tag icon ع ع ع

ما لبثت تجربة الحزب الكردي الأوّل أنّ رأت النور، حتى واجهها “سوء الطالع” بمجموعة من الضغوط المتعلقة بالظرف السياسي لسوريا آنذاك، ويذهب عدد من الكتّاب والمؤرخين إلى وصف تجربة “الحزب الديمقراطي الكردي”، الذي تأسس عام 1957، بـأنها “غير ناضجة” نتيجة عدم الاستقرار الفكري وتبدّل أهدافه وبرنامجه السياسي أكثر من مرة، رغم أنّ آخرين يرون في انطلاقة حزب كردي في ظل البلبلة السياسية في تلك الحقبة، يعدّ شكلًا متقدمًا من أشكال العمل السياسي.

وقد لا تكون “الإرادة السياسية” التي دفعت بالحزب إلى التشكّل والنهوض ناضجة تمامًا، كونها عكست قدرًا كبيرًا من الشخصنة وحبّ التفرّد بالسلطة، الذي أخذ حزبًا واحدًا من مهده، وشكّله في ثلاثة أحزاب، ثم عاد ليصنع من هذه الأحزاب الثلاثة خريطة حزبية كثيرة التشعّبات.

وإن كان من المجحف القول إنّ العوامل الذاتية هي وحدها ما تسبب في التشرذم الحزبي، كون حجم الضغوط السياسية التي واجهها العمل السياسي الكردي في سوريا كان كبيرًا خلال فترة الوحدة، وبعدها حكم البعث، إلّا أنّ الفترة التي تلتها، أي في ثمانينيات القرن الماضي، لم تشهد انخفاضًا في حدّة هذه الانشقاقات، رغم “الانفتاح النسبي” على القضية الكردية، الذي يشير إليه عدد من السياسيين الكرد والذي أبداه حافظ الأسد، وسمح بموجبه بدخول ثلاث شخصيات كردية إلى البرلمان، مع تسهيلات أخرى، ثقافية واجتماعيّة.

مقاتلون كرد يشعلون النار بعد السيطرة على تل حميس في الحسكة – شباط 2015 (إندبندنت)

الماركسية والبرلمان والانفتاح على “الشارع الوطني”

كيف تطوّرت الحركة السياسية الكردية في سوريا نهاية القرن الماضي؟

لم تكن الحركة السياسية الكردية تحظى بفترات ازدهار طويلة منذ بداياتها في خمسينيات القرن الماضي، إذ كانت تصطدم مع كل مرحلة تجدّد بجدران الزنازين، وواقع المتغيرات الإقليمية، فضلًا عن الصدوع القديمة في بُناها، الأمر الذي يؤدي بالضرورة إلى سلسلة “انشطارات” حزبية، لا يمكن توقّع مدى توقفها أو تباطؤ حركتها.

مع نهاية القرن الماضي، وخصوصًا في العقدين الأخيرين منه، كانت الظروف السياسية أكثر مواءمة للتعبير عن “الحس السياسي الكردي”، وفي الوقت ذاته، كان لا بد أن يكون الحذر في مستويات عليا، نظرًا لطبيعة المرحلة، والرغبة في المحافظة على مكتسبات معينة، والإحساس بأمل قرب “المشاركة” و “تحصيل المطالب”.

عنب بلدي التقت زردشت محمد، عضو المكتب السياسي لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي، للحديث عن مقومات عودة الحياة إلى الحركة السياسية الكردية نهاية القرن الماضي، والخطوة باتجاه البرلمان، وما تلاها من تصدّعات استمرّت في تشتيت الأحزاب الكردية.

الماركسية والنشاط الطلابي

يرى زردشت محمد أنّ مرحلة الثمانينيات، تعتبر بداية انتشار وانتعاش للفكر اليساري الماركسي اللينيني في الوسط السياسي الكردي والنخبة الشبابية، إذ شهدت تلك المرحلة بداية انتشار الحلقات الثقافية حول الفكر اليساري، عن طريق حزب “العمل الشيوعي” المحظور، وكذلك جراء الاختلاط مع القوى السياسية الكردية الناشئة في تركيا إثر انقلاب كنعان إيفرين آنذاك، ووصول نخبة من تلك الفعاليات الشبابية إلى سوريا، ونشر الفكر القومي على أسس يسارية، إلى جانب ازدياد الشعور القومي الكردستاني، ما خلق حالة نشطة في الوسط السياسي- الاجتماعي، سواء من ناحية نشر تلك الأفكار أو الدفاع عن الذات الكردية الخاصة من قبل الأحزاب الكردية السورية.

ومن ناحية أخرى أدى ازدياد عدد الطلاب الكرد في الجامعات السورية وخاصة في جامعة حلب، إلى تحويلها لمركز نشط للقوى السياسية، إضافة إلى العمل في الوسط الاجتماعي لإحياء المناسبات القومية الكردية وخاصة “عيد نوروز”، وتحويله إلى مهرجان للعمل السياسي- الاجتماعي.

وحول الاتجاهات الفكرية التي رافقت هذه المرحلة، يوضح محمد أنّ اتجاهين سياسيين برزا آنذاك في الحركة السياسية الكردية، الأوّل يدعو إلى “تحرير وتوحيد كردستان والعمل والنضال في المساحة الأهم وهي كردستان الكبرى”، و”آخر يستند إلى برنامج سياسي يخص كل جزء من كردستان، مع احترام خصوصية كل جزء وظروفه الخاصة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لكل جزء أيضًا”.

ويرى زردشت محمد أنّ هذه العوامل، إضافة إلى تخفيف القبضة الأمنية تجاه الناشطين السياسيين من الكرد وخاصة بعد أحداث الثمانينيات في حلب وحماة العوال، ساعدت بشكل عام على النشاط السياسي واستقطاب شرائح واسعة من المجتمع الكردي وانخراطها بالعمل السياسي.

البرلمان و”إثارة القضية الكردية” على العلن

مع هذا الحراك السياسي النشط سواء على المستوى السياسي أو على المستوى الاجتماعي، أقبلت فترة التسعينيات مع الانتخابات البرلمانية، وكانت المرة الأولى التي أفسح فيها النظام المجال أمام القوى السياسية للتنافس على الهامش المسموح به للقوائم الانتخابية وخاصة في محافظة الحسكة وكذلك في محافظة حلب، واستطاعت الحركة الكردية السورية أن تتفق على إنشاء قائمة موحدة في محافظة الحسكة، وفي ظل المجال المسموح به للتنافس على هذا الهامش وصل ثلاثة من مرشحي القائمة الكردية إلى مجلس الشعب عن محافظة الحسكة إضافة إلى بعض الممثلين في محافظة حلب، الأمر الذي استغرق من العمل السياسي الكردي نحو 40 عامًا استطاع، حسبما يرى زردشت محمد، إيصال صوت ومطالب الكرد كقضية وطنية سورية إلى المحافل الرسمية السورية، وتمكنت خلال تلك فترة تمثيلها البرلماني من إثارة عدّة قضايا تعنى بالشأن الكردي السوري، كمسألة “الإحصاء الجائر” وقضايا مطلبية أخرى.

المناشير  و”الوعي الوطني الوحدوي”

يعتبر زردشت محمد أنّ فترة التسعينيات هي فترة الاحتكاك بالوسط السوري عامة، من خلال اللقاءات والزيارات مع القوى السياسية السورية والفعاليات المجتمعية والثقافية، والتي شهدت نشوء وتأسس “وعي قومي كردي سوري مستقل”، ينطلق من الأرضية السورية بخصوصياتها وظروفها المباشرة وغير المباشرة، ويرى النور عبر توزيع البيانات على المكاتب والمنازل وعن طريق المناشير، إلا أن سلوك السلطات والأجهزة الأمنية “ساعد أكثر على نشر ذلك الوعي بالقضية الكردية في الوسط السوري من خلال الاعتقالات التي طالت عددًا من الناشطين السياسيين”.

كما يعد محمد هذه المرحلة أنها “بداية لانطلاق الحوار السياسي الكردي- العربي إن صح التعبير، وذلك داخل سجون النظام إثر تلك الاعتقالات”، والتي تطورت فيما بعد من خلال أنشطة سياسية وثقافية مشتركة بين أحزاب الحركة الكردية والأحزاب العربية السورية، مع زيادة في التفاعل بين الفعاليات المجتمعية السورية.

الأمر ذاته أسهم بدوره إلى حد كبير، من وجهة نظر زردشت محمد، في التوجه إلى وحدة الحركة الكردية، حيث توجت تلك الفترة بوحدة مجموعة من خمسة أحزاب في حزب واحد وتمخض عنها حزب “الوحدة الديمقراطي الكردي” في سوريا، كحزب كردي سوري ينطلق من الأرضية السورية ويسعى إلى إقامة تحالفات سياسية مع القوى السورية والعمل من أجل إزالة الجدران الوهمية المسيّجة حول الحركة السياسية السورية.

وكانت حينها الانطلاقة “للعمل الوطني السوري” من خلال المشاركة بأنشطة سياسية عامة بين القوى الكردية من جهة والسورية من جهة أخرى، وفعالياتها المجتمعية، كإحياء المناسبات والقيام بالمظاهرات والاعتصامات المشتركة في دمشق وكذلك “تأطير الحركة السياسية الكردية السورية في تحالفات سياسية واحدة، كحالة تعبير عن تلك الوحدة المتجسدة بالتحالف الديمقراطي الكردي والجبهة الديمقراطية الكردية”.

تجربة اتحادية مقابل سيل انشقاقات

مع نهاية التسعينيات وبداية الألفية الجديدة، تمكنت الحركة الكردية من التفاعل أكثر على المستوى الوطني السوري، واستطاعت أن تخرج من الحالة الكردية- الكردية إلى حالة وطنية عامة، واعتبار القضية الكردية قضية وطنية بامتياز وحلها في الإطار الوطني السوري، كما تمكنت الحركة الكردية إلى جانب الأحزاب السورية والفعاليات المجتمعية أن تؤسس لإطار سياسي وطني يضم مختلف القوى السياسية والفعاليات المجتمعية.

ويرى زردشت محمد أنّ الحركة الكردية استطاعت أن توحد وتؤسس لخطاب سياسي كردي سوري إلى حد ما، وتمكنت من إثارة المسألة الكردية في سوريا، سواء لدى القوى السورية على مستوى المعارضة أو على مستوى السلطة، واستطاعت طرق جميع الأبواب في الأوساط السياسية والثقافية والاجتماعية وحتى الدينية والاقتصادية والفنية أيضًا.

ويضيف أنّ الحركة السياسية الكردية كانت مؤطّرة في هذه المرحلة ضمن إطارين عريضين هما “التحالف الديمقراطي” و”الجبهة الديمقراطية”، واستطاعت فيما بعد توحيد الإطارين في واحد عام وهو “الهيئة المشتركة” بين “التحالف” و”الجبهة” إلى حين الانضمام إلى قوى إعلان دمشق فيما بعد.

أما فيما يتعلق بالانشقاقات المتتالية، فيشير محمد إلى أنّها تحولت إلى ظاهرة مرَضية وغير مبررة ولا تستند إلى سند قانوني أو سياسي يستوعب “هذه الحالة الشاذة”، التي تشير إلى أن الأحزاب الكردية “لم تتمكن من استيعاب ظروف المرحلة وتأسيس قيادة موحدة من جهة، والتدخلات الخارجية في شؤونها الداخلية من جهة أخرى”.

يأمل زردشت محمد في أن تخرج الحالة الحزبية الكردية من الإطار الضيق لمفهوم الحزب، إلى مرحلة سياسية أكثر نضجًا، من خلال تأسيس أطر سياسية وفق برامج واضحة، تتجاوز من خلالها الحالة القائمة وتحترم الخصوصية الكردية السورية وتسعى للحفاظ على مصالح واستراتيجيات الكردية الوطنية في سوريا، إلا أنه يرى أنّ الظروف المحيطة وحالة عدم الاستقرار والمخاطر المحدقة ساهمت بإنعاش “الأنا الحزبية المتضخمة” ودفعت إلى انشقاقات كثيرة في البنية الحزبية الكردية “لا يمكن تبرير الكثير منها وفقًا لأسباب منطقية”.

توحّد وتفكك وانقسام..

خريطة انشقاقات الأحزاب الكردية بين عامي 1980 و2000

شهدت الحركة الحزبية الكردية في بداية الثمانينيات من القرن الماضي ارتفاعًا في وتيرة الانشقاقات المتتالية بين الأحزاب، والتي استمرت بشكل واضح حتى نهاية التسعينيات وبداية الألفية الثالثة، ومن الممكن إيجاز أهم ما ميّز تلك الحقبة في ثلاث نقاط مركزية، الأولى: الانشقاقات السياسية في صفوف الأحزاب والتي تعود معظمها إلى التدخلات الخارجية في شؤونها أو إلى الخلافات الشخصية بين قيادات الصف الأول والمواقف من السلطة والمطالب المتعلقة بحقوق الكرد، أو طبيعة وشكل العلاقة التي تربطهم مع السلطة، الثانية: اتساع رقعة العمل الحزبي بين الكرد السوريين على الرغم من تراجع الوضع التنظيمي لأحزاب الحركة السياسية، وذلك نتيجة جملة من الظروف المحلية والسورية والإقليمية المساعدة، والثالثة: نجاح الأحزاب الكردية أخيرًا في إيصال مرشحين إلى البرلمان السوري وتنظيم بعض النشاطات ذات الطابع العلني، والخروج النسبي من مرحلة العمل السري الكامل مع تأسيس تحالفات وأطر سياسية جديدة بين تلك الأحزاب كالتحالف الديمقراطي والجبهة الديمقراطية.

اليسار الكردي:

في 15 شباط من العام 1980، وقعت ثلاثة أحزاب كردية هي “الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي” (عبد الحميد حج درويش)، “الحزب الديمقراطي الكردي” في سوريا بقيادة الشيخ محمد باقي، و”الحزب اليساري الكردي” في سوريا بقيادة عصمت سيدا، وقعت ميثاق وحدة فيما بينها، إلا أن “الحزب اليساري الكردي” شهد خلال المرحلة اللاحقة من توقيع الميثاق انشقاقًا بسبب طبيعة العلاقة التي ربطت الموقّعين مع “حزب الاتحاد الوطني الكردستاني العراقي”، ما أسفر عن انبثاق ما يعرف بحزب “الشغيلة الكردية” في سوريا بقيادة صبغت الله هيزاني.

كما تأسس بين عامي 1980 و1982 حزب “الاتحاد الشعبي الكردي” في سوريا برئاسة صلاح بدر الدين، قبل أن يتعرض الحزب للانشقاق في العام 1990، ويتم تأسيس المجموعة المنشقة والتي ضمت كلًا من فؤاد عليكو، وحسن صالح، وسعدالدين ملا، وعبد الباقي يوسف، حزبًا جديدًا وبنفس الاسم.

انضم حزب “الشغيلة الكردية” بداية التسعينيات إلى مشروع حزب “الوحدة الديمقراطي الكردي”، كما انضم للمشروع ذاته حزب “الاتحاد الشعبي” المنشق عن (صلاح بدرالدين). في حين انشق “الحزب اليساري الكردي” في العام 1993 بعد وفاة عصمت سيدا، واستلام يوسف ديبو رئاسة الحزب إلى جناحين، الأول برئاسة محمد موسى، والثاني برئاسة خير الدين مراد.

كما شهدت بداية الثمانينيات تأسيس الحزب “الاشتراكي الكردي” في سوريا، وترأسه صالح كدو، والذي اندمج في العام 2002، مع الحزب “الديمقراطي التقدمي” برئاسة عبد الحميد حج درويش، قبل أن ينسحب مجددًا وينضم في العام 2008، إلى الحزب اليساري الكردي جناح محمد موسى.

اليمين الكردي:

شهد الحزب “الديمقراطي التقدمي الكردي” في سوريا بقيادة عبد الحميد حج درويش خلافات تنظيمية في العام 1982، بين قيادة الحزب ومنظمة حلب أثناء التجهيز لمؤتمر الحزب العام، إلا أن تلك الخلافات لم تسفر عن تأسيس حزب جديد، ولكن في تسعينيات القرن الماضي تعرض الحزب لأزمة جديدة، تمخض عنها تأسيس حزبين إضافيين هما، الحزب “الديمقراطي الوطني” في سوريا بزعامة طاهر صفوك، والحزب “الديمقراطي التقدمي الكردي” بقيادة عزيز داوي، قبل أن يغير الأخير اسم الحزب في العام 2008 إلى حزب “المساواة الديمقراطي” الكردي في سوريا.

البارتي:

استلم كمال أحمد آغا الأمانة العام لـ “الحزب الديمقراطي الكردي” في سوريا (البارتي) عام 1980، وفي تشرين الأول من العام 1981 وبعد دعوة الأمين العام أعضاء الحزب لممارسة حقهم في الاقتراع بالانتخابات التشريعية الثانية في عهد حافظ الأسد، شهد الحزب أزمة تنظيمية بعد توزيع عضو المكتب السياسي محيي الدين شيخ آلي بيانًا معارضًا لقيادة الحزب دعا فيه إلى مقاطعة الانتخابات، وهذه كانت مقدمة انشقاق الحزب بشكل عملي، وأصبح الحزب “الديمقراطي الكردي” في سوريا (البارتي) حزبين بنفس الاسم. وفي العام 1983 عقد الحزب الذي يقوده محيي الدين شيخ آلي مؤتمرًا غيّر فيه اسم الحزب إلى حزب “العمل الديمقراطي الكردي” في سوريا، وتبنى حينها الماركسية- اللينينية.

في العام 1988 تعرض “الحزب الديمقراطي الكردي” (البارتي) إلى انشقاق جديد بنفس الاسم وبقيادة (إسماعيل عمر). وفي العام 1996 توفي كمال أحمد آغا وانتخب حينها نصر الدين إبراهيم سكرتيرًا جديدًا لغاية العام 1998 حين انشق الحزب مجددًا إلى حزبين وبنفس الاسم، الأول بقيادة نذير مصطفى، والآخر بقيادة نصر الدين إبراهيم.

كما حدث خلاف آخر في العام ذاته في صفوف حزب البارتي، تمخض عنه تأسيس حزب جديد باسم البارتي “الديمقراطي الكردي – سوريا”، أو ما يعرف بكتلة عبد الرحمن آلوجي.

تأسيس حزب الوحدة:

في العام 1990 اندمج الحزب “الديمقراطي الكردي في سوريا – البارتي” (جناح إسماعيل عم) مع حزب العمل الديمقراطي الكردي جناح محيي الدين شيخ آلي، تحت اسم الحزب “الكردي الديمقراطي الموحد”، وفي العام 1993 انضم للحزب الجديد كل من حزب “الاتحاد الشعبي” (كتلة فؤاد عليكو وحسن صالح)، وحزب “الشغيلة الكردية” في سوريا بقيادة آزاد علي، ومجموعة أخرى كانت قد انشقت عن الحزب اليساري الكردي بقيادة صديق شرنخي، وتم تغيير اسم الحزب إلى “حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا” (يكيتي)، وانتخب إسماعيل عمر رئيسًا للحزب.

قام حزب “الوحدة” الجديد بحملة ملصقات في ذكرى الإحصاء الاستثنائي بمحافظة الحسكة للمطالبة بحقوق المجرَّدين من الجنسية السورية وحل القضية الكردية في سوريا خلال أعوام 1994، 1995، 1996، وكانت هذه الحركة هي الأولى من نوعها في تاريخ الحركة الحزبية الكردية، وانتهت باعتقال المئات من أعضاء الحزب ومناصريه من قبل النظام السوري، وعلى إثرها شهد الحزب خلافًا حول الاستمرار في الحملة، فانقسم الحزب إلى كتلتين الأولى “كتلة الموحد والشغيلة”، والثانية “كتلة الاتحاد الشعبي”، والتي انسحب أعضاؤها بشكل فردي خلال عامي 1997 و 1998، قبل أن تعلن تلك الكتلة في العام 2000 عن تأسيس حزب “يكيتي الكردي” في سوريا بقيادة عبدالباقي يوسف.

لم يتوقف تاريخ الانشقاقات في الحركة الحزبية الكردية مع نهاية التسعينيات، إذ شهد العقد الأول من الألفية الثالثة انشقاقات أخرى واندماجات جديدة، وظلت تلك الانشقاقات ظاهرة لا تفارق تاريخ الأحزاب الكردية في سوريا منذ نحو ستين عامًا على تأسيس أول حزب سياسي كردي في سوريا عام 1957.

 

انشقاقات الحركة الكردية في سوريا.. ضباع تنهش في جسدٍ ميّت

داريوس الدرويش

تميّزت الحركة الكرديّة في سوريا، دونًا عن غيرها في الدول المجاورة، بكثرة أحزابها المتوالدة من خلال انشقاقات بدأت في آب 1960 مع سجن قيادة الحزب “الديمقراطي الكردي” في سوريا (المؤسّس عام 1957) لتستفحل بين بداية ثمانينيات القرن الماضي ونهاية الألفيّة الثانيّة، بحالة انشطار متسلسل بحيث أنّ كلّ حزب بات يولّد اثنين، ويولّد ذاك الاثنان اثنين آخرين وهكذا، إلى أن وصلنا اليوم إلى عدد كبير من الأحزاب تتجاوز الأربعين حزبًا.

ومن أبرز تلك الانشقاقات تلك التي أدت إلى تشكيل “الحزب الديمقراطي اليساري” و”الحزب الديمقراطي التقدمي” عام 1965، وبعد محاولة فاشلة لتوحيد “التقدمي” و”اليسار” تشكّل حزب ثالث هو “الحزب الديمقراطي الكردي” في سوريا (القيادة المرحليّة)، لتتلوها انشقاقات أخرى تركزت في جسدي “اليسار” و”الديمقراطي”، وبشكل أقلّ في “التقدمي”، لتشكّل بدورها بعضًا من الأحزاب الكبيرة كحزب “الوحدة” (المتشكّل من منشقّين عن الديمقراطي)، وحزبي “يكيتي” و”آزادي” (المشكّلين من منشقّين عن اليسار)، إضافة إلى عدد كبير من الأحزاب الأصغر حجمًا والأقل تأثيرًا.

ويقول المهتمّون بالشأن الكردي إنّ ثمّة عوامل كثيرة أدّت إلى هذه الانشقاقات، منها ما يتعلّق بتأثيرات الأحزاب الكردستانيّة الكبرى عليها، وبخاصّة “البارتي” (الحزب الديمقراطي الكردستاني – العراق)، ومنها ما يتعلّق بالمصالح الشخصيّة لقيادات الصف الثاني المنشقّة عن أحزابها، فيما يتحدّث بعضٌ آخر عن خلافات فكريّة بين المنشقّين. إلا أنّ النقص في تحليل دور هذه العوامل جميعها يكمن في عدم شرحها الأسباب التي أدّت أساسًا إلى قدرة تلك العوامل على لعب دور سلبي جدًا في “الحياة” السياسيّة الكرديّة في سوريا، في حين أنّها فشلت نسبيًّا في تحقيق ذلك في أجزاء كردستان الأخرى (خاصّة في تركيا والعراق) رغم تشابه عاملي “المصالح الشخصيّة” و”الخلافات الفكريّة” في بنية الأحزاب الكردية (والشرق أوسطيّة عمومًا)، إضافة إلى المحاولات الحثيثة للأحزاب الكردية التأثير على منافسيها في العراق وسوريا.

الاختلاف الأساسي بين الحركة السياسيّة الكرديّة في سوريا عنها في العراق وتركيا هو تعرّض الأولى لهزائم ماحقة، مقارنة بحجمها، خلال مراحل زمنيّة طويلة نسبيًّا، جعلت من العمل السياسي أمرًا شبه مستحيل في نظر القيادات الكرديّة في سوريا، هكذا انتهت حقبة التأسيس والعمل السياسي المرافق لها عام 1960 باعتقال جميع قيادات الحزب وكثير من قواعده في عهد الوحدة السوريّة- المصريّة واكتفت الحركة الكرديّة بشقّيها آنذاك بإصدار البيانات السياسيّة فقط واعتبرت هذا النشاط بمثابة “النضال السلمي” الوحيد الممكن.

ثمّة حالة مشابهة حصلت بعد عقود من ذلك التاريخ، وهي الانقسام الذي عانى منه حزب “الوحدة” بعد حملة الاعتقالات الواسعة التي قادها النظام السوري عام 1992 ضد قيادات وقواعد الحزب، بسبب نشر ملصقات تطالب بالجنسيّة السوريّة للكرد المجرّدين منها، كنوعٍ من الخروج على “تقاليد” العمل السياسي المقتصر على البيانات الحزبيّة. وشهد “الديمقراطي” أولى انشقاقاته في 1975 عقب انهيار الثورة الكرديّة في العراق، والتي كان يقودها الملا مصطفى بارزاني أبرز داعمي الحزب، وكذلك عقب اعتقال رئيسه دهام ميرو وبعض قادته عام 1973.

يمكننا ملاحظة نمط مشابه في العراق وتركيا: فانهيار ثورة 1975 أدت إلى انشقاق حزب “الاتحاد الوطني” عن “البارتي”، وفي تركيا ترافقت الانشقاقات عن حزب “العمّال الكردستاني” مع اعتقال زعيمه عبد الله أوجلان.

وبعكس “البارتي” و”العمال الكردستاني”، اللذين استطاعا التحرّك سريعًا وإعادة فتح الطريق أمام العمل السياسي (أو العسكري، كشكل من أشكال ممارسة السياسة)، لم تستطع الأحزاب الكرديّة في سوريا تجاوز مرحلة الصدمة بسرعة كافية لاستعادة قدرتها على النشاط السياسي الفعلي، بل لجأت إلى تصوير “النضال السلمي” السياسي على أنّه ينحصر بإصدار البيانات، إلى درجة أنّ تبريرها لرفض المشاركة بالمظاهرات التي خرجت في بدايات العقد الماضي كان يدور حول “التزامها بالنضال السلمي الديمقراطي” وكأنّ المظاهرات هي عمل عسكريّ ديكتاتوري. وأخذت الحركة الكرديّة وقتًا طويلًا امتدّ لنحو أربعة عقود حتى تشهد تغييرًا في تقاليد العمل السياسي، بدايةً مع حزب “الوحدة” الذي بدأ بالملصقات عام 1992، وبعدها بعقد آخر مع حزب “يكيتي” (المنشق عن الوحدة) الذي بدأ المظاهرات عام 2002 وسط دمشق.

فترات الضمور الكلّي للسياسة كان لها الدور الأبرز لظاهرة الانشقاقات الكثيرة، وذلك عبر آليّتين: الأولى هي أنّ الأحزاب السياسيّة أصبحت عاطلة عن العمل تقريبًا لا دور فيها إلا لرئيس الحزب، الذي لم يحدث (إلا نادرًا) أن تخلى عن منصبه، ما جعل القيادات الأخرى تبحث عن دور لها أيضًا عبر الانشقاق والتحوّل إلى رئيس حزب جديد بدل الانتظار الذي لا طائل منه ليصبح رئيسًا جديدًا لذات الحزب. الآليّة الثانيّة كانت أنّ اكتفاء النضال السياسي بإصدار البيانات ساهم في استسهال العمل السياسي وإدارة الأحزاب، طالما أنّ هذا النوع من النضال لا يحتاج إلا إلى شخصٍ وطابعة، كما يتندّر الكرد على أحزابهم السياسيّة.

قد نستطيع ممّا سبق ملاحظة رابطٍ ما بين الهزيمة والانشقاقات الكرديّة، فالمراجعات السياسيّة بعد الهزيمة بوقت قصير أدّت إلى الانشقاقات الأساسيّة في الحركة الكرديّة في سوريا، في حين أنّ العطالة السياسيّة التي تراكمت تبعاتها على فترة طويلة بعد الهزيمة ساهمت في تحفيز الانشقاقات الأقل أهميّة من جهة تأثيرها السياسي على الساحة الكرديّة.

شخصيات كردية شهدت على انشقاقات الحركة السياسية

عبد الحميد حج درويش

من مواليد عام 1936 في قرية القرمانية بريف الدرباسية في محافظة الحسكة شمال شرقي سوريا.

درس في المعهد العربي الإسلامي في حلب وسافر إلى دمشق ليسجل في الثانوية البطرياركية للروم الكاثوليك، ولم يكمل دراسته الجامعية في كلية الحقوق، بسبب تعرضه للملاحقة والاعتقال والسجن عدّة مرات، بحسب فارس عثمان عضو اللجنة المركزية في الحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا.

أسس في العام 1955 جمعية “إحياء الثقافة الكردية”، مع عثمان صبري ومحمد صالح درويش وعبد المجيد درويش وحمزة نويران وغيرهم، كما أسس في العام 1956 مع عثمان صبري وحمزة نويران أول تنظيم سياسي كردي باسم “الحزب الديمقراطي الكردي”.

أصبح في العام 1981 رئيسًا للجنة التعاون والتنسيق بين الحزب “الديمقراطي التقدمي”، و”الاتحاد الوطني الكردستاني” والحزب “الاشتراكي الكردستاني/ تركيا” و”الحزب الديمقراطي الكردستاني/ إيران”.

دخل البرلمان السوري كعضو برفقة كل من كمال أحمد وفؤاد عليكو بعد الانتخابات التشريعية في العام 1990.

من المؤسسين الأوائل لإعلان دمشق المعارض كما كان من المساهمين في تأسيس “المجلس الوطني الكردي” في سوريا عام في 2011 وترأس وفد المجلس إلى محادثات جنيف 2 عام 2014.

من مؤلفاته: “أضواء على الحركة السياسية الكردية في سوريا”، “الكرد في الجزيرة السورية”، و”أربع سنوات في مجلس الشعب”.

صلاح بدر الدين

ولد في 11 آذار من العام 1945 في قرية – نعمتلي بريف القامشلي شمال شرقي سوريا، وعاش مع أهله في قرية جمعاية.

انتسب بدر الدين مبكرًا إلى الحزب “الديمقراطي الكردي”، ودرس في كلية الحقوق بجامعة دمشق واعتقل قبيل التخرج، حسبما أكّد في لقاء مع “عنب بلدي”.

عاش الجزء الأكبر من حياته في العمل السري والاختفاء داخل سوريا وفي لبنان والعراق وتونس وألمانيا، فيما بعد، وسجن لمدة عام واحد في سجن القلعة بدمشق، قبل أن يتم تحويله إلى محكمة أمن الدولة العليا بدمشق وتجريده من حقوقه المدنية.

تقلد منصب سكرتير “البارتي الديمقراطي الكردي اليساري” في سوريا منذ “كونفرانس” عام 1968، ثم أمينًا عامًا لحزب “الاتحاد الشعبي الكردي” بعد تبديل الاسم في المؤتمر الخامس عام 1980.

أسس في لبنان، رابطة “كاوا للثقافة الكردية”، كمؤسسة ثقافية بين عامي 1975 – 1978ويترأس الرابطة في العراق منذ عام 1999.

أقام علاقات مع “منظمة التحرير” الفلسطينية، وحصل على درع الثورة الفلسطينية من ياسر عرفات، ويشغل منصب رئيس جمعية الصداقة “الكردية – العربية”.

ترك رئاسة حزب “الاتحاد الشعبي” مع بدايات الألفية الثالثة ثم ترك العمل الحزبي بشكل نهائي في العام 2003.

يملك العديد من المؤلفات السياسية حول تاريخ الحركة السياسية الكردية، ومئات المشاركات في الصحف والمجلات الكردية والعربية.

إسماعيل عمر

 رئيس حزب “الوحدة الديمقراطي الكردي” في سوريا (يكيتي)

ولد في قرية قره قوي بريف الدرباسية بمحافظة الحسكة شمال شرقي سوريا عام 1947، تخرّج من قسم الجغرافيا في جامعة دمشق عام 1969.

انتسب للحزب الديمقراطي الكردي (البارتي) في العام 1963 وعمل في منظمة الدرباسية، بقي في صفوف الجناح اليساري بعد انشقاق العام 1965 حتى العام 1970، حسب رئيس اتحاد الكتاب الكرد السوريين، ديلاور زنكي.

انتخب في العام 1983 خلال مؤتمر الحزب الثالث عضوًا في اللجنة المركزية للحزب والمكتب السياسي أيضًا.

في عام 1988حدث انشقاق في صفوف الحزب باسم جناح “المؤتمر السادس” الذي عقد مؤتمره الاستثنائي في آذار 1989، ثم اتحد مع حزب العمل الديمقراطي الكردي وقواعد اليسار في آب 1990م، وتمخض عن ذلك “الحزب الديمقراطي الكردي الموحد”، الذي تولى فيه مهمة السكرتير.

بعد ثلاث سنوات جرت عملية وحدوية ثلاثية بين الحزب المذكور وكل من حزبي “الاتحاد الشعبي الكردي” المنشق عن التنظيم الذي يحمل نفس الاسم والذي كان سكرتيره صلاح بدر الدين، ومع حزب “الشغيلة الديمقراطي الكردي” وذلك في مؤتمر توحيدي في نيسان 1993، وكلفته اللجنة المركزية الجديدة بمهمة السكرتير في الحزب الجديد، تحت مسمى “حزب الوحدة الديمقراطي الكردي” في سوريا (يكيتي).

اختارته الحركة السياسية الكردية كأحد المرشحين لانتخابات مجلس الشعب في العام 1994، وفي العام 2001 انتخب رئيسًا لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا.

عمل في اللجنة العليا والمجلس العام لـ “التحالف الديمقراطي الكردي” وكذلك كعضو في “المجلس الوطني لإعلان دمشق”، كما مثّل “التحالف الديمقراطي الكردي” في الأمانة العامة للإعلان.

توفي في 18 تشرين الأول 2010، بمدينة القامشلي ودفن في مسقط رأسه (قرية قره قوي) بريف الدرباسية.


حلقة خاصة عن الملف في إذاعة آرتا إف إم


أعد هذا الملف من قبل عنب بلدي بالتعاون مع راديو ARTA FM

مقالات متعلقة