خرائط عسكرية جديدة بعد سقوط النظام

إسرائيل تنشئ تسع قواعد عسكرية وتستبيح الجنوب

دبابات إسرائيلية تتوغل في ريف القنيطرة - 23 كانون الثاني 2025 (نور جولان/ فيسبوك)

camera iconدبابات إسرائيلية تتوغل في ريف القنيطرة - 23 كانون الثاني 2025 (نور جولان/ فيسبوك)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – محمد كاخي

سارعت إسرائيل بعد سقوط النظام السوري، في 8 من كانون الأول 2024، إلى التوغل داخل الأراضي السورية جنوبًا، ونفذت مجموعة واسعة من العمليات البرية والجوية استهدفت فيها قواعد عسكرية سابقة للجيش السوري.

وفي 10 من كانون الأول 2024، قال مصدران أمنيان لـ”رويترز”، إن توغلًا عسكريًا إسرائيليًا في جنوبي سوريا وصل إلى نحو 25 كيلومترًا إلى الجنوب الغربي من العاصمة دمشق.

ودمّرت الهجمات الإسرائيلية أهم المواقع العسكرية في سوريا، بما في ذلك مطارات عسكرية، ومستودعات، وأسراب طائرات، ورادارات، ومحطات إشارة عسكرية ومستودعات أسلحة وذخيرة، ومراكز أبحاث علمية، وأنظمة دفاعات جوية، ومنشأة دفاع جوي وسفن حربية في ميناء اللاذقية شمال غربي سوريا.

قواعد جديدة في القنيطرة ودرعا

الناشط في محافظة القنيطرة أحمد أبو زين، قال لعنب بلدي، إن القواعد الإسرائيلية تتوزع من نقطة قمة جبل الشيخ، إلى حوض اليرموك أقصى الريف الجنوبي مع محافظة درعا، ويبلغ عددها ثماني قواعد عسكرية في القنيطرة وقاعدة في درعا.

وفي حديث إلى عنب بلدي، قال الصحفي زياد الفحيلي، إن جيش الاحتلال الإسرائيلي أنشأ عدة قواعد عسكرية في القنيطرة، وعمل على شق شبكة طرق استراتيجية لربط مواقعه العسكرية داخل المنطقة منزوعة السلاح، الأمر الذي أثار قلق السكان المحليين بسبب التهديد المباشر لأراضيهم ومواردهم.

وأضاف الفحيلي أن أهم هذه القواعد التي تمركزت فيها إسرائيل في أعقاب سقوط الأسد هي قمة جبل الشيخ، وقرص النفل في بلدة حضر، وتتوزع القواعد الإسرائيلية في الجنوب السوري كالتالي:

  • مرصد جبل الشيخ.
  • التلول الحمر- قطاع شمالي.
  • قرص النفل غربي بلدة حضر.
  • قاعدة حرش جباتا الخشب في المحمية الطبيعية، وتحتوي على مهبط طيران مروحي، ووفقًا لما أظهرته صور الأقمار الصناعية، فقد تم  تجريف حوالي 50 دونمًا من الأراضي الواقعة في الحرش.
  • قاعدة شرق قرية الحميدية.
  • قاعدة العدنانية (سد المنطرة) شرق بلدة القحطانية.
  • قاعدة تل أحمر غربي في بلدة كودنة.
  • قاعدة في منطقة القنيطرة المهدمة.
  • سرية الجزيرة في درعا (وهي القاعدة الوحيدة في درعا).

وبحسب شهادات ناشطين تحدثوا إلى عنب بلدي، فإن هذه القواعد أصبحت منطلقًا للعمليات، وتتوغل منها القوات الإسرائيلية إلى داخل الأراضي السورية لمسافة قد تصل إلى 16 كم من السياج الفاصل مع الجولان المحتل.

ومنعت هذه القواعد الأهالي من الاقتراب من أراضيهم الزراعية ما يعتبر انتهاكًا مباشرًا لحقوقهم وأمنهم المعيشي، وتسببت في تدمير واسع للأراضي الزراعية، مع تجريف آلاف الأشجار المعمرة في حرش كودنة، وتخريب البنى التحتية في محافظة القنيطرة، بحسب الناشطين.

الباحث في الشأن الإسرائيلي ياسر مناع، قال لعنب بلدي، إن الوجود العسكري الإسرائيلي في جنوبي سوريا لم يعد مجرد تحرك ظرفي أو رد فعل أمني، بل بات يتموضع ضمن استراتيجية بعيدة المدى ترمي إلى تثبيت واقع ميداني جديد.

والقواعد التي أنشأتها إسرائيل، والمزوّدة بآليات ثقيلة وبُنى تحتية متكاملة، تهدف أولًا إلى إنشاء منطقة أمنية عازلة دائمة تحمي حدود الجولان المحتل من أي تمدد سوري أو إيراني مستقبلي، وثانيًا إلى فرض سيطرة استخباراتية ومراقبة استراتيجية على محيط دمشق وجنوبها.

وتابع، “ما نراه ليس تحركًا عسكريًا مؤقتًا، بل بنية احتلالية طويلة الأمد، تُدار ضمن رؤية أمن قومي شاملة”.

مراكز متقدمة

تشير المعلومات التي حصلت عليها عنب بلدي من مصادر محلية في القنيطرة، إلى تصاعد النشاط العسكري الإسرائيلي في عدد من القواعد العسكرية المنتشرة على طول الشريط الحدودي مع الجولان المحتل، إذ باتت هذه النقاط بمثابة مراكز متقدمة تنطلق منها الدوريات وتتوزع على قرى وبلدات المحافظة، وتنفذ فيها مهام أمنية وعسكرية بشكل متكرر.

وبحسب المصادر، فإن هذه القواعد تتولى تنفيذ عمليات رصد واستطلاع دائمة، وتقوم بمداهمات في الأحياء السكنية، ترافقها في بعض الأحيان اعتقالات تستهدف مدنيين من أبناء المنطقة.

في بلدة جباتا الخشب، قال المواطن محمد مازن مريود، لعنب بلدي، إن القواعد الإسرائيلية تداهم منازل المواطنين بشكل دائم، وتعتقل المواطنين، وآخرها كان توقيف ثلاثة مدنيين منذ نحو شهر وحتى اليوم، “وعند التواصل مع الجيش الإسرائيلي أجابنا بأن الموقوفين ما زالوا قيد التحقيق”.

كما منعت القوات المنتشرة في محيط القواعد السكان من الوصول إلى أراضيهم الزراعية ومراعيهم، وسط عمليات تجريف طالت نحو 50 دونمًا من الحراج في جباتا الخشب، وقال مريود لعنب بلدي، إن مساحة الأراضي التي تم تجريفها أكبر بكثير من الأرقام المتداولة، فقد تم تجريف أراضي المحمية الطبيعية في جباتا الخشب بشكل شبه كامل، إلى جانب حرمانهم من استثمار حوالي 7000 دونم من الأراضي الزراعية والرعوية في البلدة، بحسب مريود.

السيطرة على الموارد المائية

أحد التطورات الخطيرة، بحسب الناشطين، هو الإنذارات التي وجهتها القوات الإسرائيلية للسكان بعدم الاقتراب من سد المنطرة أحد أكبر سدود القنيطرة، وهو ما يشكل تهديدًا إضافيًا للأهالي الذين يعتمدون على هذه المياه في حياتهم اليومية وسقاية أراضيهم ومواشيهم.

الناشط أحمد أبو زين قال لعنب بلدي، إن هذه القواعد تضم تجهيزات عسكرية متكاملة، وتتمركز فيها دبابات “ميركافا”، وناقلات جند، وآليات من نوع “همر” و”هايلوكس”، وتتحرك هذه القوات بشكل دوري نحو عمق الأراضي السورية.

وقال الناشط نور جولان، لعنب بلدي، إنه في حال التوغل لمسافات تزيد على 15 كم، تتلقى هذه القواعد تعزيزات من داخل الجولان المحتل.

ورغم انتشار قوات الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك (UNDOF) في المنطقة، فإن السكان والناشطين يشيرون إلى غياب أي تدخل منها في مواجهة هذه التحركات المتكررة.

اعتبر الباحث في الشأن الإسرائيلي ياسر مناع، أن السيطرة على الموارد المائية السورية أحد الأهداف الجوهرية غير المعلنة لإسرائيل من هذه العمليات والقواعد.

ويندرج منع السكان من الوصول إلى أراضيهم الزراعية ضمن استراتيجية “الحرمان البيئي”، التي تهدف إلى إعادة تشكيل التوزيع الديموغرافي والاقتصادي في الجنوب، وتحويل الأرض إلى أداة ضغط عسكري وسياسي، بحسب مناع.

وتستعيد هذه السياسة نمطًا استخدمته إسرائيل تاريخيًا في الجولان والضفة الغربية، وتكرّسه اليوم في جنوبي سوريا.

السيطرة على جبل الشيخ.. “لحظة تاريخية”

توجه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في 17 من كانون الأول 2024، برفقة وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، إلى جبل الشيخ، الذي سيطرت القوات الإسرائيلية على قمته السورية بعد سقوط النظام السوري، ووصف كاتس هذه اللحظة بأنها “تاريخية”.

وذكر بيان لوزارة الدفاع الإسرائيلية حينها، أن الجيش الإسرائيلي هناك “لحماية مجتمعات مرتفعات الجولان، ومواطني دولة إسرائيل من أي تهديد، من أهم مكان حيث يمكن القيام بذلك”.

الباحث في الشأن الإسرائيلي ياسر مناع، قال لعنب بلدي، إن السيطرة الإسرائيلية على قاعدة جبل الشيخ تمثل تطورًا بالغ الخطورة من حيث الوزن الجيوعسكري.

فهذه القاعدة تقع في موقع يُشرف مباشرة على سهل دمشق، وتُمكن من مراقبة وتحليل كل حركة ميدانية في العاصمة ومحيطها. وعندما يقول كاتس إنها “لحظة تاريخية”، فهو يعبّر عن الانتقال من الدفاع إلى الهجوم الاستباقي، ومن الحياد إلى الحسم في صياغة خريطة المنطقة.

سقوط جبل الشيخ بيد إسرائيل يعني أن العمق السوري في الجنوب بات مكشوفًا ناريًا واستخباراتيًا بالكامل، ويؤشر إلى تراجع فعلي في سيادة الدولة السورية على أهم مرتفعاتها العسكرية، بحسب مناع.

وكان كاتس قال، في 29 من كانون الثاني الماضي، إن الجيش الإسرائيلي “سيبقى على جبل الشيخ وفي المنطقة الأمنية لأجل غير مسمى”، وأضاف، “لن نسمح لقوات معادية بالتمركز في المنطقة الأمنية جنوبي سوريا، من هنا وحتى محور السويداء- دمشق”.

دمشق وإمكانية الرد

تعتبر الحكومة السورية أن الانتهاكات الإسرائيلية الأخيرة في محافظة القنيطرة تجاوز واضح لاتفاق فض الاشتباك الموقع عام 1974، بحسب تصريحات نائب محافظ القنيطرة، محمد السعيد، لوكالة “الأناضول”.

وترى الحكومة السورية أن إسرائيل استغلت الانهيار السياسي والعسكري لتوسيع وجودها داخل العمق السوري، مستندة إلى مزاعم بوجود قوات تتبع لـ”حزب الله” وإيران، وهو ما نفاه السعيد، مؤكدًا أن تلك القوات أُخرجت بالكامل مع انطلاق عملية “ردع العدوان”.

وأشار إلى أن المنطقة باتت تحت سيطرة وحدات الأمن التابعة لوزارة الداخلية، واعتبر السعيد تكرار عمليات الهدم والاعتقال ومصادرة الأراضي من قبل الجيش الإسرائيلي، انتهاكًا ممنهجًا للقانون الدولي وحقوق السكان المحليين.

ودعت دمشق المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته تجاه ما وصفته بـ”التصعيد الإسرائيلي المستمر”، وشددت الحكومة على تمسكها باتفاقية فض الاشتباك، رغم ما وصفته بانهيارها عمليًا على الأرض.

في حديثه إلى عنب بلدي، قال الباحث في الشأن الإسرائيلي ياسر مناع، إنه من الناحية القانونية، يمثّل التمركز الإسرائيلي في الداخل السوري خرقًا واضحًا لاتفاق فض الاشتباك لعام 1974، وانتهاكًا لسيادة دولة عضو في الأمم المتحدة. وفي ظل تراجع الخيارات العسكرية المباشرة لدى دمشق، فإن الخيارات المتاحة أمام الحكومة السورية تتمثل أولًا في التصعيد الدبلوماسي الدولي من خلال مجلس الأمن والجمعية العامة، مع تقديم ملفات قانونية موثقة توضح طبيعة الخروقات.

ثانيًا، يمكن لدمشق أن تلجأ إلى تفعيل أدوات القانون الدولي الإنساني عبر المنظمات الحقوقية والمحاكم الدولية المختصة.

وثالثًا، فإن التحالفات الإقليمية التي تشهد إعادة تشكل يمكن أن تُستخدم كرافعة سياسية لإعادة إدراج المسألة السورية على جدول التفاوض، لكن من زاوية مقاومة الاحتلال وليس فقط الأزمة الداخلية.




×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة