tag icon ع ع ع

الخاسر الأكبر من اتفاقية “تخفيف التوتر” بين المعارضة والنظام في سوريا، التي اعتمدتها روسيا وتركيا مطلع أيار الفائت هو تنظيم “الدولة الإسلامية”، الذي يواجه منذ ذلك الوقت هجومًا واسعًا وغير مسبوق من قوات الأسد والميليشيات الأجنبية المدعومة إيرانيًا بغطاء جوي روسي، تركّز من ثلاثة محاور (البادية، ريف حماة الشرقي، ريف حلب الشرقي)، تهدف بطبيعة الحال إلى ضرب كيان التنظيم في البادية السورية والمنطقة الشرقية.

وتتناغم عمليات النظام وحلفائه ضد تنظيم “الدولة” مع معارك مستمرة منذ ستة أشهر في معقله الرقة، زادت وتيرتها بنحو متصاعد في أيار، تقودها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) المكونة من تحالف كردي عربي مدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية والتحالف الدولي وراءها، وباتت على مقربة من اقتحام المدينة وضرب التنظيم في معقله الرئيسي.

وترى ثلاث جهات منفصلة مصلحة كبرى في اقتحام محافظة دير الزور من محورها الشرقي، فالميليشيات الإيرانية الداعمة للأسد والمرحَّب بها روسيًا تدفع في هذا الاتجاه من خلال عملياتها في البادية، وعمليات “الحشد الشعبي” المقابلة لها من الجانب العراقي، وهي هدف معلنٌ أيضًا لفصائل “الجيش الحر” في البادية القريبة من الحدود الأردنية، والمدعومة من الولايات المتحدة وبريطانيا والأردن، ولا تخفي رغبتها بالتقدم باتجاه البوكمال، بينما كانت “قسد” أول من اقتحم المحافظة فعليًا من محورها الشمالي في إطار عمليات “غضب الفرات”.

“تخفيف التوتر” بوصلة النظام نحو تنظيم “الدولة”

وقّعت الدول الراعية لمحادثات أستانة، في السادس من أيار 2017، اتفاق مناطق “تخفيف التوتر”، الذي وجّه بوصلة معارك النظام السوري، نحو تنظيم “الدولة الإسلامية”، رغم الخروقات التي نفذتها قواته، والاشتباكات والمواجهات المتكررة في بعض النقاط، ضمن مناطق سيطرة المعارضة.

ووفق وزارة الخارجية الروسية، فإن خبراء من روسيا وإيران وتركيا، سيرسمون حدود المناطق، إلى جانب إقامة حواجز عليها لمنع تسلل “مسلحين”، من خلال فرق عمل مشتركة، “لدراسة كل المسائل وتحديد الجهة المسؤولة عن ضمان الأمن على الأرض، وصولًا إلى ترسيم الحدود الخارجية للمناطق”.

وعاشت أربع مناطق هدوءًا نسبيًا، خلال أيار الماضي، وشملت كلًا من إدلب وأجزاء من محافظات حلب وحماة واللاذقية، وريف حمص الشمالي، إضافة إلى الغوطة الشرقية، وأجزاء من محافظتي درعا والقنيطرة جنوب سوريا.

مصدر في “الجيش الحر” بريف حماة، أكد لعنب بلدي أن القوات الروسية وضعت أسلاكًا شائكة على مقربة من حواجز قوات الأسد في منطقة “المغير” في ريف حماة الشمالي، ومناطق أخرى في سهل الغاب شمال غرب حماة، خلال أيار، معتبرًا أن الخطوة “ترسيم حدود مناطق التخفيف”.

ورغم ذلك فإن جبهات أرياف حماة التي اشتعلت قبل أشهر، تعيش اليوم هدوءًا تزامنًا مع تراجع وتيرة القصف بشكل ملحوظ على مدن وبلدات المنطقة، إلا أن فصائل عسكرية هناك، رفضت “مشاريع التقسيم” في سوريا، وهدّدت باستهداف أي قوة فصل تدخل المنطقة وترسّمها.

وصدر بيانٌ في 26 أيار الماضي، هدّد فيه قادة عسكريون من سهل الغاب بالتصعيد، في ظل استمرار رفع السواتر الترابية بين القرى، تلاه بيانٌ آخر مطلع حزيران الجاري رفض ترسيم الحدود، وقال قيادي في “الجيش الحر” لعنب بلدي “لو وضعت حواجز وسواتر بيننا وبين قرانا، وأتوا بقوات فصل، سنحرم من تحريرها، وهذا أمر مرفوض جملة وتفصيلًا”.

بعيدًا عن حماة لا معارك للنظام ضد المعارضة في ريفي اللاذقية وحلب، ولكن رغم أن الغوطة مشمولة ضمن مناطق “تخفيف التوتر”، إلا أنها بعض النقاط جنوبها تشهد بشكل متكرر، مواجهات لفصائل المنطقة ضد قوات الأسد.

بينما يحشد النظام نحو مدينة درعا، من خلال أرتال للفرقة الرابعة من قواته، لمواجهة فصائل المعارضة، التي أكدت جاهزيتها للتصدي، وسط أنباء عن أن التحرك، يأتي في إطار هجوم واسع لاستعادة النقاط في حي المنشية، تمهيدًا للسيطرة على كامل درعا البلد.

لم تكن المعارضة راضية عن مقررات “أستانة” الأخيرة، باعتبارها لم تكن مرتبطة بقرارات أممية ذات صلة، وفق أسامة أبو زيد، المتحدث باسم وفدها في المحادثات، كما رفضت دور إيران في الاتفاق، “كونها دولة معادية للشعب السوري”.

ويرى وفد فصائل المعارضة أن أي قرار أو اتفاق عسكري أو سياسي بخصوص سوريا، “لاغٍ ما لم يُشدد على وقف إطلاق النار، وفك الحصار عن المدن والبلدات المحاصرة، وإطلاق سراح المعتقلين”.

عناصر من قوات الأسد على الجبهات العسكرية في ريف حلب الشرقي – (سبوتنيك)

التنظيم يفقد حصن البادية 

لطالما اعتمد تنظيم “الدولة” منذ دخوله سوريا منتصف عام 2013 على التمركز في الصحراء السورية، واعتبرت الحصن الطبيعي له بعدما طردته فصائل المعارضة من محافظة إدلب وريف حماة الشمالي ومدينة حلب وريفها الشمالي مطلع عام 2014، ليتمدد منها إلى الرقة وريف حلب الشرقي ودير الزور، ونحو القلمون الشرقي وريف السويداء الشرقي، فكانت البادية عقدة التنظيم الحيوية وسرّ استمراره.

يُحكم التنظيم الجهادي، حتى اليوم، سيطرته على سلسلة الجبال الوسطى الممتدة من مدينة السخنة وحتى منطقة البلعاس في البادية السورية بريف حمص، وتشكل هذه المنطقة الاستراتيجية منطلقًا لهجماته باتجاه تدمر وريف حماة الشرقي وريف حمص الشرقي، لكنه خسر خلال أيار الماضي جميع مراكزه في سلسلة الجبال التدمرية الممتدة من جنوب مدينة تدمر وحتى منطقة الضمير.  

عمليًا، بدأ النظام وحلفاؤه الإيرانيون والروس رسم خطوط دقيقة في البادية السورية، عقب استعادة مدينة تدمر من تنظيم “الدولة”، في الثاني من آذار الفائت، والتوجه من محاور مختلفة فيها: شرق تدمر باتجاه السخنة، جنوب تدمر، جنوب شرق القريتين، ريف دمشق الشرقي، وريف السويداء الشرقي، وأحرز تقدمًا غير مسبوق على حساب التنظيم، ولا سيما في أيار.

وتركزت المعارك ضد التنظيم جنوب شرق حمص، وسيطرت قوات الأسد والميليشيات على سلاسل جبلية في الصحراء السورية، وحققت خلال الأيام القليلة الفائتة تقدمًا كبيرًا باستعادتها السيطرة على قرى وبلدات الباردة والبصيري وخنيفيس والعليانية، وجبل المحسة الاستراتيجي، المطل على القريتين من المحور الجنوبي، لتحكم قبضتها بالتالي على أهم حقل للفوسفات في سوريا، كانت طهران قد وقعت عقد استثماره مطلع العام.

حساب “الإعلام الحربي” المقرب من النظام السوري وإيران أكد أن قوات الأسد والميليشيات الرديفة الأجنبية سيطرت في غضون أيام على نحو 1300 كيلومتر مربع في البادية السورية، وباتت تتحكم بالمنطقة الممتدة من مدينة دمشق وحتى تدمر، واعتبر أن هذه العملية هي الأكبر من نوعها ضد التنظيم في سوريا منذ عام 2011، مؤكدًا أن “الجيش السوري وحلفاءه دمروا القدرات الهجومیة والدفاعية لتنظيم داعش في مركز وجنوب شرق سوريا”.

قبيل أيار، ومنحة “تخفيف التوتر” التي استفاد منها النظام جيدًا، كان التنظيم قد خسر جميع مواقعه في بادية دمشق والسويداء، في انسحابات متتالية أمام ضربات المعارضة أو قوات الأسد على حد سواء، ليتركز وجوده الحالي في البادية السورية في ريف حمص الشرقي حصرًا، ابتداءً من ريف تدمر ووصولًا إلى دير الزور.

عقيربات.. معركة ملحّة للأسد 

تخضع منطقة عقيربات في ريف حماة الشرقي لسيطرة تنظيم “الدولة” منذ عام 2014، ولا يمكن فصل هذه المنطقة عن البادية السورية، إذ تتشابهان من حيث التضاريس الصحراوية، وتقع في العمق السوري، وتمتد من الريف الشرقي لمدينة السلمية وصولًا إلى الحدود الإدارية لمحافظة الرقة، وتحاذي منطقة “البلعاس” الخاضعة للتنظيم أيضًا في ريف حمص من المحور الجنوبي، وأبرز بلداتها وقراها: عقيربات، سوحا، أبو دالي، جروح، صلبا، أبو حنايا، مسعود، وعكش.

طريق بري شرقي- عقيربات في ريف حماة الشرقي 2 حزيران 2017 (فيس بوك)

شكّلت منطقة عقيربات منطلقًا لهجمات التنظيم باتجاه بلدات منطقة السلمية منذ عام 2014، وكان أكثر الأحداث دموية الهجوم المباغت على بلدة المبعوجة مطلع نيسان 2015، وخلّف ما لا يقل عن 60 قتيلًا وعشرات الجرحى، عدا عن أسرى ومفقودين، لتتكرر الحادثة بعد عامين، وتحديدًا في 18 أيار الماضي، حين هاجم التنظيم قرية عقارب الصافية ونفذ مجزرة أودت بحياة نحو 60 قتيلًا أيضًا، بينهم مدنيون وعسكريون في ميليشيات النظام.

وبينما نجحت قوات الأسد والميليشيات الأجنبية في تحقيق تقدم سريع ضد تنظيم “الدولة” في بادية حمص وصولًا إلى ريف دمشق الشرقي، فإن هذه العملية لن تكون ناجحة بشكل كلي إن استثنت منطقة عقيربات في ريف حماة الشرقي، لما لها من أهمية استراتيجية ولالتقائها الجغرافي بمناطق التنظيم في محافظات حلب والرقة وحمص، فبدأت هذه القوات في 31 أيار هجومًا بريًا وجويًا باتجاه عقيربات، يبدو أنه سيواجه بدفاع مستميت من التنظيم.

تشارك في الهجوم ميليشيات أجنبية ومحلية، أبرزها “حزب الله” اللبناني وميليشيا “درع القلمون” و”قوات النمر” بقيادة العميد سهيل الحسن، ويتركز من محور قرية البرغوثية المجاورة لمنطقة “جبال البلعاس” الخاضعة للتنظيم أيضًا في ريف حمص الشرقي، ولكنه لم يفضِ إلى أي تقدم في خارطة السيطرة حتى اليوم، ما يعطي مؤشرًا واضحًا عن ضراوة المعركة وصعوبتها بالنسبة للنظام، ولا سيما أنها تستهدف المتنفس الأخير للتنظيم في البادية السورية.

التنظيم ينحسر إلى آخر معاقله شرق حلب 

تتسارع التطورات العسكرية شرق مدينة حلب، بالتزامن مع اتفاق “تخفيف التوتر”، في خطوة من قوات الأسد لفرض هيمنة عسكرية على المنطقة الشرقية للمحافظة، وتوسيع مناطق النفوذ للإمساك بمفاصل المنطقة، وفرض ثقل عسكري على باقي الأطراف العسكرية اللاعبة على الأرض.

خط سيطرة واسع بدأته قوات الأسد انطلاقًا من مطار الجراح العسكري (كشيش) الحصن الدفاعي الأول للتنظيم، لتسيطرعليه منتصف أيار الماضي بعد إخضاع القرى والمناطق المحيطة به بشكل كامل، ومن بينها بلدة دير حافر “الاستراتيجية”، معتمدًا بذلك على تغطية جوية روسية رافقت جميع تحركاته في المنطقة.

بعد السيطرة على المطار تسارع زحف الأسد في المنطقة عبر ثلاثة محاور عسكرية، وتكررت إعلانات السيطرة بشكل يومي على القرى والمزارع والتلال الصغيرة جنوب المطار ليصل إلى مشارف مدينة مسكنة المعقل الأخير للتنظيم في ريف حلب.

وبحسب خريطة السيطرة تفرض قوات الأسد حاليًا حصارًا وطوقًا ناريًا على التنظيم في المدينة من ثلاث جهات (جنوب، غرب، شمال)، بعد قطعها للطريق الرئيسي الرقة- حلب، وتحاول وصل خط المواجهات مع منطقة خاصر في ريف حلب الجنوبي التي تخوض فيها مواجهات عسكرية مماثلة.

وتعتمد العمليات العسكرية للأسد في المنطقة على ميليشيات أجنبية ومحلية، أبرزها “قوات النمر” التابعة مباشرة للعميد سهيل الحسن، وهو أحد أبرز الضباط في قوات الأسد، والتي تضمّ متطوعين من محافظتي اللاذقية وطرطوس في الساحل السوري بشكل رئيسي، إلى جانب متطوعين من ريفي حمص وحماة.

بالرجوع إلى مطلع العام الجاري، تعتبر “الخفسة” بداية التوغل العسكري للأسد في المنطقة بعد إطلاق معركة بدعم روسي مباشر، تزامنت حينها مع توسع فصائل “الجيش الحر” المنضوية في “درع الفرات” في المنطقة وسيطرتها على مدينة الباب، ومحاولتها التوسع جنوبًا حتى اصطدمت بالخط الفاصل الروسي- التركي في بلدة تادف.

وتهدف قوات الأسد إلى السيطرة على المحطة المائية على نهر الفرات لإعادة رفع المياه إلى مدينة حلب، وتأمين القطع العسكرية الكبيرة التابعة لها كمطار كويرس العسكري القاعدة الرئيسية لإدارة المعارك ضد التنظيم.

“قسد” تدخل أبواب “عاصمة الخلافة” 

دخلت معركة الرقة التي تقودها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) في الأيام الماضية مرحلة جديدة خالفت جميع التوقعات والتصريحات الأمريكية التي تعلقت بالمدة الزمنية المحددة للسيطرة على مدينة الرقة، والخطوات العسكرية الفعلية المراد تطبيقها ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” داخل المعقل الأساسي له، التي كان آخرها تصريحات القيادي روجدا فيلات، الذي قال إن “معركة الرقة ستنطلق الصيف المقبل”.

ولا يمكن الربط بين اتفاق “تخفيف التوتر” الموقّع والتطورات الميدانية التي آلت إليها المواجهات العسكرية في المدينة، نظرًا للخطوات والمراحل العسكرية التي رسمتها “قسد” والتحالف الدولي الداعم بدءًا من تشرين الثاني 2016 الماضي، وتسير عليها وفق ترتيب زمني محدد.

إلا أنها تعتبر من أهم العمليات العسكرية التي تحاول الأطراف اللاعبة والدول الراعية من خلالها كسر “الهيمنة” الأساسية للتنظيم في سوريا، التي كانت منبعًا لأول نشاطاته وحملاته العسكرية، و”عاصمة الخلافة” التي يمكن أن تفضي السيطرة عليها لانسحابات متتالية في المناطق المتبقية له على الأراضي السورية.

ضمن المرحلة الرابعة من حملة “غضب الفرات” التي أُطلقت في 14 نيسان الماضي، حققت “قسد” تقدمًا واسعًا على حساب تنظيم “الدولة الإسلامية” على كافة المحاور العسكرية المحيطة في مدينة الرقة (شمالًا وغربًا وشرقًا) في تطور اختلف بشكل جذري عن المراحل السابقة سواء من خلال التكتيك العسكري المتبع أو المناطق المستهدفة.

عدا عن الدعم العسكرية بالسلاح والذخيرة الذي قُدم لها حاليًا من قبل وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، التي أعلت في الأيام الماضية وتزامنًا مع الإنجازات العسكرية الكبيرة أنها باشرت تسليم أسلحة خفيفة وآليات لـ “العناصر الكرد” ضمن المعارك التي تخوضها ضد تنظيم “الدولة” في الرقة.

ووفق ما تظهره خريطة السيطرة، وبعيدًا عن “سوريا الديمقراطية” التي تتبع أسلوب التكتم الإعلامي في مرحلتها العسكرية الحالية، وصل مقاتلو “غضب الفرات” إلى تخوم حي المشلب شمال شرق الرقة وسيطرت على أجزاء واسعة منه، بعد تقدم لها انتزعت خلاله عشرات القرى المحيطة به كالصالحية والأسدية، إلى جانب معمل السكر ومجمع الأقطان.

وأعلنت قوات “التحالف الدولي” أن “سوريا الديمقراطية” ضيقت الخناق على التنظيم، مشيرةً إلى أنها تقدمت خلال أسبوع واحد وسيطرت على حوالي 350 كيلومترًا مربعًا من مواقعه شمال وشرق الرقة.

ولا تقتصر الأعمال العسكرية على الجهة الشرقية فقط، بل فتحت “قسد” في الجهة الغربية للمدينة محاور أخرى ضد التنظيم استطاعت من خلالها إخضاع مناطق استراتيجية في صالحها، خاصة بعد السيطرة على مدينة الطبقة بالريف الغربي بشكل كامل التي سبق طرد التنظيم منها إعلان “تخفيف التوتر” بأيام قليلة.

وسيطرت على سد “البعث” شمال غرب الرقة في 26 أيار الماضي بعد طرد تنظيم “الدولة” من قرية كديران البوابة الشمالية الغربية له، الذي يعتبر ثالث أكبر سد في سوريا، ويبعد عن سد الفرات الذي سيطرت عليه مؤخرًا مسافة 27 كيلومترًا بين مدينتي الطبقة والرقة.

كما وسعت دائرة سيطرتها في محيطه لتسيطر في 2 حزيران الجاري على بلدة المنصورة “الاستراتيجية” المحاذية لسد “البعث” (الحرية وفق تسمية قسد)، التي تبعد 20 كيلومترًا عن مدينة الطبقة.

وقالت مصادر لعنب بلدي إن السيطرة على البلدة جاءت بعد انسحاب تنظيم “الدولة” باتفاق مع “قسد” يضمن فتح الطريق له للخروج إلى مناطق سيطرته في ريف حمص الشرقي، وهذا ما كانت أشارت إليه روسيا، إذ اتهمت “قسد” بالاتفاق مع تنظيم “الدولة” لإخلاء مدينة الرقة ومحيطها باتجاه البادية السورية، وقالت إنها تمتلك أدلة دامغة على ادعاءاتها، وتسجيلات مصورة تثبت ذلك.

تعتبر”وحدات حماية الشعب” الكردية، القوة الأكبر في “قوات سوريا الديمقراطية”، كما انضمت لها فصائل عربية، أبرزها “المجلس العسكري في دير الزور”، و”قوات النخبة” التابعة لتيار “الغد السوري”، الذي أسسه المعارض أحمد الجربا.

ميليشيات عراقية على طريق دمشق بغداد – أيار 2017( فيس بوك – القوة الجعفرية)

لهيب المعارك يصل إلى دير الزور

 تأسس “الحشد الشعبي” في حزيران 2014، بناء على فتاوى مرجعيات شيعية عراقية، ويتكون من 67 فصيلًا شيعيًا مقربًا من طهران، وتشارك إلى جانبه ميليشيات أبرزها “حركة النجباء”، التي تقاتل بدورها إلى جانب قوات الأسد، في معارك ضد المعارضة السورية.

تتسابق قوىً مختلفة لتحظى بدير الزور وتضمها إلى مناطق سيطرتها، إلا أن التحرك الأكبر والأبرز ضد تنظيم “الدولة الإٍسلامية” في أيار، كان لـ “الحشد الشعبي” العراقي، الذي نقل معاركه إلى الحدود، وبدأ بالتحرك نحو سوريا، من الجهة الشرقية لتلعفر العراقية، وفي جنوب شرق البوكمال السورية.

إلى جانب “الحشد” تُشارك قوات الأسد، التي يتمركز قسم منها داخل مدينة دير الزور في السباق، كما تضع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، المدينة نصب أعينها، بعد تقدمها من الجهة الشمالية الغربية، بينما تبدو حظوظ المعارضة هي الأقل، رغم دخولها الحدود الإدارية للمحافظة من الجهة الجنوبية، في إطار معارك البادية الأخيرة.

مطلع أيار الماضي، وضعت قوات “الحشد الشعبي” العراقية، نصب أعينها الاقتراب من الحدود السورية، عقب استعادتها قضاء الحضر في العراق، الذي يمثل عقدة مواصلات بين الموصل وسوريا غربًا، ومحافظة الأنبار جنوبًا، حيث “ولاية الفرات” عند بلدة القائم الحدودية.

نية التقدم نحو حدود سوريا ترجمها “الحشد” بمعارك متسارعة، سيطر خلالها حتى السبت 3 حزيران، على ناحية القيروان القريبة من الحدود السورية (غرب الموصل وتلعفر)، بعد معارك ضد التنظيم بدأت تحت مسمى “محمد رسول الله”، بدأت في 12 أيار الفائت.

السيطرة على القيروان (23 أيار) فتحت خطًا كاملًا نحو سوريا، وأتاحت المجال أمام “الحشد” لتكثيف عملياته، بغية السيطرة على أهم طرق إمداد تنظيم “الدولة” نحو الموصل، لتأمين الحدود، رغم صعوبة ذلك وسط استغلال التنظيم الوديان والأنفاق ومناطق أخرى للعبور، وفق خبراء عسكريين.

وتتحرك القوات نحو مدينة القائم في محافظة الأنبار، غرب العراق، والخاضعة لسيطرة التنظيم، وصولًا إلى مدينة البوكمال السورية قربها، والتي تتبع لمحافظة دير الزور، من خلال العناصر المتمركزة في قرية أم جريص، على الشريط الحدودي.

وتعتبر الخطوة العسكرية الأولى من قبل الميليشيا العراقية على الحدود السورية، إذ تركزت عملياتها ضد تنظيم “الدولة”، خلال الأشهر الماضية، في محيط مدينة الموصل العراقية وجنوبها فقط.

تستمر معارك “الحشد” توازيًا مع عمليات عسكرية تخوضها قوات الأسد ضد فصائل المعارضة، غرب البوكمال، ورغم أن الريف الشرقي لدير الزور مازال بعيدًا عن الطرفين، إلا أن معارك البادية السورية بالقرب من معبر التنف الحدودي توحي بمتغيّرات جذرية قد تشهدها المنطقة في المستقبل القريب.

الحشد الشعبي على الحدود (إنترنت)السورية – أيار

وتقدمت فصائل “الجيش الحر” في إطار معركة “سرجنا الجياد لتطهير الحماد”، ضد تنظيم “الدولة” خلال الأشهر الماضية، ووصلت إلى “فياض الحماد”، أقرب نقطة إلى البوكمال، وتوقفت منذ ذلك الحين، في ظل معارك بدأتها قوات الأسد، جنوب غرب المنطقة، وبالتحديد على بعد قرابة 27 كيلومترًا من معبر التنف.

استطاعت قوات الأسد السيطرة على منطقة “الزرقة”، بعد تجاوز “مثلث البادية” الذي يربط طرقات بغداد والأردن ودمشق ببعضها، ما جعل لها حظوظًا في التقدم نحو البوكمال، إلى جانب معاركها ضد التنظيم شرق تدمر، إذ تزحف إلى السخنة التي يسيطر عليها تنظيم “الدولة”، والتي تقع على الطريق الرئيسي نحو مدينة دير الزور.

دخلت “قوات سوريا الديمقراطية”، المدعومة أمريكيًا، الحدود الإدارية لدير الزور قبل أشهر، من الجهة الشمالية الغربية، في إطار عملياتها لعزل تنظيم “الدولة” في مدينة الرقة، ورغم أن تقدمها توقف منذ ذلك الحين، إلا أنها تضع في حساباتها استكمال التقدم نحو دير الزور.

وتتوجه القوات تزامنًا مع معاركها باتجاه الرقة، للاستحواذ على أكبر مساحة من الحيّز الشمالي لدير الزور على الخارطة، وهذا ما جاء على لسان رياض درار، المنحدر من دير الزور، والرئيس المشترك لـ”مجلس سوريا الديمقراطية”، وقال لعنب بلدي عقب انتخابه شباط الماضي، إن دير الزور مرحلة ثانية بعد “تحرير الرقة”.

لكن محللين عسكريين يستبعدون دخول القوات كرأس حربة في المعارك، لانشغالها بمعارك الرقة، التي يتوقع أن تتحول إلى حرب استنزاف طويلة، وللحساسية العربية- الكردية في المنطقة.

وتبقى المعارضة الأقل حظًا في إمكانية الوصول إلى دير الزور، إذ تبعد عن ريف المحافظة الشرقي (هجين والشعيطات) حوالي 60 كيلومترًا جنوبًا، رغم أنها مدعومة من القوات الأمريكية والبريطانية المتمركزة في قاعدة التنف.

وينظر إلى دير الزور على أنها مكسب استراتيجي “كبير”، تُمكّن من يسيطر عليها من إحكام قبضته على عقدة المنطقة الشرقية في سوريا، ورفد خزينته بثروة نفطية “هائلة”، إضافة إلى تثبيت نقاطه على خط طهران- دمشق.

مقالات متعلقة