أطفال الوعر يواصلون الحياة و”الشقاوة” على قدم واحدة

أطفال في حي الوعر بمدينة حمص (عنب بلدي)

camera iconأطفال في حي الوعر بمدينة حمص (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

حمص – جودي عرش

كبقية الأطفال كان لدى نور أحلام بالعيش وسط عالم آمن يرتاد فيه المدرسة ويمارس كرة القدم والسباحة وغيرها، لكن صاروخًا واحدًا كان كفيلًا بإبعاد هذه الأحلام عنه، وعن سائر الأطفال في مدينة حمص الذين شردت الحرب بعضهم و وتركت الآخرين بين الجهل والحياة التعيسة.

غليصيريد أن يعود إلى الشقاوة

يعيش نور ذو العشرة أعوام في كنف أخواله، فقد توفي والده في عام 2007، ليترك يتيمًا برفقة أخويه محمد وعيسى، اللذين يكبرانه بأعوام قليلة.

لم تكن حالة أخواله المادية كفيلة بأنه تجعله وأخويه يعيشون حياة مرفهة، لكنها بالتأكيد أفضل من حياتهم في ظل حصار حي الوعر الحمصي.

أصيب نور بإحدى غارات الطيران التي استهدفت حي الوعر في 29 آب الفائت، ما استدعى إخراجه للمعالجة إلى مناطق حمص الخاضعة لسيطرة النظام، ليعود بعدها إلى الحي بعد تعافيه من الإصابة مبتور القدم وجالسًا على كرسيه المتحرك.

أسماه أبناء حارته بـ “غليص” نسبة لشخصية ظهرت في أحد المسلسلات السورية، كونه طفلًا مشاغبًا تملؤه الحياة، على حد قولهم.

إصابة نور غيّرت الكثير من أحلامه لكنها لم تستطع قتل ابتسامته ورغبته الكبيرة في الحياة، وفق ما رأه الناشط الإعلامي فيصل أبو عزام، الذي قال إن “غليص يتمتع بإرادة قوية، وحالته النفسية جيدة، ولم تمنعه إصابته عن تسلق الجدار بعد رغبته بذلك، يقول لي بشكل مستمر إنه سيعود لشقاوته السابقة، ويتمنى أن يكبر بسرعة ليتمكن من زرع طرف صناعي ليعود إلى اللعب من جديد“.

أعمال شاقة من أجل لقمة العيش

جمال، ذو الـ 13عامًا، أحد الطلاب المتميزين في مدرسته، ويتمنى أن يصبح طبيبًا في المستقبل، لولا اضطراره إلى مغادرة مدرسته قبل عامين، ليصبح أحد الباعة المتجولين في حي الوعر، بعد إصابة والده و عجزه عن إعالة أسرته المكونة من أم وأربعة أطفال.

يقضي وقته لأكثر من عشر ساعات يوميًا، متجولًا في شوارع الحي صيفًا وشتاء، محاولًا بذلك بيع أكبر عدد ممكن من البسكويت و”المسكة” المحلية الصنع، ليعود إلى بيته في إحدى المدارس المخصصة للاجئين حاملًا معه مبلغًا ماليًا لا يتجاوز 1500 ليرة سورية أغلب الأوقات (أي ما يقارب ثلاثة دولارات).

يقول جمال لعنب بلدي “حاولت جاهدًا ألا أترك المدرسة، لكن إصابة والدي، وعدم اكتفائنا من المساعدات الإغاثية، أجبرني على صنع المسكة المكونة من السكر المذوب والملونات وبيعها بشكل يومي في شوارع الحي”.

جمال يبدأ جولته في الثامنة صباحًا ويعود إلى المنزل في السادسة أو السابعة، ويضيف “بهذا العمل أوفر على عائلتي الكثير من المعاناة التي كنت أراها في جوع إخوتي وحزن أمي، متجهًا لهذا العمل كي نعيش دون مساعدة أو شفقة من أحد”.

هذه المعاناة التي يمرّ فيها جمال، اختارها أيضًا أحمد ذو الـ 15 عامًا لمساعدة والده في الزراعة، بعد تدهور حالة والده الصحية، وعدم قدرته على مزاولة عمله.

والدة أحمد تحدثت لعنب بلدي عن السبب الذي دفع ابنها لهذا العمل، إذ “أصيب أبو أحمد بعدة نوبات قلبية، ما جعل حالته الصحية سيئة للغاية، الأمر الذي حال دون مزاولة عمله بالشكل المطلوب، فهذا النوع من الأعمال يحتاج إلى قوة بدنية كبيرة”.

ترك أحمد المدرسة تحت ذريعة عدم الاستفادة من التعليم في الوضع الحالي، ووجود ظرفٍ اضطراري يجعل من العمل أولوية له.

حاولنا مرارًا إقناعه بالعودة عن قراره، تتابع والدة أحمد، لكن دون فائدة تذكر، فهو ليس الطفل الوحيد الذي ترك تعليمه في هذه الظروف، وسيحاول العودة عند تحسنها، إضافة أن التعليم لا يطعم خبزًا.

أزمات نفسية ولّدها القصف

معاناة الأطفال النفسية بدأت بازدياد في الآونة الأخيرة، إثر عمليات القصف وحالات الموت والتشرد التي تشهدها كافة المناطق والمدن السورية، الأمر الذي خلق البيئة الأمثل لازدياد حالات التوحد التي انتشرت بين الأطفال في الآونة الأخيرة.

عبد العزيز الدالاتي عضو المنظمة العربية لحقوق الإنسان في حي الوعر يوضح لعنب بلدي أنه “لا شك أن الاستقرار الاجتماعي، هو أحد أهم العوامل التي تؤثر على نفسية الطفل وتحدد شكل مستقبله، و في ظل أجواء الحرب التي نعيشها أصبحت حياة معظم الأطفال السوريين بعيدة عن الاستقرار، إذ أصبح التشرد ملازمًا لنمو الطفل في البيت والمدرسة”.

معاناة الطفل من التشرد والانتقال من منزل الى آخر نتيجة أعمال القصف، يؤثر بشكل كبير على نفسيته ويفقده شعوره بالأمن و الاطمئنان، بحسب الدالاتي.

يقارب عدد الأطفال في حي الوعر 15 ألف طفل، بينهم ألف و730 رضيعًا، وأولى حالات النزوح في حي الوعر استهدفت الأطفال والنساء، بعد تنفيذ عدة مجازر بحقهم خلال سنوات الحصار.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة