طالبة بعد أربعين سنة

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – العدد 91 – 17/11/2013

طالبة.. بعد أربعين سنة!-حنينحنين النقري – عنب بلدي

ربما يشعر البعض أن الثورة أرغمته على ترك أحلامه؛ إيقافها أو على الأقل تأجيلها، لكنّ حال البعض الآخر يقول العكس تمامًا، ومن بينهم الحاجة «أمّ محمد» من الغوطة الشرقيّة، التي أرغمها زواجها المبكّر على ترك مقاعد مدرستها الابتدائية، لتنجب تسعة أبناء، أقسمت أن تكمل بهم حلمها بتعليمهم، فكان منهم المهندس والطبيب والمدرّس..

تحقيق أبنائها ﻷحلامهم لم يمنعها من البحث عن مصادر ثقافية خاصّة بها؛ المجلّات الكتب الروايات والأفلام الوثائقية، وأحلام لا تحصى بإكمال تعليمها يومًا.

بعد أربعين سنة عادت أم محمد لمقاعد الدراسة مجددًا لتشارك أحفادها طلب العلم «بعد عودتي من النزوح إلى الغوطة الشرقية سمعت عن دورات لتعلّم اللغة الانكليزية لكافة المستويات وفي مركز قريب من بيتي، شجّعني زوجي وأبنائي على الالتحاق بها».

هناك في الصف تشارك أم محمد فتيات بعمر أبنائها الهدف ذاته، طلب العلم وتعلّم اللغة، تناقش وتقرأ، تتعثّر في اللفظ ولا تستسلم «بالطبع لن يكون الأمر سهلًا» هذا ما أخبرتنا به «فطالب العلم في سنّ صغيرة مسؤولياته أقلّ بكثير من مسؤولياتي كأمّ، لكن أبنائي جميعًا يساعدونني في ذلك، ابنتي تغطّي مهامي وتقوم بالطبخ وأداء واجباتي المنزلية أثناء غيابي، كما يقوم أبنائي بمساعدتي ومتابعتي علميّا تمامًا كما كنت أعلّمهم صغارًا».

تضحك أم محمّد وتخفي بيدها دمعة لم تتمالكها، أخبرتنا أن السبب الآخر لالتحاقه ا بالدورة -بالإضافة للعلم- هو الخروج من دائرة الهموم والظروف المفروضة على المناطق المحاصرة «لديّ ابنٌ معتقل، وآخر مصاب، لابد لي من الصبر والتحايل على الهموم، لا بد أن نجد طرقًا نتابع بها حياتنا ونجدد ظروفنا.. لا بدّ».

بدورها أشادت معلّمة اللغة الانكليزية بإصرار أم محمد والهمّة الموجودة عندها «أم محمّد هي أكبر طالباتي عمرًا، كوني بعمر بناتها لم يجعلها تمتنع عن طلب العلم، حقيقة فإن إصرارها وروح الدأب عندها رائعين، كثيرًا ما تشجّع الطالبات وتصوّب لهنّ اللفظ، تتحدى أية كلمة أمامها حتى تتقنها رغم صعوبة ذلك، إصرارها وتشجيعها لمن هم حولها جعل الإقبال ممن هم في مثل عمرها يزيد بشكل واضح مؤخّرًا».

لكن لماذا الآن؟ ولمَ لمْ تفكّر أم محمّد بمتابعة تعليمها سابقًا؟ سؤال كان له عندها إجابة مختلفة، «الرغبة موجودة عندي منذ تركت مقاعد الدراسة، لكنّ ما حفّزني وشجّعني، وولّد عندي العزيمة والقدرة على إحيائها هو قراءتي منذ فترة لقصة (هيلين كيلر) وكلمات كتبتها هي بنفسها، تلك المبدعة التي تغلّبت على كونها صمّاء بكماء مكفوفة، وتركت أثرها في العالم، أتكون همّتها أعلى من همتي مع كل ما أنعم الله به عليّ من صحّة وحواس؟»

قبل أن نختم معها حوارنا تحدثت أم محمد عن هدفها «يعتقد البعض أن لديّ نية بالهجرة إلى دولة أوربية، الأمر ليس بهذه الصورة أبدًا، أنا أحب اللغات وأتمنى أن أفهم لغات كلّ البشر، سأتابع دراسة اللغة الانكليزية وأنجح إلى مستويات أعلى ما دام في العمر بقيّة بإذن الله».

كلمات بسيطة ختمتها أم محمد بعبارة نطقتها بإصرار :

«this is my goal!»




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة