ثلاثة حلول يمكن أن تلجأ إليها لمواجهة تذبذب الاقتصاد السوري

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حنين النقري

منذ السبعينيات وحتى قُبيل الثورة تداولت السلطة الحاكمة في سوريا أسماءً مختلفة للنظام الاقتصادي المُتبع في البلاد، من الاشتراكية إلى اقتصاد السوق الاجتماعي، لكن الحياة الاقتصادية للمواطن السوري نفسه لم تعرف من هذا وذاك إلا احتكار الموارد والثروات لصالح العائلة الحاكمة، ورمي الفتات إلى طبقات المجتمع الأخرى، لينال كلٌ منها ما يستطيع نيله.

ورغم الدمار الهائل الذي خلفته آلة القتل في البنى التحتية والفوقية، وسحق ما تبقى من الطبقة الوسطى، فإن حالة من “اقتصاد الحرب وما بعدها” أخذت بالتشكّل خلال هذه السنوات، وأصبحت تتميّز بسماتها الخاصة شيئًا فشيئًا. نستعرض في هذا التقرير وقفات تتفاوت بين كونها “بدهية” اليوم أو “آخذة بالانتشار”.

أولًا.. السوريون يثقون بالدولار

لم يتوقّع السوريون عند بدء ارتفاع سعر صرف الدولار عن 50 ليرة سورية أن يستمر ذلك، ولم تتمكن أكثر التحليلات تشاؤمًا من تصوّر تجاوزه مئة ليرة سورية، لكن حدوث ذلك كان إيذانًا باستمرار تدهور الليرة، تلك التي لم تعد موضع ثقة السوريّين على الإطلاق، ومن بينهم السيد أبو يزن، تاجر ملبوسات من حمص، ويقول “عندما وصل سعر صرف الدولار لـ 70 ليرة، اتخذت قراري بصرف ما أملكه من مبالغ مالية بالليرة السورية إلى الدولار الأمريكي، أرسلتُ الدولارات بعدها لصديق لي في السعودية لتشغيلها، فحيازتها جريمة تماثل حيازة سلاح في منزلك”.

ووصل سعر الدولار اليوم إلى 500 ليرة سورية، ما يعني أنها خسرت 80% من قيمتها، وسط تذبذبٍ في الارتفاع والانخفاض.

التقليل من الخسائر

سرعان ما تبيّن للسيد “أبو يزن” صحة قراره، مع استمرار انخفاض قيمة الليرة السورية بشكل كبير خلال فترة وجيزة، لتكون الدولارات التي يملكها الأمر الوحيد الذي خفف عنه الأعباء المادية لتوقّف عمله مع اشتداد الحملة الأمنية على حمص، ويشرح “مرّ عامان كاملان (2012-2013) هُجّر فيهما معظم سكان حمص، أما من بقي فيها (وأنا منهم) فقد التزمنا كليًا في منازلنا، خوفًا من الاعتقال والقصف الشديد، وهكذا توقّفت حياتنا وأعمالنا بشكل كامل، وكان صرف النقود بالدولار، والاستفادة من فارق السعر المتزايد هو ما استعنتُ به لسدّ حاجات المعيشة لأسرتي في هذين العامين”.

اليوم، عاد أبو يزن للعمل في محلّه بأحد أسواق حمص، لكنه يعلم جيدًا أن عودة مظاهر الحياة لا تعني استقرارها، وهو ما لا يمكن له ولسواه من التجار أن يثقوا به، يقول عن ذلك “رغم التدقيق الشديد على تبادل الدولار والتعامل به من قبل النظام، إلا أننا كتجار لا نجري صفقاتنا ولا نشتري البضائع إلا بقيمة صرفه اليوميّة، وهو ما يضمن لنا حقّنا.. دعينا نقول إنه يقلل من خسائرنا قدر الإمكان”.

يشير أبو يزن إلى أن ثقة السوريين بالدولار لا تنحصر في سوريا فحسب، بل انتقلت معهم إلى أماكن نزوحهم خارجها، ويشرح بقوله “لم يعد السوريون يثقون بعملات المنطقة غير المستقرة أمنيًا أو اقتصاديًا، كل أصدقائي وأقاربي في الدول العربية وتركيا يحصرون معاملاتهم بالدولار، وهو أمر تبيّن أنه صواب مع تدهور الليرة التركية حاليًا”.

ثانيًا.. العودة للخياطة

تأثرت الملابس، كغيرها من السلع، باقتصاد الحرب، وغدت عبئًا حقيقيًا تحسب الأسر حسابه، وفي حين كانت مواجهة السوريين لغلاء الثياب بادئ الأمر بالامتناع عن شرائها، وإعادة تدويرها، أو اللجوء لـ “البالة”.

لكن استمرار الحال لسنوات جعلهم يبحثون عن حلول أخرى للتحايل على ذلك، ومن بينها الخياطة، تقول السيدة أم رشا، ربة منزل من ريف دمشق، “عندي أربع بنات، في البداية كنتُ أدوّر ثياب الكبرى لأختها الأصغر منها، وهكذا، لكن السنين تمضي وما لديهنّ يبلى، وما في السوق يزداد غلاءً، حتى (البالة) صارت باهظة الثمن وتقارب أسعار الثياب الجديدة، وهكذا كان الحل مؤخرًا عبر شراء القماش وقصد الخياطين”.

معطف أم أربعة؟

تشير أم رشا إلى مثال يوضح فروق الأسعار بين البضائع الجاهزة وبين تفصيلها عند أحد الخياطين، وهو ثمن المعطف الشتوي، تتابع “ثمن أي (سترة) أو (جاكيت) للأطفال في السوق لا يقل عن 20 ألف ليرة سورية، ورغم أنه بالنسبة لسعر صرف الدولار يماثل 2000 ليرة سورية قبل الثورة، إلا أن دخل زوجي بالليرة لم يتغير”.

تحايلت أم رشا على ذلك عبر شراء أقمشة وقصد أحد الخياطين في مكان إقامتها، وتضيف “سعر قماش المعطف 3000 آلاف ومثلها أجور الخياطة، أي أن تكلفته الكلية هي ستة آلاف ليرة سورية فقط، بمعنى أن بناتي الأربع حصلن على معاطف جديدة بسعر معطف جاهز واحد، رغم أنه بنفس الموديل وبجودة أفضل”.

انتشار مشاغل الخياطة

ولعل أبرز ما يوضّح توجّه السوريين للخياطة والخياطين هو انتشار مشاغل الخياطة والحياكة بشكل ملحوظ، ومن بينها المشغل الذي تعمل فيه السيدة أم علاء من حمص، تقول “بدأت حمص تشهد في السنتين الأخيرتين انتشار مراكز ومشاغل للخياطة والحياكة بشكل أكبر من ذي قبل، للتعويض عن غلاء الأسعار، وتردّي الذوق والجودة في البضائع المطروحة في الأسواق، كما أن ذلك يعتبر مصدر دخل جيّد لكل من يتقن الخياطة”.

تشير أم علاء إلى أن زبائن المشغل في ازدياد وخاصة في فصل الشتاء، وتضيف “تكلفة حياكة الكنزة الصوفية للرجال هي خمسة آلاف، يتضمن ذلك ثمن الصوف، نفس القطعة تباع بأربعة أو خمسة أضعاف السعر في السوق”.

ثالثًا.. العمل عن طريق الإنترنت

عزّزت الثورة علاقة السوريين بالإنترنت بشكل كبير، وما كان في البداية وسيلة لمعرفة الأخبار أو التواصل بين الناشطين في البداية، صار اليوم عالمًا كاملًا يقصده السوريون للبحث عن مصادر دخل جديدة، خارج الخيارات القليلة المتاحة لهم في سوريا، ومن بينهم ماجد، طالب جامعيّ من مدينة حلب.

راتب عشرة أشهر

يقول ماجد “لم أكن أفكّر بالعمل أثناء دراستي إلى أن عرّفني أحد الأصدقاء على منصة عربية للعمل الحر على الإنترنت، وهكذا تحوّلت البرمجة من شغف ودراسة إلى شيء يمكنني تقديمه كخدمة وتقاضي أجر عليه، خلال عام واحد تلقيت العديد من المشاريع بأسعار ممتازة، جنبًا إلى جنب مع إتمامي لدراستي الجامعية”.

يقول ماجد إن تجربته دفعت العديد من المحيطين فيه للبحث عن فرص عمل عبر الإنترنت، ويتابع “الأمر بمثابة سفر إلى الخارج للعمل وأنت في مكانك، إذ نتقاضى أجورًا بالدولار، ونحصل على فرص عمل من كافة دول العالم، تلقيت ألف دولار لقاء أحد التطبيقات التي برمجتها خلال شهر واحد، وهو راتب عشرة أشهر كاملة لأعلى الموظفين أجرًا في محيطي، لكنه سعر عاديّ جدًا بالنسبة للمبرمجين”.

المنافسة بالسعر

لا تتقن ربا، خريجة أدب عربي من دمشق، البرمجة مثل ماجد، لكن ذلك لم يمنعها من الاتجاه للإنترنت بحثًا عن عمل تسهم عبره بمساعدة عائلتها بالمصروف، وهو ما وجدته في الترجمة، تقول “من المعروف أن أسعار خدمات المحتوى كالكتابة والترجمة أقل بكثير من أسعار التصميم والبرمجة، لكن طالما أن التعاملات المالية في منصات العمل الحرّ تتم بواسطة الدولار، فإن أيّ مبلغ مهما كان بسيطًا سيكون جيّدًا بالنسبة لي”.

تستثمر ربا مهارتها اللغوية، وسعر صرف الدولار لحيازة أكبر عدد من الفرص، وتقول “رغم أن سعر عشرة دولارات لقاء ترجمة 1000 كلمة من الإنكليزية للعربية هو مبلغ زهيد بالنسبة لمعظم العرب، إلا أنه مبلغ ممتاز بالليرة السورية، وهو ما يجعلني أنافس بطرح خدمات عالية الجودة بأسعار أرخص مما يطلبه الآخرون، الأمر الذي يكفل لي عروضًا أكثر، أحقق عبرها ربحًا كافيًا لإعانة أسرتي من المنزل”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة