
وصول سيارات من كوريا الجنوبية في مرقأ طرطوس- 18 أيار 2025 (الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية)
وصول سيارات من كوريا الجنوبية في مرقأ طرطوس- 18 أيار 2025 (الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية)
عنب بلدي – لمى دياب
سجلت أسعار السيارات في سوريا انخفاضًا ملحوظًا، نتيجة لزيادة الاستيراد وعدم وضع قيود جمركية عليها، ما أدى إلى تدفقها بشكل كبير للسوق المحلية، وأثر على حركة السوق بشكل عام.
ويشكو زبائن من أن معظم السيارات المستوردة ليست جديدة وفيها عيوب، فيما يقول تجار إن حركة البيع تراجعت بشكل كبير خلال الأسابيع الماضية، مع كثرة في المعروض يقابلها ضعف في الطلب.
انخفضت أسعار السيارات بنحو 75% قياسًا بأسعارها قبل سقوط النظام، بحسب تاجر السيارات في مدينة دمشق عمار المصري.
أشار التاجر لعنب بلدي إلى أن سيارة من نوع “هيونداي سوناتا” سنة صنعها 2011 قبل سقوط النظام كان سعرها يتراوح بين 600 و700 مليون ليرة سورية، أي حوالي 40 ألف دولار أمريكي، أما اليوم فيمكن شراؤها بـ10000 دولار أمريكي، وسيارة “كيا ريو” كان سعرها 300 مليون ليرة سورية، أما اليوم فسعرها 60 مليون ليرة سورية، وتختلف الأسعار بحسب تاريخ الصنع، وما يطلق عليه بالسوق “نظافة السيارة” أي المسافة المقطوعة، ووجود قطع مبدلة داخلها، أو إذ كانت السيارة تعرضت لحادث سير.
والسيارات التي يتم استيرادها حاليًا 80% منها مستعملة، وتوجد سيارات جديدة لكن أسعارها مرتفعة جدًا، بحسب التاجر المصري، مشيرًا إلى أن حركة سوق السيارات كانت جيدة جدًا منذ سقوط النظام حتى آذار الماضي، ولكن السوق يشهد جمودًا منذ نحو شهر ونصف (حوالي منتصف نيسان)، ويرجع ذلك إلى وفرة السيارات مقابل ضعف الطلب من قبل الزبائن.
وأشار إلى أن السيارات القديمة، من النوع الكوري أو الصيني، يبدأ سعرها اليوم من 1500 إلى 6000 دولار أمريكي، بينما سعر السيارات الجديدة المستوردة لا يقل عن 8000 دولار أمريكي.
وأضاف المصري أن من كان يمتلك قبل سقوط النظام 10000 دولار أمريكي يشتري سيارة من موديل التسعينيات، أما حاليًا فيمكنه أن يشتري بالمبلغ نفسه سيارة موديل 2011، قائلًا، “ليس لدى كل المواطنين القدرة على شراء سيارة ولو انخفضت الأسعار”.
منذ إعلان الحكومة السورية فتح باب استيراد السيارات دون قيود تُذكر سوى شرط عمر التصنيع، تشهد الأسواق حالة غير مسبوقة من التدفق السلعي في قطاع السيارات، حيث تحوّلت الأسواق من شحّ قاتل إلى وفرة غامرة خلال أسابيع قليلة، بحسب ما قاله الباحث الاقتصادي محمد السلوم، لعنب بلدي.
وأضاف أن ما يعده البعض انفراجًا بالسوق هو في الحقيقة، من منظور اقتصادي، أحد أشكال الإنفاق الاستهلاكي المفرط وغير المنتج الذي قد يُعمّق الأزمة بدل أن يخفف منها.
وتابع أنه بحسب تقديره كمحلل اقتصادي، فإن قيمة السيارات المستوردة إلى سوريا خلال الأشهر الماضية تقدّر بنحو مليار ونصف المليار دولار، وهو رقم كبير بالنظر إلى أن موازنة الدولة للعام ذاته لا تتجاوز 3.9 مليار دولار، مضيفًا أن “المفارقة تبدو واضحة حين يتم إدراك أن هذه الكتلة النقدية ذهبت إلى سوق استهلاكية بحتة، في وقت يعاني فيه الاقتصاد السوري من ركود حاد وضعف في الإنتاجية”.
“نحن لا نتحدث عن قطاع إنتاجي أو بنية تحتية، بل عن سلعة استهلاكية غير استراتيجية، يعود جزء كبير منها لسنوات تصنيع قديمة، ويترتب على دخولها إلى السوق المزيد من الأعباء على صعيد الوقود، الصيانة، وقطع الغيار”، وفق السلوم.
وبيّن السلوم أنه من الناحية السعرية، من الطبيعي انهيار أسعار السيارات القديمة والمخزنة في السوق بعد هذا الانفتاح غير المنظم، ودخول أعداد كبيرة من السيارات، ودون أي رسوم جمركية أو ضريبة رفاهية، ما أحدث فرقًا سعريًا حادًا، وجعل من السيارات سلعة خاضعة لمضاربة سعرية لا تُبنى على تكلفة حقيقية، بل على فجوة تنظيمية بين مناطق نفوذ مختلفة.
حول الأثر الاقتصادي، يرى الباحث السلوم أن الاستيراد بهذا الحجم أدى إلى زيادة الطلب على القطع الأجنبي بشكل مفاجئ، ما سينعكس لا محالة على سعر صرف الليرة السورية، ويؤثر سلبًا على القوة الشرائية، خاصة في قطاع الغذاء والدواء الذي يعتمد أيضًا على الاستيراد، وهذا الأثر على المدى القريب، أما الأثر على المدى المتوسط فإن السوق سيدخل في دورة تضخمية مزدوجة، من جهة زيادة العرض في سلعة غير منتجة، ومن جهة أخرى ارتفاع في تكاليف التشغيل المرتبطة بها، في ظل غياب البنية التحتية المناسبة.
وكان بالإمكان، على سبيل المثال، توجيه هذا المبلغ نحو إنشاء مشاريع متوسطة التكلفة ذات أثر مباشر على حياة الناس، كإنشاء مدن صناعية صغيرة في المحافظات التي تفتقر إلى بنية إنتاجية، أو دعم سلاسل القيمة الزراعية والتصنيعية في المناطق الريفية لتوفير فرص عمل وتحقيق اكتفاء ذاتي جزئي في بعض المواد الأساسية، مشيرًا إلى أن “هذه المشاريع كفيلة بتدوير المال داخل الاقتصاد السوري بدل ضخه في سلع استهلاكية مستوردة، وزيادة فاتورة الوقود والصيانة في ظل شح المحروقات”.
وبيّن السلوم أن سياسة الانفتاح غير المنضبط على استيراد السيارات، في بلد يعاني من تدهور في موارده الإنتاجية، ليست سوى استجابة لطلب السوق دون رؤية اقتصادية، والمطلوب اليوم ليس كبح السوق، بل إعادة ضبط البوصلة الاستثمارية نحو المشاريع التي تولّد قيمة حقيقية، وتخفف من الاستنزاف المستمر للاحتياطي النقدي، وتحافظ على الحد الأدنى من التوازن في الميزان التجاري.
أعلنت محافظة طرطوس، في 18 من أيار الماضي، وصول باخرة ثانية محملة بـ1800 سيارة، من كوريا إلى مرفأ طرطوس.
واعتبرت أن ذلك يأتي ضمن “الخطوات المتسارعة لدفع العجلة الاقتصادية بعد سقوط النظام البائد”.
وكانت المحافظة أعلنت، في 28 من نيسان الماضي، وصول أول باخرة سيارات بعد سقوط النظام، حاملة على متنها نحو 3200 سيارة إلى مرفأ طرطوس.
واعتبرت المحافظة حينها، أن وصول الباخرة يمثل “مؤشرًا مهمًا على انطلاق مرحلة تعافي الحركة التجارية وعودة الحيوية إلى المرافئ السورية بعد سنوات من الجمود والتراجع”.
بينما ذكرت وكالة “سانا” أن أول باخرة نقل تجاري تحمل سياراتوصلت إلى مرفأ اللاذقية، كانت في 26 من كانون الثاني الماضي، إذ سمحت وزارة النقل السورية باستيراد السيارات إلى سوريا وفق شرط ألا يكون مضى على تصنيعها أكثر من 15 سنة.
القرار لاقى العديد من الانتقادات منذ ذلك الوقت، إذ اعتبر بعض الخبراء أنه سيؤثر على أسعار السيارات ويسبب خسارات لأصحابها، فضلًا عن استنزاف موارد القطع الأجنبي في مواد غير أساسية.
قال وزير النقل السوري، يعرب بدر، إن الوزارة بصدد اتخاذ إجراءات تهدف إلى إعادة تنظيم استيراد السيارات إلى سوريا، بعد أن أغرقت بالسيارات الحديثة عقب فتح باب الاستيراد قبل عدة أشهر.
وأضاف أنه عقب فتح باب الاستيراد، دخلت أعداد كبيرة من السيارات الحديثة، لتعويض النقص في السوق المحلية، وفق ما نقلته الوكالة السورية الرسمية للأنباء (سانا)، في 7 من أيار الماضي.
الوزير أكد أن التسهيلات التي تم تقديمها لدخول السيارات من سلاسة الإجراءات في المعابر وتخفيض الرسوم الجمركية، تسبب في إغراق السوق المحلية بالسيارات الحديثة، لكن هذا الوضع مؤقت، ولا يحظى بمقومات الاستدامة، بحسب تعبيره.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى