tag icon ع ع ع

عمار زيادة

غابت سوريا، معنىً ولفظًا، عن خطاب الفصائل الجهادية، على مدار خمس سنوات من العمل المسلح، لكن “أبو محمد الجولاني”، قائد جبهة “فتح الشام”، افتتح لقاءه المرئي الأول بمصطلحٍ ذي دلالات بعيدة، هو “الثورة السورية”.

ورغم أن “الثورة السورية” كانت إيمانًا راسخًا لدى السوريين، عند انطلاقتها في 2011، إلا أن الشق الثاني من المصطلح (السورية) تعرضّ للتشويه، من حلفاء الثورة كما من أعدائها.

كلمة “سوريا” في خطاب الجولاني لها معنىً رئيس، لا مفكّ عنه، وهو حصر نشاط “فتح الشام” داخل الحدود الوطنية السورية، والتأكيد أنها لن تشكل تهديدًا على الغرب.

ظهر الجولاني في لقاء عبر قناة “الجزيرة” القطرية، بزيّ يعكس خطابه، فقد اعتلته قبعة ماليزية اعتاد أميره أبو مصعب الزرقاوي الظهور بها، حتى عرفت باسمه، معاودًا ارتداء بزّة أسامة بن لادن الشهيرة.

وهو الجانب العسكري الذي أكّد عليه، باستمرارية القتال للدفاع عن “أهل السنة”، في معركة اعتبرها “وجودية”، والوقوف في وجه مخطط يفضي إلى استسلام الفصائل المسلحة، والذي يتفق عليه الأمريكيون والروس بدراية وإشراف الأمم المتحدة.

فالقضية، من وجهة نظر الجولاني، “تقاسم أدوار: الروس وما تبقى من النظام والميليشيات الطائفية مهمتهم عسكرية، والأمريكيون يستهدفون القوى الفاعلة في الساحة الشامية وعلى رأسها فتح الشام، بمهمة أمنية، ثم يثنّون بفصائل أخرى كأحرار الشام وجيش الإسلام… بالترتيب والأولوية”، بينما يقتصر دور الأمم المتحدة على “إدخال المساعدات”.

لكنّه أكمل لباسه بطريقة فريدة، مرتديًا بنطالًا قماشيًا ومنتعلًا حذاءً جلديًا، كما لو أنه مدعوٌ إلى مؤتمر في “جنيف”.

وهنا إشارة إلى جانب سياسي في الخطاب، ينحوه الجولاني للمرة الأولى. سياسةٌ على طريقة “فتح الشام”، التي تطالب بتوحيد الفصائل بدافع “شرعي- فطري- عسكري” و”سياسي” أيضًا، لأن ذلك يعني “كيانًا قويًا يجمع شمل أهل السنة، ويدافع عن حقوقهم ويمثلهم”.

كان العمل السياسي محرمًا إلى وقت قريب وتخوّن الفصائل التي تؤمن به، كما حصل بعد مؤتمر الرياض، لكنّ الحال مختلفةٌ اليوم، “في النهاية أهل الشام يجب أن يكون لديهم شخصية موحدة تحترم من قبل الخارج، شخصية تتعامل بطريقة ندية لا تكون تبعية ولا وظيفية”.

يعود بنا هذا التحول إلى تجربة طالبان الأفغانية، التي توجّهت إلى العمل السياسي بعد صراعٍ مرير، وافتتحت مكتبًا في قطر عام 2013، وأبدت كابول والولايات المتحدة الاستعداد لمفاوضة الحركة.

وبدا الجولاني، الذي فكّ اللثام عن وجهه للمرة الأولى في تموز 2016، مؤمنًا بانعكاس الواقع العسكري على الساحة السياسية الدولية، معتبرًا أن “فتوحات” معركة حماة، وتحرك جبهة الجنوب، “سيؤثر على الموقف السياسي لأنه مرتبط ارتباطًا وثيقًا به، وسيغير كثيرًا من الأحوال التي يبنى عليه…”، خاتمًا بما بدأ به “بهذا العمل نشتت تركيز النظام وتفتح مناطق جديدة، وهذا له اعتبارات جديدة، ولها محلّها السياسي الجديد”.

وضع الجولاني نفسه بعد هذا اللقاء، على جبهتين: التعامل مع جنوده وخصومه الداخليين ببزة بن لادن وقبعة الزرقاوي، ومواجهة خصومه الإقليميين والدوليين ببنطال وحذاء “جنيف”.

تطور الظهور الإعلامي لـ “أبو محمد الجولاني”:

مقالات متعلقة