة، وتزداد كمية النقود المتاحة للشراء دون أن يكون هناك سلع أو خدمات حقيقية تقابلها.
وأوضح أن التزوير يسبب عمومًا ارتفاع الأسعار نسبيًا، وخاصة في منتجات الفروع والقطاعات التي يتم فيها صرف حصيلة التزوير أو معظمها.
ولارتفاع الأسعار هذا آثار اجتماعية سلبية تتمثل بإضعاف القوة الشرائية للعملة، وبالتالي الحصول على “إشباعات” أقل بنفس كمية العملة.
زيادة كمية النقد المزور في السوق ترفع العرض النقدي دون غطاء إنتاجي، ما يزيد الضغوط التضخمية، بحسب الدكتور عبد الرحمن محمد، الذي أوضح أن العملة المزورة تزيد من معدلات التضخم، ما يقلل قيمة مدخرات المواطنين ويُفاقم الفقر.
وأشار الدكتور عبد الرحمن محمد إلى أن انتشار العملة المزورة، يعدم الثقة بالنظام النقدي للاستثمار المحلي والأجنبي، بسبب أخطار التعامل بعملة غير مستقرة أو مزورة.
ونوه إلى أن المعاملات النقدية دون سجلات رسمية تصبح هي السائدة، ما يُضعف تحصيل الضرائب ويقلل إيرادات الدولة.
وتعزز مشكلة التزوير عزلة سوريا المالية، وتصعّب تعاملها مع المؤسسات النقدية العالمية (مثل صندوق النقد الدولي)، بحسب الدكتور عبد الرحمن محمد.
قال الدكتور عابد فضلية، إن ضبط ومنع وإفشال ظاهرة التزوير هو ضرورة نقدية واقتصادية واجتماعية قصوى.
وأوضح فضلية أن على السلطات الحكومية والرقابية ذات الصلة تكثيف وتطوير أساليب ملاحقتها بجميع مراحلها، فـ”عملية التزوير، مسالك وقنوات توزيع وتوزع حصيلة التزوير الأمر الذي يوجب على الجهات الرقابية تدريب وتأهيل عناصرها لفهم أسس مراحل عملية التزوير وكيفية القضاء عليها”.
ملاحقة ومراقبة خطط وخطوات وأساليب عمليات تزوير العملة تتطلب تكاملًا وتعاونًا بين مختلف الأجهزة الحكومية من جهة وبين الجهات المسؤولة مباشرة عن ذلك، وهي الجهات المالية عمومًا والمصرفية على وجه الخصوص، والجهات التسويقية والرقابية الأخرى، بالتعاون والتنسيق مع مؤسسات القطاع الخاص، ومنها غرف الزراعة والصناعة والتجارة.
المحامي منيب اليوسفي، قال لعنب بلدي، إن المشرّع السوري أفرد للعملة المزورة مكانة خاصة في قانون العقوبات السوري، وفرق بدقة بين “صانع الجريمة” و”ساعيها”، أي بين من زوّر العملة ومن روّج لها.
وبحسب المادة “430” من قانون العقوبات السوري، فإن من زوّر عملة معدنية أو ورقية، سواء كانت سورية أو أجنبية، وطرحها للتداول أو لم يطرحها، يُعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة، من 5 إلى 15 سنة.
وقال اليوسفي، إن “النية تكشف الحقيقة، لا النتيجة، فالذي يُتقن الرسم، ويُجيد التحبير، لا يعني أنه فنان، بل ربما يكون خائنًا إذا كان مراده تقويض الثقة وزعزعة الاقتصاد، والمزور هو من يفتعل الزيف عن علم وسبق إصرار، وهو من يصنع الكارثة من العدم، ويهدد أمن الدولة من جيب المواطن”.
أما ترويج العملة المزيفة، أي صرفها أو إنفاقها أو إدخالها إلى البلاد أو نقلها، فعقوبة من يقوم بذلك تختلف حسب حالته النفسية والمعرفية، فإذا كان يعلم بأنها مزيفة، فالعقوبة تصل إلى سبع سنوات من الأشغال الشاقة، بحسب المادة “433” من قانون العقوبات، أما إذا ثبت أنه تداولها دون علم بتزويرها، ثم علم بذلك لاحقًا ولم يُبلّغ، فالعقوبة تخف، ولا تعدو أن تكون سنة أو أقل، أو غرامة مالية، لأن القانون يُراعي فرق النية، ويفرق بين من قصد الخداع، ومن خُدع، بحسب اليوسفي.
وقال اليوسفي، إن محاكم النقض في سوريا أكدت تشديد العقوبة على المزورين المحترفين، واعتبارهم “تهديدًا مباشرًا للاقتصاد الوطني”، بينما كانت أكثر لينًا في التعامل مع المروجين بحسن النية، خصوصًا إذا ثبت أن العملة وصلت إليهم من طرف ثالث، دون قصد أو تواطؤ.
تزوير العملة ليس مجرد جريمة مالية، بل هو محاولة لاغتيال الثقة العامة، وتفخيخ الاقتصاد الوطني، وفق ما يراه المحامي منيب اليوسفي، لعنب بلدي.
ومؤخرًا، كشف مصرف سوريا المركزي أنه بالتعاون مع شرطة محافظة دمشق، تم ضبط محال تجارية وأشخاص يمارسون أعمال الصرافة والحوالات دون ترخيص، ومصادرة أموال مزورة وضبط بعض العملات الأجنبية المزورة، داعيًا المواطنين إلى عدم التعامل مع أي جهة غير مرخصة، ضمانًا لعدم تعرضهم للضرر.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى