التضخّم يوسّع الفجوة بين أجور القطاع العام والخاص

سوق سريجة في مدينة دمشق 14 كانون الثاني (عدسة شاب دمشق)

camera iconسوق سريجة في مدينة دمشق 14 كانون الثاني (عدسة شاب دمشق)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – مراد عبد الجليل

شهدت رواتب العاملين في القطاع الخاص المنظم وغير المنظم (الأعمال الحرة) في سوريا، ارتفاعًا خلال السنة الأخيرة، وصل إلى ضعف راتب الموظف في القطاع الحكومي الذي يبلع وسطيًا 35 ألف ليرة سورية.

أسباب كثيرة أدت إلى الفارق الكبير بين رواتب القطاعات، الحكومية والخاصة والأعمال الحرة، في ظل التدهور الاقتصادي الحاد الذي تعاني منه سوريا في السنوات الأخيرة، وأدى إلى زيادة نسبة التضخم وارتفاع الأسعار.

وبسبب عدم قدرة موظفي القطاع الحكومي على تأمين المواد الأساسية والغذائية، لجأ الكثير منهم إلى العمل في القطاعات الخاصة والأعمال الحرة، من أجل تأمين دخل إضافي، يساعدهم على مواجهة موجة التضخم الكبيرة.

الراتب مضاعف

لم يكن الموظف في محافظة دمشق، فادي عساف، قادرًا على تأمين مستلزمات عائلته، المكونة من زوجتين وثلاثة أطفال، من راتبه الحكومي الذي لا يتجاوز 35 ألف ليرة شهريًا، ما اضطره إلى العمل في إحدى الورشات لتأمين دخل إضافي.

عساف أوضح، في حديث إلى عنب بلدي، أنه عمل في ورشة للزخارف الشرقية بعد دوامه في المحافظة، براتب 250 ليرة في الساعة الواحدة، بحدود 35 ألف ليرة شهريًا، أي نفس راتبه الحكومي بساعات أقل، قبل أن يجبر على ترك وظيفته بعد تخييره بين الاستقالة والالتحاق بـ “الفيلق الخامس” الذي أعلن النظام السوري عن تشكيله.

أما اللاجئ في تركيا، محمد سليمان، فيفكر بالعودة إلى عمله السابق في محل تجاري في مساكن برزة بدمشق، حيث كان يتقاضى راتبًا قدره 50 ألف ليرة.

سليمان (37 عامًا) أوضح لعنب بلدي أن أحد الأسباب الذي دفعته للتفكير بالعودة، إلى جانب كونه غير ملاحق أمنياً أو مطلوب للاحتياط، هو عرض صاحب العمل عليه راتبًا 70 ألف ليرة، مقابل عودته إلى المحل واستلام شؤونه المالية.

أما الشركات الخاصة الكبيرة فأكد موظفٌ في شركة مابكو بدمشق، (رفض الكشف عن اسمه)، لعنب بلدي، أن رواتب العاملين في الشركة تبدأ من 50 ألف ليرة للموظف الجديد، وتختلف باختلاف طبيعة العمل وعدد السنوات في الشركة لتصل أحيانًا إلى 75 ألف ليرة، باستثناء المديرين.

انتقائية الموظف في القطاع الخاص

أسباب فارق الأجور بين القطاعات أوضحها صحفيٌ وخبيرٌ اقتصادي في دمشق، رفض الكشف عن اسمه، لعنب بلدي، بأن القطاع الخاص يعتمد على مبدأ انتقائية الموظف، وفق مؤهلات حقيقية وليس ضمن واسطات، إضافة إلى مبدأ الإنتاج في القطاع الخاص، فكلّما كان هناك إنتاج زادت الرواتب على عكس القطاع الحكومي.

في حين أرجع الباحث الاقتصادي، سقراط العلو، السبب إلى أن “كتلة الرواتب واحدة في القطاع الحكومي الذي كان يستوعب جميع أصحاب الشهادات الجامعية، وكلما زاد عدد الموظفين تقسم الكتلة على عدد أكبر من الموظفين، فتكون الرواتب أقل، مقابل استيعاب عدد أكبر من الموظفين وهذا مفهوم الاشتراكية”.

وقال العلو، في حديث إلى عنب بلدي، إن “الرواتب في القطاع الخاص أكبر لأن إنتاجية الموظف، صاحب الخبرة والكفاءة العالية، تكون أكبر، وبالتالي أرباح الشركة تزداد، فالقطاع الخاص في سوريا يتعامل مع العنصر البشري على أنه مورد، وكلما كان المورد مؤهلًا، يزداد الربح”.

وأشار إلى أن “قطاعات ومؤسسات الدولة الحكومية سيادية، تقدم خدمات مجانية للدولة وهي غير رابحة، وحتى الإنتاجية منها هي مؤسسات خاسرة لا توفر موارد للدولة من أجل زيادة الرواتب، نتيجة الفساد وعدم المحاسبة، على عكس الخاص”.

التضخم وقلة الشباب

العلو أرجع ارتفاع أجور العاملين في الأعمال الحرة إلى التضخم، الذي وصلت نسبته إلى 651% العام الماضي، بحسب المكتب المركزي للإحصاء. وأضاف أن “أصحاب المهن التي تحتاج إلى عمال ذوي خبرات، والمحلات التجارية، رفعوا أجور ورواتب العمال لديهم، كونهم زادوا أسعارهم بنفس نسبة التضخم”، إضافة إلى هجرة الشباب خارج البلاد ما أدى إلى وجود فراغ خبرات وعددٍ أيضًا.

الصحفي الاقتصادي في دمشق أكد أن قلة الشباب أدى إلى تقلص عدد العاملين في المصانع والورشات، ما دفع العامل، وخاصة المعفى من الخدمة الإلزامية والاحتياط، إلى طلب مبالغ ضخمة، في ظل حاجة صاحب العمل له.

وأشار الصحفي إلى أن رواتب العاملين في الأعمال الحرة ارتفعت بشكل كبير في الآونة الأخيرة، وصلت أحيانًا إلى أكثر من 100 ألف ليرة شهريًا، نتيجة التضخم الذي لعب دورًا كبيرًا.

وقال “من الطبيعي أن تكون الأجور مرتفعة، نتيجة ارتفاع أرباح أصحاب العمل وتضخم دخلهم”، ضاربًا مثالًا: كيلو البطاطا كان سعره 35 ليرة، أما الآن أصبح 350 ليرة، ومبيعات البقال تتراوح في اليوم بين 100 و200 ألف ليرة، وبالتالي راتب 70 ألف ليرة لأحد العاملين في الوقت الحالي، يعني سبعة آلاف ليرة قبل الأحداث”.

وفي ظل هذه الفروق بين رواتب القطاع الحكومي والخاص، تبقى حكومة النظام السوري عاجزة عن اتخاذها أي إجراءات لتحسين وضع موظفيها وزيادة الرواتب، أو العمل على تحسين الليرة السورية أمام الدولار وخفض الأسعار، وسط هجرة الكثير من أصحاب العقول والخبرات من الشباب السوري خارج البلاد ما ينذر بكارثة حقيقية، تتمثل بتعطيل مؤسسات الدولة وشلّها عن الحركة.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة