لماذا تزداد حوادث القتل بين اللاجئين في أوروبا؟

وصاية اللاجئين على بعضهم.. الغريب للغريب نسيب أم رقيب؟

camera iconالتقاط صورة للاجئ في مخيم للمهاجرين في ألمانيا (رويترز)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حنين النقري

هربًا من البطش، الظلم، القتل، الرقابة، وسياسة القطب الواحد، بحثًا عن الأمان، الاستقرار، الحرية، الاحترام، وحق الاختلاف: هي بعضٌ من قائمة الأسباب غير المنتهية، والتي لأجلها هاجر السوريون خارج بلدهم، ولأجلها بحثوا عن أفضل الدول التي تؤمّن لهم أساسيات حياةٍ طمحوا بتحصيلها في بلادهم بعد سقوط ديكتاتورية الأسد، فكانت الوجهة، لمن حالفهم الحظّ منهم، بلدانًا تحتلّ مراتب متقدمة في مؤشرات الحرية وجودة المعيشة، مثل ألمانيا والسويد وفرنسا وهولندا.

إلا أن إتاحة الحريات في هذه البلدان لا يعني بالضرورة إمكانية التمتّع بها بالكامل، ولعلّ المفارقة هنا أنه وفي كثير من الأحيان يكون اللاجئون أنفسهم هم من يحدّون من حريات بعضهم البعض، ولعلّ حوادث القتل بين اللاجئين من حين لآخر مثال واضح على ذلك.

تجرّ ريم عربة ابنها الصغير جود أمامها في شوارع البلدة التي تقيم فيها في ألمانيا، تحاول أن تلتزم بآداب الشارع وآداب اللاجئ وآداب رمضان، وتقول “دائمًا أشعر بالأعين تراقبني، سواء من المواطنين الألمان لكوني لاجئة وأفعالي تحت المجهر، أو من السوريين هنا والذين لم يبق لهم من عمل إلا مراقبة بعضهم البعض، كنا نقول الغريب للغريب نسيب، لكن ما تبين لي أن الغريب على الغريب رقيب”.

غيبة نساء

 أظهر التقرير السنوي حول معدلات الجريمة في ألمانيا الصادر عن وزارة الداخلية، في نيسان 2017، أن عدد “المجرمين” بين اللاجئين زاد 50% عام 2016.وبحسب التقرير، فإن الوزارة سجلت ما يقارب 3372 جريمة قالت إن مهاجرين ولاجئين ارتكبوها على الأراضي الألمانية.

ويشكل اللاجئون والمهاجرون نسبة 8.6% من كافة المشتبه بارتكابهم جرائم في ألمانيا عام 2016، فيما لم تتجاوز النسبة 5.7% عام 2015.

وأرجع وزير الداخلية الألماني سبب ارتفاع نسبة الجرائم بين اللاجئين إلى ظروفهم المعيشية، فمعظم المشتبه بارتكابهم جرائم كانوا يعيشون عام 2016 في مراكز إيواء وملاجئ يتشاركونها مع الآخرين.

تبدي ريم (25 عامًا) انزعاجها الشديد من العادات التي انتقلت مع اللاجئين إلى أوروبا، فتقول “التدخل بخصوصيات بعضنا البعض أمر موجود لدينا كشعوب شرقية، لكنني أرى أنه ازداد حدّة عمّا كان عليه، في سوريا لم نسمع بأحد يقتل الآخر لأنه جاهر بالإفطار، لم يكن هناك الكثير من الضجة لحادثة خلع حجاب من قبل فتاة أُجبرت على ارتدائه، لكن حوادث مثل هذه تتكرر بوتيرة مستمرة هنا، في بلاد الحريات حسبما اعتقدنا”.

تتردد ريم على دورتين لتعليم الرسم واللغة للاجئات، تقول “بعد كل درس أفكّر جديًا في الانقطاع عن الدورة، وذلك بسبب طبيعة الأحاديث التي تدور بين النساء، وغيبتهن المستمرّة لمن يعرفن من اللاجئات، طبعًا الغيبة تكون لأتفه الأسباب على مستوى تغيير طريقة الحجاب ولونه أو ترسيخ علاقات مع صديقات ألمانيات، ما أسمعه من كلام يجعلني أفكّر ألف مرّة قبل أن أُقدم على أي فعل خوفًا من إمكانية تفسيره بشكل خاطئ”.

تدلّل ريم على ضيق مساحة الحريات بين اللاجئين و”إساءة الظن حتى يثبت العكس”، حسب تعبيرها، بحادثة جرت معها في رمضان، تقول “بسبب طول نهار رمضان هنا، وكوني أُرضع طفلي حاليًا، نصحتني طبيبتي بعدم الصيام خوفًا من حدوث جفاف، وهو ما امتثلت له، منذ أسبوع، شاهدتني إحدى من أعرفهنّ أشرب الماء في نهار رمضان، فرمقتني بنظرة استخفاف، ما جعلني أسارع بالحديث معها وأشرح لها موقفي خوفًا من أن تتحدث عني بسوء للأخريات وتصبح سيرتي على كل لسان”.

كن مثلنا

لا يختلف الوضع بين السوريين في تركيا، حسب عبيدة (27 عامًا) مبرمج من حمص، ويقول “الكل يرغب أن تكون نسخة عنه، وتختار خياراته نفسها، وإن لم تفعل ذلك تبدأ محاولات إثبات أنك على خطأ، والكلام عنك لن يتوقف، بصراحة، لهذا السبب حاولت أن أنأى بنفسي عن الاحتكاك بالعرب والسوريين قدر الإمكان، لتلافي القيل والقال والمراهنة المستمرة على فشل المختلف”.

يطرح عبيدة مثالًا على ذلك “يبدأ الأمر عندما يختار عنك الآخرون المدينة التي ستقيم فيها بعد خروجك من سوريا، انتهاء بالمكان الذي تتبضّع منه، ونوعية الملابس التي ترتديها، البنك الذي تودع فيه أموالك، بل ولزوم تزويجك وإنجابك للأطفال، لا أحد يرغب أن تختلف عنه وأن تخرج عن الخيارات المألوفة، يجب أن تبرر كل شيء تفعله والأفضل أن تأخذ الإذن قبل أن تفعل ما تريد”.

غيرة أم فُصام؟

انتقلت سمر 30 عامًا لاجئة سورية في ألمانيا، للعيش في ألمانيا منذ ثلاثة أعوام، في منحة دراسية لإتمام دراستها لهندسة الاتصالات، وبدأت تجربتها في الاحتكاك بالعرب والسوريين هناك أثناء دراستها في معهد اللغة، حيث عايشت للمرة الأولى التدخل المباشر بحياتها من قبل السوريين، تقول “بقي أهلي في مصر، في حين أتيتُ لألمانيا بمنحة دراسية، ولعله السبب الذي جعل الشباب العرب والسوريين في معهد اللغة يعاملونني بنوعٍ من فرض الوصاية، مع من أتحدث، ماذا ألبس، بتدخّل مباشر وصريح، وكأنّهم من عائلتي أو إخوتي”.

تشير سمر إلى ظاهرة لاحظتها بين الشباب السوريين، وهو ما أسمته “فُصام شخصية”، حسب تعبيرها، تشرح ذلك “ يعيش الشاب العربي والسوري حياته خارج الوطن العربيّ كما يريد، يخرج إلى حيث يشاء، يُصاحب من يشاء، ويخبر أصدقاءه وصديقاته الأجانب عن سماحة الدين واعتداله وأن (لكم دينكم ولي دين)، لكن في الوقت ذاته يأتي لا ليناقشني بل ليفرض عليّ رأيه بحرمة الأغاني التي أسمعها، وعدم جواز الحديث مع الرجال أو الاختلاط بهم، وهي حادثة جرت معي شخصيًا، وعندما استدللتُ على رأيي بجواز السماع للموسيقا باقتباس من كتاب للشيخ يوسف القرضاوي استهزأ الشابّ به قائلًا: وهل يؤخذ بكلام القرضاوي؟”.

رسائل تهديد

المواقف التي بررها الشباب بكونها “غيرة” على أخت سورية انحدرت لتتخذ منحى أخطر وأسوأ، تتابع سمر “حاول أحد الشباب السوريين التقرّب مني لكنني لم أبدِ اهتمامًا وصددتُ محاولاته المستمرة بجذبي، بعد فترة بدأتُ بتلقي رسائل تهديد أجدها صباحًا أمام باب منزلي، تكرر الأمر بشكل مزعج، وصار مضمون الرسائل عدوانيًا ومخيفًا، وهنا قررتُ اللجوء للشرطة، كانت المفاجأة أن مصدر الرسائل هو الشاب السوري الذي صددتُه سابقًا”.

تؤكد سمر أن تدخل اللاجئين السوريين ببعضهم البعض أمرٌ شائع في محيطها، وتقول “التدخل والرقابة سمة عامة، لكنها تزداد حدّة على الفتيات والنساء، حيث يرفض المجتمع العربيّ أن تكون المرأة سيدة نفسها، ويكره أن تنال نصيبها من الحرية بقدرٍ مساوٍ له”.

لا نريد أستاذًا سوريًا

يوافق محمد (35 عامًا)، مهندس معلوماتية مقيم في السويد، سمر في تركّز الرقابة بين اللاجئين على سلوكيات النساء، لكنه يؤكد على أنها تطال الجميع، ويضيف “عندما كنتُ مقيمًا في الكامب، هالتني نوعية المشاكل التي ظهرت، بررتُ الأمر حينها بوقف الفراغ لدى الجميع، لا عمل ولا شيء نملأ به فراغنا، فيبدأ التدقيق والتدخل ببعضنا البعض، هل يصلي فلان أم لا، لم خلعت زوجة فلان الحجاب، لمَ يلبس علّان شورت قصير، ولمَ يشرب الكحوليات، كانت المشاكل بين النساء من تلك التي تظهر بين الحماة والكنة، الغيرة موجودة بشكل كبير”.

يطرح محمد مثالًا على حالات “العداء” التي تظهر بين اللاجئين بحادثة جرت معه في معهد اللغة، حيث طلب اللاجئون من الإدارة دورة بأساسيات الحاسوب، وتطوع محمد لتدريبهم بحكم تخصصه بالمجال، لكن ردّ فعلهم كانت مفاجئة، يقول عنها “لم أتوقع أن يرفض زملائي في المعهد أن أكون مدربهم، قالوا للإدارة إنهم يريدون أستاذًا سويديًا لا سوريًا، وافقت الإدارة وأمّنت مدربًا سويديًا، وطلبوا مني أن أكون مترجمًا لما يصعب على الطلبة من الأستاذ السويديّ، وهو ما أثار غضبهم على ما يبدو، إذ قاطعوا جميعًا دورة الحاسوب ولم يلتزم بها أحد”.





×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة