براءة الطفولة وألم الحرب

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – العدد 104 – الأحد 16/2/2014

مقالة العدد 103 - جريدة عنب بلدي - حسن مطلقحسن مطلق

تلك الفتاة التي يئن قلبها شوقًا إلى كتاباتها وعبثها على جدران بيتها وربما إلى أمها أو أبيها أو أسرتها، كانت تشير إلى اثنتين من لوحاتها الملونة والمثبتة على لوحة إعلانات في خيمة باردة في إحدى مخيمات الموت، وتقول: «هذه الصور تُظهر ما رأيته، رأيت هذه المشاهد بعيني رأسي».

لا يقتصر الشعور بالخوف والرعب والألم من هول الصور والمشاهد في سوريا على تلك الفتاة، فهو حال ما بقي من أطفال سوريا، ومع قسوة ومرارة الشوق الذي يعتصر قلبها إلا أننا لا نستطيع أن نجسد معاناة الطفولة في سوريا بمعاناتها فقط، فهناك الآلاف من المهجرين والمشردين والمفقودين من الأطفال، بينما تغص مخيمات اللجوء أو ما تسمى بـ «مخيمات الموت» بالأطفال أيضًا والذين يحمل كل منهم في مخيلته ماهو قاس كفاية لمشهد مر به في بلده لينتقل بوجوده في المخيم إلى قسوة من نوع آخر، وربما ينضم إلى غيره من أطفال التسوُّل في أزقة أحد البلدات المجاورة وهذه حقيقة مرّة لا يجب إغفالها فقد أصبحت ظاهرة خطيرة لدى أطفال اللجوء.

  • برميل وطفل ومذكرات

يكتب ويُسهب في دفتر مذكراته كل يوم قبل أن ينام، علّه يحافظ على ذكرياته بالرغم من الألم الذي تحتويه، كما أنه قد مرّ في وقت سابق بذكرى وحيدة جميلة دوّنها وأراد أن يراها أخوه أو صديقه ليتذكراها سوية ويبتسما قبل أن يزورهما ذلك الشيء الغريب ويكون جسده بين أحضان أبيه أو تحت أنقاض ما بقي من بيته، أو أن يكون محظوظًا بأن يعيش لموعد آخر، ويبحث عن دفاتر أخرى لأخوته وأصدقائه ويقرأها في أحد الحفر المجاورة، ويُضيف ألمًا جديدًا إلى مذكراته.

كان يومًا ماطرًا بغزارة، فهذه الأيام لم يعد المطر فقط هو الذي يتساقط من السماء ليعمّ الخير والبركة كما كان يتعلّم في المدرسة، رأى في ذلك اليوم تلك الأشياء الغريبة تتساقط من السماء، ركض بسرعة يبحث عن معلمته ليسألها علّها تحمل إجابة لما رآه، فوجدها صريعة في بيتها المهدم، وقف حينها يبكي فلم يعد قادرًا على إيجاد جواب لسؤاله، ليزوره ذلك الشيء الغريب مرة أخرى وتموت معلِّمته مرتين ويرتمي في أحضانها قبل أن يُدون ما رآه وشهده في دفتر مذكراته.

  • أعياد مرّت برائحة الدم

لا تُذكر كلمة الطفولة في مكان إلا ويُذكر معها العيد، أن تكون طفلًا سوريًا يعني أن أعيادًا ستة مرّت عليك دون أن  يلامس شغاف قلبك لون من ألوان البهجة، هناك حيث اعتاد أطفال سوريا اللعب، لا صوت يعلو فوق صوت المدافع وهدير الطائرات، بينما أزاح صوت الرصاص عن السماء أصوات العصافير وضحكات الأطفال ولهوهم ومرحهم الملائكي البريء، أحلامهم ليلة العيد بالعيدية والألعاب قد تلاشت وتجسّدت في النجاة من الموت المحتم أو بلقمة تسد وطأة جوعهم الكاسر، كما لم يعد للباسهم الجديد الذي ينتظرهم في الصباح الباكر مكان، فبيتهم قد تهدهم، وذاكرتهم الصغيرة مُلئت بآلاف الصور، بينما اكتسحت مشاهد الخوف والرعب مخيلتهم، وامتزجت أنفاسهم برائحة الدم.

تبقى خيالات الأطفال هي الأجمل والأوسع أفقًا على مر الوجود، لذلك من المهم أن يكون الطفل ضمن بوتقة الرعاية الفكريّة والنفسيّة والجسديّة الصحيحة قدر الإمكان في ظل ظروف الحروب والانتهاكات، لاختصار النتائج السلبية ودفعه إلى إظهار طاقاته وقدراته في أي مجال كان، فالطفل السوري مازال يموت ويواجه أخطارًا فادحة، فلنجعل من حمايته هدفًا شاملًا وعاجلًا شأنه شأن إنهاء الحرب.

 

 




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة