جدل حول هدم مبنى المحافظة.. لا سمة أثرية

مبنى المحافظة في دمشق - كانون الأول 2024 (أنس الخولي / عنب بلدي)

camera iconمبنى المحافظة في دمشق - كانون الأول 2024 (أنس الخولي/عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

تراجعت محافظة دمشق عن قرار اتخذته قبل أيام يتعلق بهدم مبنى المحافظة، بعد أن أثارت القضية جدلًا واسعًا بين رواد وسائل التواصل الاجتماعي، الذين انتقدوا القرار لكون المبنى يشكل علامة فارقة في الممتلكات الأثرية لسوريا.

التراجع عن القرار جاء عقب اجتماع محافظ دمشق، ماهر مروان، مع عدد من شاغلي العقارات ضمن مبنى المحافظة، بعد اعتراضهم على إشعار المحافظة بإخلاء العقارات، وفق ما أوضح مدير المكتب الإعلامي لمحافظة دمشق، أحمد مصطفى، لعنب بلدي.

وأضاف مصطفى أن الاجتماع كان لتوضيح ملابسات إشعار الإنذار بالإخلاء، وتوضيح الإجراءات بشفافية.

خلال اللقاء قال محافظ دمشق، إن الإجراء الذي كان من المفترض اتخاذه (هدم مبنى المحافظة) يأتي ضمن سياق احتياجات ملحة يهدف إلى تحسين الواقع الإداري للمبنى، مشددًا على أن المحافظة حريصة على حقوق جميع المواطنين ومصالحهم.

عقب انتهاء الاجتماع، تم الاتفاق مع شاغلي عقارات المحافظة على بقاء الوضع على ماهو عليه حاليًا وإيجاد حلول مناسبة من قبل المحافظة.

لاهتلاك المبنى

قرار المحافظة بالهدم جاء بناء على تهالك المبنى، وورد في أحد إنذارات الإخلاء التي وصلت إلى شاغلي المحال والمكاتب داخل مبنى المحافظة أنه “نظرًا لاهتلاك مبنى المحافظة القائم على العقارين /1387/ و/641/، واستعماله منذ عشرات السنين، ولتزايد عدد الموظفين والمراجعين، سيتم إعادة بناء المبنى على الطراز الحديث بما يلبي حاجة المواطنين”.

ونص الإنذار على “وجوب إخلاء المحل وتسليمه لمحافظة دمشق أصولًا خلال مدة تنتهي في 16 من حزيران المقبل، وهي مهلة نهائية غير قابلة للتمديد”.

وجاء في التفاصيل أن المحافظة ستباشر بهدم البناء وقت انقضاء المهلة الممنوحة دون أن تكون مسؤولة عن الأضرار التي تلحق بالجهة التي جرى إنذارها عند القياء بالإخلاء التام.

المحافظة تراجعت عن قرارها نتيجة عدم وجود حلول بديلة لشاغلي العقارات والمحال في المبنى، دون أن تذكر خطتها المستقبلية في هذا الإطار.

مواطنون أمام مبنى محافظة دمشق- 25 كانون الثاني 2025 (عنب بلدي)

مواطنون أمام مبنى محافظة دمشق- 25 كانون الثاني 2025 (عنب بلدي)

جدل حول الهدم

مع انتشار قرار هدم المبنى، انتقد بعض السوريين القرار لكونه مبنى أثريًا، متجاهلين تهالكه الذي يعرقل وصول المواطنين إلى خدماتهم في بعض الأحيان، حاله كحال العديد من مؤسسات الدولة.

في بيان استنكار موقع إلكترونيًا تم تداوله، رفض الموقعون قرار هدم المبنى مبررين أسبابهم باعتبار مبنى المحافظة “ليس مجرد بناء إداري، بل هو أحد الشواهد العمرانية المميزة التي صمدت في وجه تقلبات الزمن، ويمثل جزءًا من ملامح دمشق الحديثة التي لا تقلّ أهمية عن تراثها القديم”، الأمر الذي لم يتم ذكره في أي مرجع رسمي حول المباني الأثرية، بحسب بحث أجرته عنب بلدي.

مبنى مكاتب.. لا أثري

المهندس المعماري الاستشاري، محمد مظهر شربجي، علق على هذه الانتقادات بقوله، إن مبنى المحافظة لا يمكن اعتباره مبنى تاريخيًا أو كان في السابق ضمن كتلته أنشطة ذات طابع سياسي أو تاريخي أو عمراني، إنما هو مبنى مكاتب كأي مكان آخر، ولا يحمل في واجهته أو كتلته العمرانية أي شيء من هذا القبيل.

وأكد شربجي في حديث إلى عنب بلدي، أنه في حال تهالك المبنى من حق المحافظة أو أي جهة أو مؤسسة رسمية إزالة البناء وإعادة إعمار بديل عنه بنفس المكان، إذ “يمكن في حال عدم اتخاذ القرار أن يتهدم في أي حركة زلزالية مثلًا”.

المهندس المعماري أكد أن هدم المبنى سيفقد شاغلي العقارات المرتبطة به العديد من المزايا، إلا أن إزالته لن تؤثر بالتأكيد على المستقبل العمراني والتخطيطي في سوريا.

المحامي السوري، عارف الشعال، أكد بدوره أن مبنى المحافظة عادي جدًا لا يحمل صفة المبنى الأثري أو التاريخي أو التراثي، كما لا يرتبط بأي ذكرى أو حدث يتعلق بمدينة دمشق، ولا يذكره الدمشقيون إلا كأحد مراكز النهب والفساد في المدينة، وفق تعبيره.

واعتبر الشعال أن هدم المبنى وإشادة آخر على طراز حديث في هذا الموقع الاستراتيجي، عمل حكيم وواقعي، وينبغي دعمه وتشجيعه، وهو أمر مألوف في كل دول العالم.

موظفون في مبنى محافظة دمشق يقومون بتسيير معاملات المواطنين- 12 من كانون الأول 2024 (عنب بلدي)

موظفون في مبنى محافظة دمشق يقومون بتسيير معاملات المواطنين- 12 من كانون الأول 2024 (عنب بلدي)

معايير للأبنية التاريخية

حول معايير الأبنية التاريخية والأثرية التي لا يجب هدمها، أوضح المهندس المعماري، محمد مظهر شربجي، أنها تلك المباني التي تحمل في هويتها ذاكرة سياسية كبيرة وهوية عمرانية جميلة، وتراثية وتاريخية، بالإضافة إلى أنشطة كبيرة شهدها البناء في أوقات سابقة.

واعتبر شربجي أن مبنى محافظة دمشق شاهد على الكثير من قضايا الفساد في دمشق ومحيطها، ولم يستطع أن يحافظ على عمران دمشق القديمة، أو عمران دمشق الحديثة بعد الثورة الفرنسية، بالعكس تم تهميش مخططات تنظيمية لـ35 عامًا في هذا المبنى.

كما اتخذت قرارات منه تصب بمصالح النظام السابق بشكل مباشر، منها ما يتعلق بمشروعي “ماروتا سيتي” و”باسيليا سيتي”.

لذلك يؤكد شربجي عدم وجود أهمية ثقافية أو تراثية أو تاريخية أو عمرانية لهذا المبنى، مضيفًا أنه يتمنى ألا تتراجع عن قرارها في هدم المبنى لتهالكه، ومن الممكن أن تلجأ إلى إنشاء نموذج مخطط عمراني بديل عنه، وتقرر إزالة القديم وتشييد الجديد خلال مدة زمنية محددة.

ترميم وإعادة ألق

الباحث السوري العامل في أرشيف الإرث الحضاري السوري في متحف الفن الإسلامي ببرلين، عصام الحجار، قدّم رؤويته حول الجدل الحاصل بشأن هدم مبنى المحافظة من عدمه.

وأوضح الحجار في منشور له عبر “فيس بوك”، أنه بموجب قانون الآثار السوري المعمول له منذ عام 1963، تعتبر المباني التي يقل عمرها عن 200 سنة من حيث المبدأ غير أثرية، إلا إذا رأت السلطات الأثرية غير ذلك، وباعتبار أن هذه السلطات هي “المديرية العامة الآثار والمتاحف”، فالقرار هنا يستند أكاديميًا وفكريًا إلى خلفية آثارية وليست معمارية أو عمرانية أو حتى تاريخية.

بموجب قانون الآثار السوري جرى تعريف ما هو أثري تعريفًا فضفاضًا مضى عليه 62 عامًا، ذكر في المادة الأولى من القانون وهو “تعد أثارًا الممتلكات الثابتة والمنقولة التي بناها أو صنعها أو أنتجتها أو كتبها أو رسمها الإنسان قبل مئتي سنة ميلادية أو قبل مئتين وست سنوات هجرية، ويجوز للسلطات الأثرية أن تعد الآثار أيضًا الممتلكات الثابتة أو المنقولة التي ترجع إلى عهد أحدث إذا رأت أن لها خصائص تاريخية أو فنية أو قومية، ويصدر بذلك قرار وزاري”.

عصام الحجار يرى أن مبنى محافظة دمشق ينتمي إلى نسيج عمراني متجانس يمتد بين منطقة التجهيز غربًا وحتى البحصة شرقًا، مضيفًا أنه في هذه الكتلة أبنية ذات تصاميم متشابهة بانحناءاتها الأنيقة وكسوتها الحجرية البيضاء، كفندق أمية ومبنى المؤسسة العربية للإعلان ومباني شارع المتنبي والفردوس، بنيت هذه المنطقة في أواسط القرن العشرين، أي أنها تمثّل بداية النهضة العمرانية المحلية بعد الاستقلال، ونجد في تصميمها التأثر بمدارس العمارة الغربية السائدة في تلك الفترة.

وتكمن أهمية هذه الأبنية، من وجهة نظر عصام الحجار، في كونها تمثل مرحلة قصيرة ومحدودة من تاريخ سوريا المعماري المعاصر، ما بين الاستقلال عام 1946 والوحدة مع مصر عام 1958 وبعدها بقليل انقلاب حزب البعث عام 1963، وما تبع ذلك من تعميم لنماذج العمارة الشيوعية.

خلال هذه المرحلة القصيرة بنيت هذه المنطقة التجارية في وسط دمشق، ولعل أكثر المباني تميّزًا في هذه الكتلة العمرانية هو مبنى محافظة دمشق تحديدًا، نظرًا لموقعه الهام عند ساحة يوسف العظمة ولامتلاكه فسحة سماوية داخلية، وكذلك لوجود مبنى خلفه متطابق معه من حيث التصميم.

عصام الحجار علق على الآراء الداعمة لقرار هدم المبنى لكونه قديمًا وكان مركزًا للرشوة والفساد ووجود إضافات قبيحة من الصفيح على سطحه بقوله إن “كل هذه المعطيات صحيحة، ولكنها لا تبرر الهدم، كل ما يحتاجه المبنى هو إزالة التعديات والإضافات القبيحة، من ثم ترميمه وإعادة الألق إليه”، وفق رأيه.



مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة