من الصعب أن تصلّي خلف إمام تعرف أنه مؤيد للظلم

سقى الله رمضان.. هل تغيّر أم تغيرنا نحن؟

أجواء رمضان في ريف إدلب الجنوبي- الأحد 28 أيار 2017 (عنب بلدي)

camera iconأجواء رمضان في ريف إدلب الجنوبي- الأحد 28 أيار 2017 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حنين النقري

“سقى الله” عبارة فصيحة معناها الأصليّ دعاء بالسقيا ونزول المطر وانتعاش الحياة في المكان المذكور بعدها، وهو أمر ذو أهمية مضاعفة لسكّان البادية، أما إذا ذُكر بعد “سقى الله” فترة زمنية ما، فتُفيد الحنين والتمنّي بعودة تلك الأيام، والتحسّر على فواتها.

ورغم أن الشوق للماضي وتمنّي عودته من طبائع الناس عمومًا، فإن الأمر بالنسبة للسوريين اليوم أوكد، ولعلّ استخدامهم لـ “سقى الله” بات بوتيرة أكبر وأشدّ حنينًا من ذي قبل مع اقتراب كل موسم أو عيد أو طقس، لهم فيه ذكريات ولّت، وعاداتٍ اندثرت، ومن بينها رمضان، الذي ورغم أنه “ينعاد علينا” كل عام، إلا أنّ نكهته اليوم مختلفة حسب ما يؤكد الجميع بحسرتهم المصاحبة لعبارة “سقى الله رمضان”، فهل تغيّر رمضان؟

جامع النعسان

بالنسبة للآنسة سناء، وهي مهندسة من ريف دمشق، فإنّ رمضان قد تغيّر منذ خرجت من مدينتها دوما في الغوطة الشرقية، تقول “أمضيت 25 رمضانًا من حياتي في بيت أهلي في دوما، ذكرياتي فيها هي الصورة التي أعرفها وأحبها لشهر رمضان، بائع المعروك في رأس حارتنا، صوت مدفع البلدية المصاحب للسحور والإفطار، ابنة الجيران تطرق بابنا تطلب قليلًا من الفلفل لتكمل أمها الطبخ قبل موعد الإفطار، عودة إخوتي وأبي مع العرقسوس والتمر هندي والمعروك، قطط الحارة المتجمعة في جنينة منزلنا تنتظر حصّتها من الإفطار، صوت أذان جامع النعسان المميز، صلاة التراويح فيه خلف الإمام أبو راتب، ودروس الشيخ أبو مصعب، التسوّق من شارع الجلاء المزدحم بعد التراويح، الجامع الكبير في وسط السوق، هذه الطقوس المرتبطة بالمكان هي ما تعطي رمضان نكهته”.

فارقت سناء مدينتها دوما منذ ثلاثة أعوام، ومنذ ذلك الحين لم يعد رمضان كما هو بالنسبة لها، تتابع “حتى في أشدّ أيام الحصار، والدمار الكبير في مدينتي وسوق الجلاء والجامع الكبير، وتفضيل إخوتي لعدم الصلاة في جامع النعسان لخطورة الأوضاع الأمنية أحيانًا، كان رمضان بنكهة مميزة مع أهلي وفي مدينتي، ليس للأمر علاقة بالتخمة والأطباق الكثيرة أو الماديات، وإنما بالمكان والأشخاص الذين اعتدنا أن نعيشه معهم، حتى روحانيات رمضان اختلفت اليوم بشكل كبير”.

رمضان لم يجمعنا

رغم كونها في سوريا، وعدم مفارقتها لمنزلها الذي عاشت فيه منذ زواجها، إلا أن السيدة ميساء، ربة منزل أربعينية من مدينة حمص، لا تُخفي شوقها لرمضان القديم بكل ما فيه، تشرح ذلك “بالنسبة لي، أهم ما في رمضان هو اللمة مع الأهل والأقارب، حتى في الإعلانات للمنتجات التجارية ترين تركيزهم على أن (رمضان يجمعنا)، بالنسبة لي فمنذ بدء الثورة سافر إخوتي وأخواتي وأمي إلى السعودية، وأبنائي هاجروا إلى تركيا واستراليا، لم يبق سواي أنا وزوجي وابنتنا الصغيرة، منذ أن فرقنا الأسد لم يجمعنا رمضان”.

من الأمور التي تفتقدها السيدة ميساء في رمضان، الزيارات العائلية والمباركة بالشهر، تضيف “مع بداية رمضان أتذكّر المنافسات الحقيقية التي كانت تجري بين عائلة زوجي وعائلتي حول من سيدعونا لنمضي إفطار أول يوم معه، وأقارنها بحالنا اليوم، لا أحد يزورنا تقريبًا، ولا أقارب لي لأزورهم، وهكذا عوضًا عن أن يكون رمضان مناسبة لرؤية الأحباب وصلة الرحم، صار شهرًا لتذكّر ثقل الوحدة التي نعيشها”.

شيوخ النظام

بالنسبة للسيد غانم زوج ميساء، فروحانيات رمضان تغيّرت أيضًا، يقول “رغم أنني أصلّي التراويح في نفس المسجد منذ عقود، إلا أن نكهة الصلاة فيه مختلفة، والروحانيات لم تعد هي هي، من الصعب أن تصلّي خلف إمام تعرف أنه مؤيد لنظام حكم الأسد بعد كل بطشه وجوره على الناس، كيف تجتمع الصلاة مع تأييد الظلم والدعاء للظالم؟”.

إمام لا يتقن العربية

بالنسبة للسيد نادر، لاجئ سوري مقيم في تركيا، فإنّ “سقى الله رمضان”، تعني له، إضافة لكل ما ذُكر، الشوق لخطب المسجد باللغة العربية، يقول “لذة الصلاة خلف إمام عربيّ يقرأ القرآن بتأثّر وإتقان لا يمكن تحصيلها من الصلاة خلف إمام لا يفهم ما يقرأ في معظم الأوقات، وعلى الرغم من فهمي للغة التركية، إلا أن تأثير خطب الجمعة عليّ يكاد يكون معدومًا، كل هذا وأنا في بلد إسلاميّ تقام فيه الصلوات الخمس والطقوس الإسلامية جميعها، فكيف ستكون أموري لو كنتُ في أوروبا مثلًا؟”.

عقب توقيعه عقد عمل مع شركة تركية، اضطر نادر للإقامة في مدينة تركيّة لا تعتبر من خيارات السوريين الأولى للإقامة، وهو أمر له ضريبته حسب تعبيره “أكثر ما أفتقده هو لقاء الصدفة مع الأصدقاء والأقارب في الشارع، الصلاة إلى جانب صديق، العودة من صلاة التراويح مع أحد الجيران”.

بعد لحظات من الصمت يستأنف متأثرًا “بين أهلنا، وفي الأيام العادية، كان ذكر رمضان يثير الحنين، فما بالك بمغترب يعيش وحيدًا، محروم من زيارة بلده ورؤية أهله؟”.

كل ما سبق

لا تختلف حسرة “سقى الله رمضان” لدى السيدة أم يمان عن كل ما ذُكر، بل لعلها تجمع كل ما ذُكر، وتوضح “منذ خمسة أعوام خرجنا من الغوطة الشرقية بعد أن فقدنا منزلنا هناك، ونزحنا إلى إحدى قرى ريف دمشق، في حين سافر أهلي إلى مصر، وأهل زوجي إلى السعودية، أفتقد في رمضان لمتي مع عائلتي وعائلة زوجي، زيارة أبي ليلة آخر يوم في شعبان وفي يده سلّة رمضان التي اعتاد توزيعها على أقاربه، إفطار أول يوم في بيت أهل زوجي وثاني يوم في بيت أهلي، أفتقد بيتي وحارتي في الغوطة، صوت مسجد الحيّ، وصلاة التراويح في (البرندة)، تبادل (السكبة) مع الجارات، أفتقد الشعور أنني في بلدي، لا نازحة ينظر لها أنها غريبة”.

غلاء التكاليف

لا تُخفي أم يمان أن رمضان تغيّر أيضًا من ناحية المصروف بشكل كبير، وأن الفقر والغلاء أثقلا كاهل الناس كالشوق والغربة أو أكثر، تضيف “من المعروف أن مصروف رمضان أكبر من بقية الشهور، فطبيعة الأطعمة والأشربة والحلويات مختلفة، دعوات الأهل والأصدقاء على طعام الإفطار والحفاوة في استقبالهم، إضافة لشراء ملابس العيد وحلوياته، هذه الأمور كلها هي جزء من طقوس رمضان أيضًا، أقصد طقوس رمضان فيما مضى”.

تشير أم يمان أن غلاء السلع بمختلف أنواعها، وصعوبة “تحصيل القرش” حسب تعبيرها، حدّا من قدرة الناس على التقيّد بتقاليد رمضان، وتتابع “من المعروف في المثل الشعبي أن رمضان هو المرق، والخرق، ولف الورق (في إشارة للاهتمام بالطعام وشراء الملابس وصنع الحلويات) إذا كان الناس عاجزين عن شراء كعكة معروك لغلاء سعرها، فماذا تبقّى؟”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة