فماذا أنت فاعل؟

محمد رشدي شربجي

camera iconمحمد رشدي شربجي

tag icon ع ع ع

محمد رشدي شربجي

تخيّل أنك أمضيت حياتك مدافعًا عن حزب الله ومشروع المقاومة الذي حمله، تخيّل أنك نذرت حياتك في فعاليات داعمة للمقاومين وضد إسرائيل، ألّفت القصائد، ونشرت الكتب، ونظمت المظاهرات وأتممت لتوّك عقدك السادس وهمتك على النضال لم تفتر برغم النكسات والحسرات.

ثم اكتشفت في غفلة من الدهر أنّ من أنفقت عمرك في الدفاع عنهم ليسوا أكثر من مصاصي دماء طائفيين، ومرتزقة إقليميين، قتلوا من الفلسطينيين والسوريين أضعاف أضعاف ما فعلت إسرائيل، التي أصبح إجرامها لعب أطفال مقارنة بهم، وأن المعتقل في مسالخ الممانعين يدفع الرشاوى (للممانعين أيضًا) لكي يحصل على وضع قريب من وضع المعتقل في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
والأقسى من ذلك كله أنك أنت بالنسبة لهم لست أكثر من “بوق” يستخدمونك لتغطية جرائمهم التي لا تنتهي، فماذا أنت فاعل؟

تخيل أنك ألّفت أكثر من مئة كتاب في تبيان توحش السياسة الخارجية الأمريكية الإمبريالية، وأمضيت عمرك محاضرًا في جامعات العالم مشيدًا بالمقاومة التي تبديها دول كروسيا وإيران وسوريا للغطرسة الأمريكية.
ثم اكتشفت في غفلة من الدهر أن دول “المقاومة” هذه يفوق توحشها توحش الولايات المتحدة أضعافًا مضاعفة إذا لزم الأمر، وأن جرائمها لا تقارن إلا بالنازي، وأن “الترانسفير” والتهجير والتطهير العرقي ممارسة محببة لديها، وأن العنصرية لديها قيمة تستحق الفخر، وأن حلولها لمشكلة شخص في مدينة هي مسحها كاملة من الخارطة، وأنهم المسبب لأكبر أزمة لاجئين في العالم.
والأهم من كل ذلك أنك أنت بالنسبة لهم لست أكثر من غبار يثيرونه في وجه الغرب كل حين، فماذا أنت فاعل؟

تخيّل نفسك وقد تركت خلفك خمسين عامًا أمضيتها مبشرًا بدولة الإسلام التي ستستعيد أمجاد الخلافة الغابرة، وتعيد للمسلمين عزهم ومجدهم ومكانتهم بين الأمم، وسيعم العدل بظهورها ويفيض المال حتى لا يجد المرء على من يتصدق، وسيمشي الذئب بجانب الغنم دون أن يقدم على افتراسها كما تقول الأسطورة زمن الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز، وسيدخل الناس في دين الله أفواجًا.

ثم اكتشفت أن دولة الخلافة هذه حين تحققت ليست أكثر من دولة مجانين، ومجرمين سفاحين وهمج، وأن حكم الشريعة في دولة الخلافة هذه يشملك فقط ويستثنيهم، وأنك بأحسن أحوالك بالنسبة إليهم مشروع ضحية لسيارة مفخخة تنفجر في سوق خضار مليء بالكفار، فماذا أنت فاعل؟

تخيّل نفسك وقد قرأت وسمعت وحفظت عن ظهر قلب كل كلمة للبوطي، أو أي شخص صعقت بعدها أن حياتك ضاعت معه وقد أضاعها هو عن سابق إصرار وتعمد، وأن قضية حياتك فاشلة، وكنت تدافع عن الفاشلين، وأن طريقك وأنت بنهاية عمرك كان خاطئًا، وتم استغلاله عن قصد، فماذا أنت فاعل؟

مع بداية الثورة السورية نصح وزير الخارجية التركي آنذاك بشار الأسد باحتواء الاحتجاجات بما أسماه “العلاج بالصدمة”، لم تأت حينها صدمة الإصلاحات التي عناها أوغلو، ولكن أتت صدمة الواقع المر، وأوهام أشد مرارة، واليوم وقد صدمنا خواء وخوار أفكار ابتلعتْنا نصف قرن، فماذا نحن فاعلون؟




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة