مركزٌ ناشئ يزيل الألغام ومخلفات الحرب شمال سوريا

تنظيف بلدةأخترين شمال حلب - كانون الثاني 2017 (عنب بلدي)

camera iconتنظيف بلدةأخترين شمال حلب - كانون الثاني 2017 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

 عنب بلدي – حسن مطلق

كأول ورشات عملٍ منظّمة، تسهم بإزالة الألغام من المدن والبلدات شمال سوريا، يعمل “المركز السوري للأعمال المتعلقة بالألغام ومخلفات الحرب” (SMAC)، من خلال أكثر من 50 متطوعًا، على إزالة الألغام والتوعية من مخاطرها من خلال خمسة برامج طرحها أبرزها تدمير المخزون مستقبلًا.

زُرعت عشرات المناطق التي دخلها تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا، بأنواع جديدة من الألغام، معظمها غير معروف ولا يستخدم في الحروب التقليدية، وهو يشكل تهديدًا مباشرًا على حياة المدنيين العائدين إلى بيوتهم، بعد سنوات النزوح.

خمسة برامج طرحها مركز SMAC، الذي تأسس قبل أربعة أشهر، للتعامل مع مخلفات الحرب في المناطق المحررة، وهي الاستجابة السريعة ومساعدة الأهالي، ونزع الألغام، والتوعية بمخاطر الألغام، ودعم ضحايا الألغام، وتدمير المخزون، وهو البرنامج الوحيد الذي لم يدخل حيز التنفيذ حتى اليوم.

إمكانيات بسيطة وعمل مشترك

يعمل المركز بالتعاون مع هيئات مدنية في الشمال السوري، تشمل 50 مجلسًا محليًا في حلب وإدلب وحماة واللاذقية، والدفاع المدني ومنظومة الإسعاف ولجنة إعادة الاستقرار في محافظة حلب، إضافة إلى الشرطة “الحرة”، لأن الهيئات السابقة “تكمل بعضها البعض”، وفق أحمد ناصيف، المسؤول عن القسم الإداري ضمن مقر المركز، في مدينة غازي عينتاب التركية.

يصف العميد أديب الشلاف، قائد جهاز الشرطة “الحرة” في حلب، إمكانيات المركز بـ”المتواضعة”، معتبرًا في حديثٍ إلى عنب بلدي أن “المشروع ممتاز ويفيد الناس باعتباره إنسانيًا ويحافظ على أرواحهم”، ولفت إلى أنه “في حال ملكوا إمكانيات متطورة سيكون لهم دور إيجابي في هذا المجال”.

نشأة “SMAC”

نشأ مركز “SMAC” كمبادرة شبابية عام 2015، من مدينة اعزاز في محافظة حلب، وضم ناشطين من حلب وإدلب، عقب تراجع تنظيم “الدولة الإسلامية”، أمام فصائل “الجيش الحر” في مناطق مختلفة شمال سوريا، مثل كفركلبين ومارع والسفلانية وغيرها، ومع ظهور مشكلة الألغام وسط “الفراغ الكبير” لحل المشكلة.

وتحولت المبادرة نهاية العام الحالي، إلى “منظومة عمل” أطلق عليها “المركز السوري للأعمال المتعلقة بالألغام ومخلفات الحرب”، بعد أن وضع القائمون عليه، سياسات ومعايير وبرامج منظمة، بما يتوافق مع برامج الأمم المتحدة للألغام (UNMAS)، على حد وصفهم.

يتميز طرح المركز ببرنامجي الإزالة وتدمير المخزون، ويرى ناصيف أن تطوير المبادرة، جاء من ضرورة “أن يتحول الدافع الثوري إلى شيء منظم ملموس”، في ظل بروز أنواعٍ جديدة من الألغام، “فكان لزامًا تأسيس منظمة معروفة الأهداف والمبادئ، للبحث عن تمويل وجهة راعية بعيدًا عن المبادرة الشبابية”.

إنجازات الفترة الماضية

جابت ورشات المركز عشرات المناطق شمال سوريا، ونظّفت بلدة أخترين بشكل كامل من الألغام، عقب انسحاب تنظيم “الدولة” منها، تشرين الأول 2016، وأُعلنت بالتعاون مع المجلس المحلي في البلدة، منطقة آمنة ونظيفة، ليعود إليها الأهالي وتزرع أراضيها، بعد إزالة حوالي 400 لغم من البلدة، وفق ناصيف، خلال عمليات استمرت على مدار شهر.

وتشمل مناطق العمل حتى اليوم أماكن مختلفة من أرياف حلب وإدلب، ومنها تلالين ومارع وكفركلبين وأطراف جرابلس، وغيرها من القرى والبلدات “المحررة” من تنظيم “الدولة”، بينما يقدّر مسؤول القسم الإداري في المركز، عدد الألغام في الأراضي الزراعية لمدينة مارع، بأكثر من ثلاثة آلاف لغم، ماتزال حتى اليوم، “لأن عدد الكادر محدود، ونحن نعمل على تنظيف المنازل قبل الأراضي”.

حملات التوعية لم تتوقف حتى اليوم للأطفال في المدارس، والتي تتحدث عن كيفية التعامل مع مخلفات الحرب والحالات التي مرت مع كارد المركز، ويقول ناصيف إن أخطر الأنواع التي يستخدمها التنظيم هو اللغم على شكل حجر، موضحًا “نعتمد في الحملات على عينات حقيقية مفرغة للتوضيح أكثر من الصور الدليلية”.

ويرعى الحملات كادرٌ مختصٌ، على أساس برنامج يعده جامعيون بالتنسيق مع قسم العمليات في المركز، ويشير القائمون على المركز، “لدينا اليوم إجراءات وقواعد سلامة واضحة”، إذ كان يتلقى تبليغات عشوائية سابقًا، إلا أنها أصبحت تصل إلى مكتب خدمة المجتمع، الذي يبلّغ بدوره رئيس العمليات، ودوره معاينة الحالات، وتحديد الأكثر أهمية منها.

صعوبات ومساعٍ لتطوير العمل

اعتمد المركز في بداية عمله على خبرات محلية، تمثلت ببعض الشباب ممن لديهم خبرة حصلوا عليها، من قسم الهندسة، خلال خدمتهم الإلزامية، وفق ناصيف، ويؤكد أنهم “دربوا آخرين من الجامعيين في قسم الإلكترون وهندسة الكهرباء وغدوا اليوم أساسيين في الفريق”.

ويحاول المركز تطوير نفسه حاليًا، للحصول على معدات وبدلات واقية وأجهزة تشويش، للتعامل مع الألغام، بينما تكمن الصعوبة في الألغام الجديدة والمختلفة التي يصنعها “التنظيم”، وتختلف عن المعروفة بحسب المقياس الدولي، كما يقول ناصيف، الذي يرى أن الواقع العملي يزيد من خبرة كوادر الورشات، رغم العمل بأدوات بسيطة مثل: جهاز الكشف وأدوات السبر، التي تتوفر في الأسواق.

تدمير المخزون يحتاج آلية محددة

بعد إطلاق المركز جرت لقاءات مع عدة أطراف، بينهم ممثلون عن خارجيات بعض الدول، والمنظمات الدولية العاملة في المجال، “أطلعناهم خلالها على نموذج عملنا ووفر بعضهم لنا دعمًا وتبادلًا تقنيًا معلوماتيًا”.

كما أرسلت “دائرة الأمم المتحدة للأعمال المتعلقة بالألغام”، ملفات عن آلية نزع الألغام وطرق الوقاية والمخاطر، ومن ضمنها صورٌ لما واجهوه في مناطق حروب سابقة مثل أفغانستان، بحسب ناصيف، الذي يشير إلى أن تدمير المخزون يحتاج آليات عمل محددة، “ويمكن الحديث عنه عقب الحصول على المسلتزمات الضرورية للسلامة الشخصية”.

لا يرى ناصيف تعارضًا في عمل المركز، وما تنجزه كتائب الهندسة التابعة لفصائل “الجيش الحر”، والتي تنزع الألغام من الجبهات عقب تقدمها في المنطقة، معتبرًا أن الفصائل تتعاون مع كوادر المركز، “الذين يعملون بين المدنيين فقط ولحمايتهم”.

يتوجه كادر المركز قريبًا لتنظيف مدينة الباب، التي سيطرت عليها فصائل “الحر” العاملة ضمن عملية “درع الفرات”، المدعومة من تركيا، ويقول ناصيف “هناك جهة ستدعمنا في ذلك وستزودنا بتجهيزات متطورة”.

يُقرّ القائمون على المركز بأن عدد كوادره قليل، آملين أن يصبحوا في يوم من الأيام كالدفاع المدني، “كي تكون استجابتنا أكبر”، ويؤكدون أن “كثيرين يتواصلون معنا للخضوع للتدريبات والعمل في المجال، إلا أننا لا نفضل المخاطرة حاليًا بحياة أي شخص”.

المسطرة والليزري والحجر.. “فن الألغاملدى تنظيم الدولة

يعتمد تنظيم “الدولة الإسلامية” على زرع الألغام في معظم مناطق سيطرته، لاستهداف المقاتلين على جبهاته في سوريا، وكان آخرها مدينة الباب، ووفق مصادر عنب بلدي، قتل أكثر من 50 شخصًا قرب المدينة، قبل “تحريرها”، وطرد التنظيم منها في 23 شباط الماضي.

ويقتل يوميًا مدنيون إثر انفجار الألغام، في ظل غياب الرقم المحدد لعدد الضحايا، ويستخدم التنظيم أنواعًا مختلفة تعرض عنب بلدي أبرزها:

المسطرة

لغم على شكل مسطرتين فوق بعضهما، توضعان عند نقطة إغلاق باب المنزل، وتوصلان بعبوة ناسفة، تنفجر بمجرد فتح الباب.

المسبحة

عبارة عن عقد لحبات، تنفجر بمجرد لمسها أو الوقوف عليها، ويمكن أن يضم اللغم “المسبحة” أكثر من عقدة.

اللغم الليزري

يكون اللغم الليزري على شكل عدسة ينفجر بمجرد المرور أمامه، وهو أخطر أنواع الألغام.

ويعمل من خلال حساس ضوئي يعطي الأمر بالتفجير، بمجرد المرور أمام العدسة الليزرية، أو تفجيره عن بعد، وتكمن خطورته في أنه صعب الكشف.

يصنع التنظيم ألغامًا من الحجارة، والتي تنفجر بمجرد لمسها، أو بعد لمس شريط كهربائي موصول فيها، ويعتمد بكثرة على لغم “الدوسة” المعروف، الذي ينفجر عند المشي فوقه، ويكون مغطىً بالتراب أو مخفيًا بشكل جيد في الأرض.

وبينما رصد ناشطون في ريف حلب، كتابة التنظيم لعبارة “دولة الخلافة” على بعض الألغام التي يصنعها، كالليزري، يصف البعض ألغامه بأنها “فن” عسكري، يستفيد منه في مواجهة أعدائه قبل وبعد خروجه من المناطق التي يسيطر عليها.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة