مدخنون: تعلمنا “التخفيف” والتوفير بـ “اللف”

الحرب تقضي على “برستيج” التدخين في سوريا

تحول السوريون لسجائر اللف بعد ارتفاع سعره (انترنت)

camera iconتحول السوريون لسجائر اللف بعد ارتفاع سعره (انترنت)

tag icon ع ع ع

إيلين عثمان – عنب بلدي

كان من السهل التوجه إلى أي محل في سوريا لشراء علبة “سجائر”، بسعر يناسب الدخل، فإن كنت من أصحاب الدخل المحدود فعلبة “غولواز” أو “اليغانس” تفي بالغرض، وإن كنت “برجوازيًا” فـ “المارلبورو” هو الهدف، بعدما ارتبطت هذه الماركة بأصحاب الدخل العالي.

لكن مع تغير الحال والأحوال وغلاء الأسعار، أصبحت تلك الأنواع “نادرة”، وإن وجدت فلا طاقة لأي شخص بشرائها، حتى أصحاب الدخل الجيد، فسعر علبة “المارلبورو” وصل إلى نحو 2000 ليرة (4 دولارات)، لتبدأ عملية البحث عن أنواع أرخص والانتقال من نوع لآخر بحثًا عن التوفير.

العودة للماضي

رحلة البحث عن “علبة سجائر رخيصة” ليست حكرًا على السوريين في الداخل، فاللاجئون أيضًا كان لهم حصة في ذلك، نظرًا لارتفاع أسعار “الدخان” في الدول التي حطوا فيها، ما دفع السوريين، داخل البلد وخارجها، للعودة إلى “الدخان العربي” أو “اللف”، والذي بدأ ينتعش بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة، كمادة رخيصة.

رامي (20 عامًا) يتابع تعليمه في كلية الحقوق بجامعة دمشق، ويروي لعنب بلدي تجربته مع هذا النوع “القديم المتجدد”، قائلًا “دخان اللف ساعدني على التوفير، فليس سهلًا أن تدفع يوميًا ثمن علبة دخان في هذه الظروف، خاصةً مع الارتفاع المستمر لسعر الدولار، أسوأ أنواع السجائر لا يقل ثمنه عن 100 ليرة سورية، لكن الحرب علمتنا أن لكل مشكلة حلًا، والدخان اللف كان الحل للتغلب على غلاء التبغ”.

ويتابع رامي، متحدثًا عن فوائد “الدخان العربي”، بحسب تعبيره، “دخان اللف يساعدك في الإقلاع عن التدخين أو التقليل من تناول السجائر بشكل كبير، فهو بحاجة لعناء لف السيجارة، وحتى بوجود آلة للفها تبقى بحاجة للوقت. كنت في الماضي أدخن كل ساعة ثلاث سجائر، الآن كل ساعة أدخن سيجارة واحدة، وفي بعض الأحيان كل ساعتين مرة”.

وبحسب استطلاع لعنب بلدي بين بعض المدخنين في دمشق، فإن اللجوء للدخان العربي أفضل من شراء الأنواع المنتشرة المجهولة المصدر، وقد انتشرت مؤخرًا مجموعة من الأنواع، وبأسماء مختلفة، تشبه أسماء الماركات الشهيرة، لكنها تختلف بالجودة والسعر، وهو ما أسهم بتشجيع المراهقين على تداولها فيما بينهم، الأمر الذي أثار غضب الأهالي ومخاوفهم على صحة أطفالهم.

ومن هذه الأنواع التي تلقى رواجًا في الأسواق بسبب أسعارها المقبولة “وينشستر”، و”ماستر”، و”مانشستر”، و”جيكور”.

تجربة اللاجئين

للسوريين تجربة في دول اللجوء مماثلة مع أشقائهم في الداخل، فأسعار “السجائر” في دول أوروبا أو تركيا والدول المجاورة لسوريا ليست رخيصة، قياسًا بالدخل الذي يحصل عليه السوري، ما اضطره للجوء إلى نفس الطريقة.

ابن مدينة درعا حسان، المقيم في تركيا، تحدث لعنب بلدي عن تجربته، “عندما قدمت إلى تركيا جلبت من السوق الحرة في بيروت عدة علب من الدخان الذي كنت أبتاعه في سوريا”، مضيفًا “يرحم الله تلك الأيام فلقد نصحني أصدقائي قبل مجيئي أن أحضر الدخان معي، لغلاء السعر هنا”.

الكمية التي جلبها حسان انتهت قبل أن يحصل على عمل، وما لديه من مال لا يكفي لشراء نفس النوعية من تركيا، إذ يبلغ ثمنها عشر ليرات تركية (قرابة ثلاثة دولارات)، فلجأ إلى اللف، رغم أن تدخينه يعدّ “عقوبة”، فصاحبه يجب أن يكون صبورًا ليتعلم كيف يصنع السيجارة، ويضيف “في نفس الوقت كنت مسرورًا، لأنني بدأت بتوفير المال وتقليل عدد السجائر التي أدخنها يوميًا، فالكيلو الذي أشتريه يكفيني لشهر ونصف وأحيانًا شهرين”.

بدوره تحدث كنان المقيم في ألمانيا، عن تجربته مع دخان اللف قائلًا، “كل اللاجئين السوريين هنا يدخنون اللف، فسعر العلبة لا يقل عن 3 يورو، وهي نفسها يمكن أن تشتريها (فرط) بثمن أرخص”.

حسبة بسيطة

وفي حسبة عن غلاء الدخان ومدى التوفير الذي يحققه المدخن في حال لجوئه إلى اللف، نجد في سوريا أن أرخص نوع من الدخان يباع بـ 100 ليرة سورية، أي بمعدل ثلاثة آلاف ليرة سورية، ما يعادل ثمانية دولارات، أما بالنسبة للدخان العربي فـ 2500 ليرة تكفي لشراء كمية تكفي شهرين.

في تركيا يوفر المدخن مبالغ كبيرة، فسعر علبة السجائر من أرخص الأنواع لا يقل عن خمس ليرات تركية (أقل من 2 دولار بقليل)، والمدخن بحاجة على الأقل لعلبة يوميًا، ما يعني أنه بحاجة 150 ليرة تركية شهريًا (50 دولارًا تقريبًا)، أما في اللف سيدفع أقل من ربع المبلغ شهريًا، وهو 35 ليرة.

وتقدّر حاجة السوق المحلية السورية من الدخان يوميًا بنحو 70 طنًا، بحسب إحصائيات المؤسسة العامة للتبغ، ويغطي المصنع محليًا منها قرابة 50 طنًا، أما الـ 20 طنًا المتبقية، فتؤمّن عن طريق التهريب لسد حاجة السوق.

وبحسب ذات المؤسسة، ينفق قرابة خمسة ملايين سوري مدخن نحو 600 مليون دولار سنويًا على التدخين.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة