القواعد الروسية وفاتورة الموت

tag icon ع ع ع

إبراهيم العلوش

في ظل الإعداد لمفاوضات أستانة، مرّر الروس قرار الاستيلاء على القواعد العسكرية في سوريا، لمدة 49 عامًا قابلة للتجديد، وبشروط مجحفة، وهذه القواعد هي ثمن قتل وتهجير السوريين، وحماية نظام البراميل بستة “فيتوهات” في مجلس الأمن، بالإضافة إلى عرقلة أي محاولة لوقف الدمار في سوريا طوال السنوات الست الماضية.

لقد ألقت الطائرات الروسية من المتفجرات والصواريخ كمية أكبر بثلاث مرات من قنبلتي هيروشيما وناكازاكي، اللتين ألقتهما أمريكا في الحرب العالمية الثانية، ولم يخجل الرئيس الروسي من التصريح: إننا نجرب أسلحتنا في الميدان السوري، ونحوله (هذا الميدان) إلى معرض للأسلحة الروسية المكدسة منذ الحرب الباردة.

في أستانة تحوّل الروس فجأة من صانعي دمار وتهجير إلى صانعي سلام، فالتدمير الذي لحق ببلادنا، وهجّر أكثر من عشرة ملايين مواطن سوري من بيوتهم، وقتل نصف مليون شهيد، ودمّر مدنًا عريقة أهمها حلب وحمص ودير الزور، وآلاف القرى التي تحولت إلى ركام، بدعم روسي مباشر، وبالقنابل الروسية وكثير منها بالطائرات والصواريخ الروسية، التي تنطلق للتدمير من هذه القواعد التي استولت عليها، ومن غيرها، إذ وصلت عمليات الاستعراض إلى إطلاق صواريخ من روسيا نفسها، تلك الصواريخ العابرة للقارات التي كانت معدة للحروب الكبرى بين الدول الإمبراطورية المتصارعة على العالم، وتحولت إلى مجرد استعراض نازي، هدفه التدمير وانتهاك الحقوق الدولية والإنسانية للشعب السوري.

هذه القواعد اغتصبت بالقوة، وعبر نظام حكم ارتكب أكبر المجازر منذ الحرب العالمية الثانية في منتصف القرن الماضي. وستُرسِخ روسيا هذا النظام، أو نسخة مشابهة له، من أجل الحفاظ على قواعدها العسكرية المغتصبة بالقتل وبالتدمير، فالنظام الروسي القائم على (المافيوية) وعلى الاستبداد، سيفصّل للشعب السوري نظامًا شبيها بنظام كوريا الشمالية الذي يقوم بدور الدمية بيد الصين، ويواظب على تجويع شعبه وإذلاله من أجل التصدي للإمبريالية العالمية!

المافيات الروسية ستحاول التفاهم مع الميليشيات الإيرانية، والتوصل معها إلى صيغ شراكة تقتسمان فيها النظام والأراضي السورية، وما هذه القواعد الروسية، والاتفاقات الاقتصادية الجديدة التي تفرضها إيران على النظام، إلا بداية لعملية قبض فواتير الموت الذي شاركت فيه روسيا وإيران مع النظام، وكلا الدولتين تتصرفان، وكأنما سوريا أرض بلا شعب، وعليهما اقتسامها بأسرع وقت وبطريقة لصوص آخر الليل، فالنظام أفرغ البلاد من نصف سكانها، وأخضع النصف الآخر بقوة التعذيب، والتشبيح، والإذلال، لتمرير الاقتسامات الروسية- الإيرانية التي حمت نظام عائلة الأسد المافيوي.

منذ عام 1971، أعطى حافظ الأسد للروس تسهيلات في ميناء طرطوس، وأسس لهذه النتيجة التي تكللت باتفاقات تفرضها روسيا كجزء من الحل الذي ستنص عليه قرارات الأمم المتحدة تحت طائلة استعمال الفيتو وإفشال عمليات إيقاف التدمير.

واستعان النظام بالروس إبان أحداث الثمانينيات، ووقع معهم اتفاقية الدفاع المشترك بتاريخ 8 تشرين الثاني 1980، وحصل عبرها على الحماية الدولية لارتكاب مجازر الثمانينيات، وتابع منهجه الوحشي في الحكم لإخضاع الشعب السوري وإنضاج اللحظة المناسبة لمثل هذه الاتفاقات الاستعمارية الروسية.

منذ الخمسينيات وقفت الشعوب العربية ضد القواعد الاستعمارية، وكان البعث يتغنى بجول جمّال كبطل ضحى بنفسه من أجل إفشال المحاولات الغربية لفرض استمرار قواعدها العسكرية في مصر، وها هو نظام البعث الأسدي يمنح القواعد العسكرية ولكن لروسيا ولإيران بأسلوب الاغتصاب العلني.

وإذا كان لا بدّ من شر الاستعمار، فما هي فائدة الاستعمار الروسي لنا، هل لديه مفاهيم لحقوق الإنسان لتطويرنا، نحن المتخلفون والإرهابيون، كما يصفنا الروس دائمًا بسبب ثورتنا على نظام الحكم الاستبدادي، وماذا سنحصل من الروس غير ثقافة المافيات، والدعارة العالمية، والهمجية التي شهدناها وهي تدمر بلادنا على شاكلة تدمير غروزني. ناهيك عن أنهم يستخفون بوجودنا جميعًا معارضة وموالاة، فالشعب السوري لا يستحق إلا التهجير والقتل والرضوخ بنظرهم، والشبيحة الذين هللوا للاحتلال الروسي لم يسلموا من التحقير والاتهامات المختلفة التي وصلت إلى إهانة رأس النظام نفسه، فرئيس النظام بنظرهم مجرد (ذيل الكلب) كما وصفه أحد المسؤولين الروس، إذ صار هذا الوصف شائعًا وتم تداوله في الصحافة الروسية!

في ظلال أستانة يتسابق الروس والإيرانيون من أجل تثبيت اتفاقيات تستولي على القواعد وعلى قطاعات اقتصادية مهمة، مثل الاتصالات التي فرضت فيها إيران مشغلًا ثالثًا للهواتف الخلوية، وكذلك الزراعة والموانئ والبترول وكأنهما واثقان كل الثقة بأن سوريا صارت مجرد غنيمة لهما، مقابل تثبيت نظام الحكم الاستبدادي!

قام الشعب السوري بثورة عام 1925، واستمرت حتى طرد المستعمر الفرنسي، وها هو نظام الحكم البعثي القومي الاشتراكي، يجلب مستعمرًا روسيًا وحشيًا، وآخر إيرانيًا داعشيًا بل هو أبشع من عصابات داعش.

لقد قصّرت الأحزاب والنخب السورية عن رصد مدى تدخل الروس في سوريا منذ 1971، فالأحزاب الشيوعية لم تكن تريد المس بمصداقية الاتحاد السوفييتي الصديق الذي كان يموّل الكثير من هذه الأحزاب عبر “الكومنتيرن” وغيره من المؤسسات ذات الأذرع الدولية، والأحزاب القومية كانت مؤمنة بالدور المخادع لنظام البعث الذي وصل أخيرًا الى بيع البلاد للروس والإيرانيين، والأحزاب الدينية كانت تحتقر الوطنية السورية وتعتبرها مجرد تفصيل ضئيل أمام مشروعها لبناء الخلافة الإسلامية التي تضم مليار مسلم.

لا يدرك الروس ولا الإيرانيون أنهم يحصلون على قرارات من نظام فاقد للشرعية، وأن الشعب السوري سيطالب بالتعويض عن كل الأضرار التي لحقت به وبمدنه وقراه، ولن يفلتوا أبدًا من الملاحقات القانونية، مهما تحصنوا ببروتوكولات قانونية فاقدة للشرعية، ولن تحميهم من الشعب المتضرر كل أنواع القرارات مهما بدت لهم متينة وراسخة.

وقد يبدو هذا الأمر للبعض مثيرًا للسخرية، وخاصة من قبل الشبيحة المتورطين بالقتل، ولكن المعارك القانونية ستطال كل تفاصيل القتل والتدمير، مهما كانت صغيرة، ومهما امتدت سنوات المطالبة بمعاقبة المتورطين فيها، فدماء السوريين، وأموالهم، وبلادهم، ليست مجال استخفاف وتجاهل، والأجيال السورية القادمة سيكون لها القوة والدعم في مختلف دول العالم بسبب وجود الكثير من السوريين فيها، وفي كل المنظمات والهيئات الدولية، ولن ينجو من الحساب أي متورط في هذه المقتلة، وخاصة الروس والإيرانيين الأكثر تماديًا في التدمير والقتل.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة