عتبٌ من مضايا وتخوّف في إدلب

بداية متعثرة وغامضة لاتفاق “المدن الخمس”

ضحايا تفجير حي الراشدين غرب حلب 15 نيسان 2017 (الأناضول)

camera iconضحايا تفجير حي الراشدين غرب حلب 15 نيسان 2017 (الأناضول)

tag icon ع ع ع

تعثّر اتفاق “المدن الخمس” قبل أن يبدأ، بخلافات بين الأطراف الراعية، تركت المدنيين المغادرين لبلداتهم ينتظرون مصيرًا مجهولًا في ظروف استثنائية، في وقتٍ عمّق تفجيرٌ استهدف نقطة تجمّع أهالي كفريا والفوعة، في منطقة الراشدين غرب حلب الهوة التي طالت الاتفاق، وأوقفه مؤقتًا عصر السبت 15 نيسان.

وكما بدأ متعثرًا، كان الاتفاق غامضًا، فالتفاصيل الدقيقة لم تنشر بشكل رسمي، وسط عتب حمله أهالي مضايا معهم خارج بلدتهم، وتخوّف من أهالي إدلب على مستقبل محافظتهم، التي ستخسر “ورقة الضغط”، بعد خروج أهالي البلدتين المواليتين، كفريا والفوعة.

عنب بلدي – خاص
هزّ انفجار نقطة تجمّع أهالي كفريا والفوعة في منطقة الراشدين بحلب، ظهر السبت، 15 نيسان، بعد انتظار دام يومًا كاملًا إثر خلافات بين “جيش الفتح” وممثلي طهران، لم تنشر تفاصيله رسميًا.

وقدّر مصدر من “هيئة تحرير الشام”، في حديثٍ إلى عنب بلدي، أن 30 عنصرًا من “الهيئة” و”أحرار الشام” قتلوا إلى جانب 50 شخصًا من أهالي كفريا والفوعة، متوقعًا زيادة العدد “في ظل كثرة أعداد الجرحى”.

ووجه الاتهام للنظام السوري أو “الخوارج”، في إشارة إلى تنظيم “الدولة الإسلامية”.

وفي وقت متأخر من مساء السبت، أعلن الدفاع المدني انتشال 100 جثة وإسعاف 55 جريحًا بعد انفجار السيارة المفخخة.

وتوالت الاتهامات بين النظام والمعارضة حول المسؤولية عن التفجير، فأشارت المعارضة  إلى تورط النظام بدلالة أن السيارة المفخخة دخلت من مناطقه، وهي تحمل مواد غذائية، الأمر الذي أكدته وكالة “إباء” التابعة لـ “هيئة تحرير الشام”، أحد الأطراف المفاوضة ضمن الاتفاق.

بينما عزت وسائل إعلام النظام السوري التفجير إلى رواية “إرهابي انتحاري يقود السيارة المفخخة”.

صفحة “دمشق الآن” الموالية للنظام، حذفت خبرًا ذكرت فيه أن السيارة التي انفجرت كانت محملة بمواد غذائية للأطفال، ما دعا عشرات الناشطين، لتعزيز فرضية مسؤولية الأسد عن الحادثة.

مصدر من أهالي مضايا روى في حديثٍ إلى عنب بلدي، ردود الفعل على التفجير في منطقة تجمّعهم داخل الراموسة، متحدثًا عن استنفار لقوات الأسد والجنود الروس في المنطقة، وسط تكدس الأهالي المهجرين داخل الحافلات، خوفًا من “عمليات انتقامية”.

بداية التفريغ

عقب ساعتين من التفجير بدأت عملية التبادل بدخول الحافلات إلى المناطق المقرر التوجه إليها، بعد أكثر من 24 ساعة انتظار، منذ صباح الجمعة 14 نيسان، ووفق مصادر عنب بلدي فإن 65 حافلة غادرت البلدة باتجاه الشمال السوري، تحمل 3150 شخصًا، بينهم 400 مقاتل من “الجيش الحر”، بينما بقي المئات داخل بلدة مضايا، ممن رغبوا بتسوية أوضاعهم، ورفضوا الخروج من البلدة.

ومن المقرر أن تخرج الدفعات التالية من أهالي بقين والزبداني والجبل الشرقي لبلودان، في المرحلة الثانية.

بينما وصلت إلى منطقة الراشدين قرابة 120 حافلة تحمل ثمانية آلاف شخص من كفريا والفوعة، بينهم عناصر ميليشيات مسلحة، وقدّرت وسائل إعلام النظام السوري، عدد الخارجين الكلي بحوالي 18200 شخص على مرحلتين.

تأخير التبادل جاء، وفق ما تحدث مصدر مطلع على الاتفاق إلى عنب بلدي، نتيجةً لـ “مشاكل طالت التنفيذ بعد إخلال الطرف الإيراني”، موضحًا أنه “كان من المفترض أن يخرج عدد معين من مسلحي كفريا والفوعة في الدفعة الأولى، إلا أن الطرف الإيراني أخرج مدنيين بأعداد كبيرة وأبقى على العدد الأكبر من المسلحين في البلدتين المواليتين”.

قطر تقول إنها تدخلت “بهدف إنساني”

واجه الاتفاق رفضًا واسعًا في أوساط المعارضة، التي اعتبرت أنه يسهم بدعم نهج النظام في التغيير الديموغرافي وتهجير المدنيين من أراضيهم، إلا أنّ وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن بن جاسم آل ثاني، خرج السبت 15 نيسان، وقال إنّ بلاده الراعية للاتفاق ترفض أي تغيير ديموغرافي في سوريا ولا تسعى إلى إحداثه.

وزير الخارجية اعتبر أنّ الاتهامات “غير صحيحة”، داعيًا إلى النظر للاتفاق “من ناحية فائدته الإنسانية، وكونه يضم بنودًا تنصّ على إطلاق سراح معتقلين في سجون النظام، موضحًا أن “قطر لا تسعى إلى إتلاف النسيج الاجتماعي في سوريا، ولا ترغب في التغيير الديموغرافي، بل تنظر للجميع بغض النظر عن مذاهبهم، على أنهم سوريون محاصرون”.

وجاء حديث آل ثاني عقب إشارة مصادر متطابقة إلى أن الاتفاق يشمل بنودًا سرية، تنص على إخراج قطريين محتجزين لدى ميليشيات الحشد الشعبي في العراق، إضافة إلى دفع مبالغ مالية كبيرة للفصيلين الموقعين عليه.

ووصف وزير الخارجية، خلال مؤتمر صحفي عقده مع نظيره الروسي، سيرغي لافروف، في العاصمة الروسية موسكو، الاتفاق بأنه “يحمل هدفًا إنسانيًا”، لافتًا إلى أن “له دوافع إنسانية منذ أن بدأت قطر بالدفع به عام 2015”، مقرًا بأنه “يواجه الكثير من العراقيل”.

حصلت عنب بلدي على بعض بنود اتفاق “المدن الخمس”، وتنص وفق مصدر من “هيئة تحرير الشام”، على إخراج سكان المدن، مقابل خروج 1500 معتقل ومعتقلة من سجون النظام السوري معظمهم من النساء، على أن تدخل مساعدات إلى المناطق المحاصرة.

وتوصل إلى الاتفاق ممثلون عن “جيش الفتح” وطهران في الدوحة، نهاية آذار الماضي، برعاية قطرية.

كما ينص الاتفاق على هدنة في مناطق جنوب دمشق، وأولها مخيم اليرموك المحاصر، الذي من المقرر أن يخرج ألفٌ من سكانه إلى الشمال، بعد شهرين من بدء تنفيذه.

وتحلّ بموجبه قضية 50 عائلة عالقة في لبنان من أهالي الزبداني ومضايا، بينما تخضع إدلب وتفتناز وبنش ورام حمدان وشلخ وبروما لهدنة مدتها تسعة أشهر، تشمل جميع أنواع القصف المدفعي والجوي.

عتبٌ من مضايا: الاتفاق متأخر

حمل بعض أهالي بلدة مضايا التي عاشت سنواتٍ من الحصار، عتبًا على فصيل “جيش الفتح”، ومنهم الناشط المدني علاء أسعد، الذي اعتبر أن الفصيل “تأخر كثيرًا” في إبرام الاتفاق، “فمنذ ستة أشهر بدأ الحديث عن مرحلة جديدة منه، ولم أجد مبررًا لتعطيله سابقًا، إلا زيادة مأساة أهالي البلدة”.

فشل الاتفاق السابق الذي لم ير النور، واستمرار الحصار والقصف المتكرر، الذي خطف أرواح بعض المدنيين، جعل من الخروج حلًا وحيدًا في نظر أهالي مضايا والزبداني، وفق أسعد، وقال إن “إفراغ الثورة من ريف دمشق الشمالي والغربي، ذهب معه أي أمل لفك الحصار عنا”.

“حصار مضايا والزبداني لا يُقارن بما عاشه أهالي الفوعة وكفريا”، وأشار الناشط إلى أن “خلو مضايا من الأراضي الزراعية، وامتدادها على مساحات واسعة في البلدتين الشيعيتين، إضافة إلى الجوع الذي قابله رمي السلل الإغاثية فيهما، يجعل من مقارنة الأوضاع المعيشية في المنطقتين، غير وارد”.

كيف يرى أهل إدلب الاتفاق؟

“لا يؤمن جانب النظام فهاهم أعداؤنا يخرجون بسلام باتفاق سيئ”، وفق رؤية المقاتل في المعارضة منار الحمدي من ريف إدلب الشرقي، والذي فقد أخاه على جبهات القتال في بلدة كفريا، واعتبر أن “الأسد سيفرح بخروج الزبداني ومضايا، أكثر من خروج أهالي البلدتين الشيعيتين، بعد أن أنهكت قواته هناك”.

وحلّل المواطنون في إدلب الاتفاق كل وفق رؤيته، ورأى منير أبو بكر، أن الاتفاق “كان سيئًا على جميع المستويات، لأن سلبياته أكثر من إيجابياته المحدودة، وأبرزها تخفيف آثار الحصار على أهالي مضايا والزبداني”.

ووفق أبو بكر “لا يمكن إنكار أن الجميع كان يريد خروج أهالي كفريا والفوعة، بسبب التخوف من استخدامهم من قبل الأسد كشماعة لجر الميليشيات الشيعية إلى ريف حلب الجنوبي، وبدء عملية عسكرية لفك الحصار عنهما”.

خروج أهالي كفريا والفوعة جعل مآلات الأوضاع في محافظة إدلب “مجهولة”، وبحسب خالد الحموي، النازح من مدينة حماة إلى بلدة بنش، فإن “أكثر ما يخيف سكان المنطقة هو الحديث عن نية النظام بدء عملية عسكرية باتجاه إدلب، عقب إخراج أهالي البلدتين”.

“لا شيء مستبعد في الحرب”، بنظر الحموي، الذي توقّع “استخدامًا واسعًا للغازات السامة وقصفًا مكثفًا”، معتبرًا أن “النظام سينقض الاتفاق الذي يقضي بوقف إطلاق النار، ويعاود استهداف إدلب”.

عماد الدين حمدي من مدينة إدلب، كان له وجهة نظرٍ مغايرة، فالاتفاق “بغض النظر عن ردود الفعل تجاهه، يوفر الكثير من الأمور التي تصب في مصلحة الثورة، إذ يُقلل من التكلفة التي تستنزف المقاتلين في محيط البلدتين، ويجعل كامل محافظة إدلب تحت سيطرة المعارضة”.

آخرون من إدلب وصفوا الاتفاق بـ”الغامض”، واعتبر سمير درويش، من أريحا، أنه يحمل في طياته خفايا لم تظهر للناس، فمن غير المنطقي أن يخرج 1500 معتقل فقط، إضافة إلى أهالي الزبداني ومضايا، مقابل خروج سكان الفوعة وكفريا.

وتحدث درويش عن “مكتسبات” جنتها الفصائل التي فاوضت ضمن الاتفاق، معتبرًا أن “تكتمها وعدم إفصاحها عن بنوده كاملة، يدعو للريبة والشك حول ما يمكن أن يحدث في ظل غياب التفاصيل”.

وفق ما نقل شهود عيان في حديثٍ إلى عنب بلدي، منعت الفصائل العسكرية التجمهر والاقتراب من الحافلات التي نقلت أهالي كفريا والفوعة، وتحدث بعضهم عن فرض حظر تجوال في المنطقة، وسط انتشار مكثف لعناصر الفصائل، عازين السبب إلى التخوف من رد فعل الأهالي الذي ربما يعرقل الاتفاق.

ومع خروج الدفعة الأولى من أهالي البلدتين، انطلقت مظاهراتٌ منددة بالاتفاق من مدينة إدلب، طالب فيها المتظاهرون بإلغائه.

”أبو المغيرة”، المقاتل في “تحرير الشام” قال لعنب بلدي إنه يُقدّر ما يعيشه أهالي إدلب ممن تعرضوا للضرر من أهالي البلدتين المواليتين، إلا أن المقاتل وجّه سؤالًا إلى معارضي الاتفاق مفاده “ما البديل عنه في ظل التحصين الكبير للبلدتين؟”، لافتًا إلى أنه “من الممكن خسارة عدد كبير من الشهداء، لذلك ببساطة خروجهم يعتبر الحل الوحيد والأفضل للجميع”.

جنوب دمشق يرفض الاتفاق

عرف الاتفاق بـ “المدن الخمس” لكنّ رفضًا في جنوب دمشق لبنوده، دفع وسائل الإعلام إلى التحول لاعتماد مصطلح “المدن الأربع”.

وخرج أهالي جنوب دمشق في الجزء الخاضع لسيطرة فصائل المعارضة السورية، بمظاهرات نددت إقحامهم في الاتفاق.

ونشر تجمع “ربيع ثورة” صورًا للمظاهرات، وذكر أنها خرجت من بلدات يلدا وببيلا وبيت سحم، بدعوة من اللجنة السياسية الممثلة للبلدات الثلاث وقاطنيها، وذلك رفضًا لإدراج ملف جنوب دمشق في الاتفاق.

وبحسب بنود الاتفاق، يخرج المحاصرون في مخيم اليرموك إلى الشمال، وتحلّ قضية 50 عائلة عالقة في لبنان من أهالي الزبداني ومضايا.

وأِشار التجمع إلى أنه “احتشد ما يقارب الألفين من أهالي وقاطني جنوب دمشق، وبحضور أعضاء اللجنة السياسية”.

وأكّدوا أن “مصير المنطقة تحدّدها اللّجنة السياسية التي تمثل جنوب دمشق، وليس أي طرفٍ آخر لا علاقة له بأهالي المنطقة”، إذ كُتب على إحدى اللافتات “إيران، حزب الله، جبهة النصرة، لا وصاية لكم على مناطقنا”.

وحملت اللافتات كتابات نددت بشكل أساسي بـ ”التغيير الديموغرافي”، إذ كُتب على إحداها “الجنوب الدمشقي يلدا ببيلا بيت سحم غير مخصص للبيع”.

وأخرى أشارت إلى “رفض تنفيذ المشروع الإيراني عبر اتفاقية كفريا والفوعة… نحن نملك طابو أخضر لا حاجة لنا بالباص الأخضر”.

ويرفض أهالي جنوب دمشق الخروج من المنطقة، وتجلّى ذلك بمظاهرات سابقة خرجت في 6 كانون الثاني الفائت، وحملت لافتات كتب عليها أيضًا “المنشقون تيجان على رؤوسنا سنحميهم ولو بدمائنا”.

وفي استطلاع رأي أجرته عنب بلدي عبر موقعها الإلكتروني، شارك فيه حوالي 1200 شخص، حول آراء الجمهور بإجلاء سكان بلدتي كفريا والفوعة مقابل إجلاء مماثل من الزبداني وما حولها، رفض 44% الاتفاق، بينما وافق عليه 20%، ولم يحدّد 36% موقفهم.

حتى مساء السبت 15 نيسان، عاش المهجرون يومًا داميًا من الاتفاق، ومروا بظروفٍ عاشها قبلهم أهالي الغوطة الغربية لدمشق، ويعيشها سكان حي الوعر في حمص، الذين هُجّر قسم كبير منهم إلى إدلب وجرابلس، بينما ينتظر المهجرون من مضايا وبقين والزبداني، ما تُخبئه لهم الأيام المقبلة بعيدًا عن مدنهم وبلداتهم.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة