البيوت مظلمة لكنّ التجار يستفيدون

تجارة “كابلات” نشطة جنوب سوريا.. والفصائل متورطة

تفجير أبراج الكهرباء على طريق درعا - غرز لسرقتها (جورج سمارة)

camera iconتفجير أبراج الكهرباء على طريق درعا - غرز لسرقتها (جورج سمارة)

tag icon ع ع ع

 عنب بلدي – مراد عبد الجليل

خلق تدهور قطاع الكهرباء في سوريا تجارة جديدة وموردًا ماليًا لتجّار الأزمات، الذين استفادوا من تجميع وبيع أنقاض هذا القطاع وكابلاته.

ففي المنطقة الجنوبية، تعرض قطاع الكهرباء إلى أضرارٍ كبيرة خلال سنوات الحرب، وخاصةً في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، بسبب عمليات القصف التي تسببت بتخريب المحولات والأبراج والأعمدة وأدت إلى تقطع الكابلات.

درعا مظلمة.. درعا مضيئة

وينقسم قطاع الكهرباء في مناطق المعارضة في درعا إلى قسمين، الأول المناطق الذي يغذيها النظام السوري مثل الأشعري والعجمي والمزيريب، من أجل تغذية مضخات المياه، بموجب اتفاقٍ بين فصائل المعارضة والنظام بإمداد المناطق بالكهرباء مقابل الماء، ما دفع الفصائل إلى التشديد الأمني على هذه المناطق لحماية قطاع الكهرباء.

أما القسم الثاني فيشمل مدنًا رئيسية مثل جاسم ونوى وإنخل والريف الشمالي الغربي، والذي لم يرَ الكهرباء “النظامية”، ما فتح الباب أمام سرقة الأعمدة والكابلات الكهربائية ومحولات الكهرباء، في ظل غياب الرقابة الأمنية من قبل الفصائل العسكرية.

ثلاث حالات لسرقة قطاع الكهرباء

وفي حديثٍ إلى عنب بلدي، أكّد مهندس الكهرباء منذر المسلماني، أن هناك ثلاث حالات لسرقة قطاع الكهرباء في مناطق المعارضة جنوب سوريا، الأولى هي سرقة محولات الكهرباء السليمة وغير العاطلة، أو التي تحتاج إلى صيانة بسيطة، ثمّ تباع إلى النظام السوري عبر تجار متعاونين معه أو إلى آخرين مستفيدين.

أما الحالة الثانية فهي سرقة المحوّلات الكهربائية العاطلة، والكابلات النحاسية للاستفادة من النحاس الموجود في داخلها وبيعه بحكم ارتفاع سعره.

في حين ظهرت مؤخرًا حالة ثالثة تتعمّد سرقة أبراج التوتر العالي بهدف بيعها كحديد خردة.

المهندس أشار إلى أن سرقة كابلات الكهرباء لا تقتصر على مناطق المعارضة، وإنما تعاني مناطق النظام من الظاهرة نفسها، وخاصة المناطق التي يسيطر عليها، إذ تتم سرقة تمديدات الكهرباء الداخلية في جدران المنازل، وسط غياب التغطية الإعلامية.

العاملون في قطاع الكهرباء لا يستطيعون فعل أي شيء لإيقاف السرقات والحد منها، بحسب المسلماني، الذي أكد أن ذلك مسؤولية الجهات الأمنية والعسكرية، إضافة إلى أن صيانة الشبكات محدودة جدًا نتيجة غياب الإمكانيات وارتفاع كلفة صيانتها إلى عشرات الملايين.

وأدى ذلك إلى توجه نحو قطاع الطاقة الشمسية، الذي أثبت كفاءة عالية جدًا مقارنة بالوضع الحالي لقطاع الكهرباء وانخفاض أسعاره، والأمر ليس مقتصرًا على المنازل فقط بل أصبحت المشاريع الخدمية تعتمد بشكل كامل على هذا النوع من الطاقة.

معلومات المسلماني أكدها رئيس محكمة “دار العدل” في حوران، عصمت العبسي، في حديث إلى عنب بلدي، بأن “من يضبط السرقات هي الفصائل، لكن المسألة فيها شيء من الضعف”.

وعزا الفلتان الأمني في هذا القطاع إلى أن “بعض المتورطين بالسرقات هم (أبناء فصائل)، وهذه إحدى المشاكل التي نعاني منها… نصل إلى مسرح الجريمة متأخرين”.

الكابلات إلى مناطق النظام

الأمر لم يتوقف على سرقة المحولات الكهربائية والكابلات النحاسية فحسب، وإنما تعدى ذلك إلى تهريبها إلى مناطق النظام وبيعها عن طريق تجار متعاونين.

مصادر لعنب بلدي قالت إن هناك تجارًا ومهربين يعملون في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة ويقابلهم آخرون في مناطق النظام، مسؤولون عن عمليات تجارة النحاس بين الطرفين.

وأكدت المصادر، المطلعة على العملية بشكل مباشر، أن التجار الذي يوصفون بـ “الكبار” يشترون النحاس من الباعة الجوالين الذين يشترونه بدورهم من الأهالي، أو من العصابات التي تسرق كابلات الكهرباء في الطرقات.

ويختلف سعر النحاس باختلاف جودته ونظافته، فالنحاس المستخرج من كابلات الكهرباء في الشوارع، إضافة إلى بقايا اللف من المحركات يكون أكثر جودة، مقارنةً بـ “الحلل القديمة”.

ويتراوح سعر كيلو النحاس في المنطقة بين 11 و12 ألف ليرة بحسب جودته، في حين يصل إلى مناطق النظام بسعر يتجاوز 15 ألف ليرة، وغالبًا يقدّر وزن المتر الواحد من “كبل النحاس” الممدد في الشوارع بكيلو غرام واحد.

وأكدت المصادر أن النحاس يصل إلى الجيش عن طريق ضباط في قوات الأسد، من أجل استخدامات عسكرية بالدرجة الأولى، فهو يدخل في صناعة القذائف، لا سيما مع صعوبة الحصول عليه من الخارج نتيجة العقوبات الأمريكية والأوروبية.

انتشار سرقة كابلات الهاتف

رئيس محكمة “دار العدل”، عصمت العبسي، اعتبر أن سرقة كابلات الكهرباء انتشرت بشكل كبير بعد تحرير المنطقة من قوات الأسد، لكن السرقات تراجعت الآن، لصالح سرقة شبكات الهاتف، فهي متوقفةٌ تمامًا، كما أن توقف عمل المقاسم يجعل اكتشاف السرقة متأخرًا جدًا، أما الكهرباء فمستخدمةٌ في بعض المناطق ويتم تفقّدها باستمرار.

العبسي قال إن “دار العدل” أصدرت أكثر من تعميم بخصوص سرقة الأموال العامة والمرافق العامة، واعتبر ذلك “جريمة” يتخذ بحق مرتكبيها عقوبة السجن لمدة ستة أشهر وغرامة مالية.

كما اعتبر أن تجارة النحاس والخردة بين مناطق المعارضة وبين النظام هي “تجارة دم”، ومحرمة وممنوعة بالنسبة لدار العدل، لافتًا إلى أن توقيف المتورطين يحتاج إلى تعاون من الجميع وخاصة الفصائل العسكرية.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة