الرقة.. من جراد البغدادي إلى لبوات صالح مسلم

tag icon ع ع ع

إبراهيم العلوش

عاشت الرقة يومًا مرعبًا، الأحد 26 آذار 2017، فقد أعلنت داعش انهيار سد الفرات وقرب وصول المياه الى المدينة، ووصف حمزة الملا، الناشط في الداخل، الوضع في المدينة بأنه أشبه بيوم القيامة… النساء والأطفال يبكون في الشوارع، والرجال ذاهلون عن رشدهم. وأكد كثيرون أن أشباح الموت كانت تزفها سيارات الحسبة بتشف وحقد، وفرّ الكثير من الناس خارج المدينة تاركين بيوتهم وممتلكاتهم، الى البراري القاحلة. وأضاف الملا “كنا متفاجئين بنوع الموت الجديد الذي لم نجربه كسوريين”. وقال آخر “لم يجد عجوز غير فوارغ قوارير الكولا يشدها على أحفاده علّهم يطوفون مع الماء عندما يجتاح المدينة، متجاهلًا حماية نفسه من الموت القادم”.

حلّ جراد البغدادي في الرقة بعد ستة أشهر من تحرير المدينة من سطوة النظام في آذار 2013، وأحال ربيعها الأخضر وألوانها الزاهية إلى سواد وتعفيش وتعذيب، هجّر عبره سكان المدينة، ممهدًا لمزيد من الخراب الذي يهندس المنطقة طائفيًا ويمهد لاستيطانات إيرانية أفغانية وكردية من تركيا، في أراض نخرها جراد باسم الإسلام وإقامة الخلافة المزعومة.

في عهد النظام كان تمثال حافظ الأسد عشرة أضعاف تمثال هارون الرشيد، أما في عصر الجراد البغدادي، فأول ما قام به هو تكسير تمثال الخليفة هارون الرشيد، ربما انتقامًا من حبه للعلم، فقد كان يعطي من يترجم كتابًا ما يعادل وزنه ذهبًا، وكانت مجالسه تعج بالعلماء وأهل العقل والفكر والفلسفة والعلوم واللغة، فيما كانت مجالس البغدادي، الخليفة المزعوم، ووكلائه، تعج بمخبري البعث السابقين الذين تحولوا إلى قصابين يتفننون بالقتل وبالتعذيب، بحجة نصرة الإسلام، وإقامة الخلافة البغدادية المسلحة بجيوش الجراد المتكالبة على النكاح، والتهجير، و تعفيش البيوت، ومطاردة من لا يبايع الخراب!

اليوم تستجر عصابات البغدادي المزيد من الخراب على الرقة وأهلها، ولعل ضرب سد الفرات والتخويف بانهياره، ما هو إلا محفز للمزيد من التهجير من قبل القوات الغازية، ومؤشر جديد من مؤشرات الاستيطان القادم، فحكام الرقة القادمون من البي كي كي، سيجلبون الهاربين من أكراد تركيا ويعطونهم وطنًا بديلًا بحجة أن أهل هذه البلاد متخلفون، ودواعش، ولا يعرفون الحضارة، ولا التعامل مع الدول الغربية التي اصطفتهم كخنجر يطعنون به وحدة البلاد السورية، ويرفدون التخريب الذي بدأه النظام واستفحل على أيدي داعش، وها هو يصل أخيرًا إلى القرارات الكبيرة والتغييرات السكانية.

لقد كفر الناس بداعش وبادعاءاتها الدينية الوحشية، وها هو فصل جديد من الوحشية سيتفوق على إرهاب داعش، وسيجعل هوية الرقة مجال ابتلاع من قبل قوات صالح مسلم الذي رضي “أخيرًا” بضم الرقة إلى مملكته للإدارة الذاتية، التي اخترعها رجاله، كطريقة جديدة ومبتكرة في ابتلاع الأراضي، وما تجربة ابتلاع تل أبيض وسلوك شمال الرقة، ومنع أهاليها من العودة إليها إلا تمرين صغير أمام استراتيجية النهب الوطني المسلح بالطائرات الأمريكية!

الأكراد السوريون جزء من الشعب السوري، ومن واجبهم المساهمة بتحرير البلاد من إرهاب داعش، وهذه أولوية جوهرية في سوريا اليوم مع إسقاط النظام القمعي، ولكن لمصلحة من يتم تحويل بعض الأكراد اليوم إلى أعداء، وتوظيفهم بأعمال الغزو والنهب الجغرافي، فما بدأته داعش من تهجير وإرهاب أسود تقوم بإتمامه قوات صالح مسلم بإرهاب ملوّن بالأصفر، ومحمي بالطائرات والحوامات الأمريكية في خديعة غير متقنة التصميم، ولكنها شديدة الصراحة بأهدافها الاستيطانية القريبة والبعيدة!

نعم لقد ارتكب النظام وداعش جرائم كبيرة في القرى الكردية، وأعلنوا جرائمهم باسم العرب، وباسم الإسلام، كل على حدة، وهذا أمر مرفوض، وكانت كل القوى الثورية السورية تتضامن مع الأكراد كمواطنين سوريين لهم نفس الحقوق والواجبات، ويسعون معًا لبناء دولة المواطنة التي يتوق السوريون جميعًا إليها، والمظلوميات لم تشمل الأكراد فقط، بل كل مكونات الشعب السوري، وتم سلخ نصف قرن من تاريخ سوريا في الأكاذيب المسنودة بفروع المخابرات وبتقارير المخبرين التي انتهت إلى دمار البلاد.

ولكن هذا لا يبرر لنا، ولا لأي كان، أن يتحول المظلوم إلى ظالم جديد، وإذا رضي هو بذلك فإنه يتحمل مسؤولية ما يفعل، وهذه البلاد التي انزلقت إلى منحدرات الخراب على أيدي عصابات النظام، وأفواج جراد الإسلام المتطرف، لن تطول بها هذه الحال كثيرًا، ولن تترك من ارتكب الجرائم بلا حساب، سواء من النظام أو من داعش ومشتقاتها، أو من جماعة صالح مسلم التي تعلن نوعًا جديدًا من التخريب والانتهاك للوطن السوري.

معظم الأحزاب الكردية السورية تعارض توجهات حزب بي كي كي ومشتقاته في سوريا، ووقفت قيادة الإقليم الكردي في العراق ضد فتح ممر بين إيران وسوريا، وقاومت هجوم حزب البي كي كي على “شنكال” في شمال العراق، لمنع تدفق المساعدات من إيران، ومنع أفواج التهجير الإيرانية باتجاه الجزيرة السورية، كما ذكر موقع حزب يكيتي الكردي السوري في لقائه مع القيادي الشيخ نبي فاضل.

وقد نبهت تركيا العالم على لسان مسؤوليها الكبار بأن أكثر من ثلاثة ملايين إيراني وأفغاني سيتدفقون من إيران باتجاه المنطقة، وقد يكون الأتراك بالغوا بالأرقام، ولكن إذا نجحت خطة الإيرانيين ولو جزئيًا، فسيقومون بمحو الهوية العربية والكردية في الجزيرة، ولعل قوات البي كي كي حليفة إيران والنظام السوري، هي من سيؤمّن الملاذ لهؤلاء المهاجرين الذين سيعبّدون طريق الهلال الشيعي الممتد من إيران الى الجزيرة السورية، ليلتقي لاحقًا بدروب الساحل ودمشق!

الأكراد السوريون شركاؤنا في ثورة الحرية، ومشعل تمو رمز من رموز ثورة الكرامة السورية، ولكن رجال صالح مسلم ولبواته اللواتي تشبهن لبوات الأسد، هم من يدمرون مستقبل العلاقة بين الشعب السوري، ويمهّدون لاستيطان مشبوه، وتحويل الجزيرة السورية مأوى للهاربين من العمليات المسلحة التي يخوضها الحزب في تركيا، ولإعداد المنطقة كجبهة حرب أبدية ضد تركيا.

أما أكذوبة الإدارة الذاتية التي تم اختراعها في معسكرات جبال قنديل، المكونة من خلطة برودونية “فوضوية” وماركسية مع مقادير من قوانين عصابات الجبال، وهي تتجاهل منجزات علوم الإدارة، والسياسة، وحقوق الانسان في الشمال السوري، وتقفز فوق تجارب الدول والشعوب المتحضرة، فهي أشبه بترك منجزات علوم الطب الحديث، والتحول إلى الزهورات والحبة السودة في معالجة السرطان!




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة