وجهان لإيران

tag icon ع ع ع

إبراهيم العلوش

من باريس جاء الخميني إلى طهران ليستولي على ثورتها عام 1979، وللقيام بالأدوار التي كانت مخططة لشاه إيران سابقًا، فنظام الخميني اليوم يقوم بدور “القبضاي” المخيف لحكام الخليج ولشعوب المنطقة، بدلًا من دور الشرطي الذي كان يقوم به شاه إيران، بعدما غيّر الغرب الأدوار في مسرحية احتواء المنطقة وامتصاص ثرواتها، وأعطى لنظام الدكاترة المجاهدين دورًا جديدًا، يختلف عن دور نظام شاه إيران، ولكنه يحقق نفس الأهداف المتمثلة بالوصاية على شعوب المنطقة وثرواتها، وما نهب ترامب لخمسمئة مليار دولار في زيارته الأخيرة للرياض، إلا تفصيل عابر من تفاصيل تاريخ المنطقة، ومن سيرة حكامها العجزة الفاقدين للشرعية الداخلية، والذين يشترون شرعية كنتاكي الجاهزة واللذيذة والسريعة.

كيف تسنّى لعصابة الدكاترة المجاهدين الخمينية التهام المنطقة العربية بهذه السهولة؟

لقد ابتلعت خلاياهم الناشطة بصمت، الكثير من الأحزاب والتجمعات والمراكز الشعبية، والصحف العربية، واستطاعت أن تتاجر بالقضية الفلسطينية بطريقة أشمل وأنجع من طرق الأنظمة العربية التي تهالكت بفعل الاجترار والتكرار، وقد ضمت تحالفات مهمة اجتماعيًا وسياسيًا، وتصدّرت جبهات مقاومة ونضال وطنية وحوّلتها إلى الوجهة الطائفية، فالمقاومة اللبنانية التي أسسها الحزب الشيوعي، والحزب القومي السوري، مع الكوادر الفلسطينية الخبيرة، تم ابتلاعها من قبل مكون طائفي مسخ وعميل لها، هو حزب الله، الذي حوّلته إلى وكيل لها لتوزيع الزرنيخ والاغتيالات والتهجير الطائفي.

ورغم الجبروت والقوة التي يبدو عليها المشهد الإيراني فإن الثورة السورية كانت أكبر طعنة له، وكانت كاشفة لكل الزيف الإيراني، وفاضحة لدعمه الشكلي للمظلومين في حين إنه كان داعمًا للمستبدين، ولقوى التكبر والعنجهية في النظام السوري، ما حدا بها أن تتصرف بوحشية متزايدة، جعلت الادعاءات الإيرانية الدينية، والمقاومة، مجرد أضحوكة ولعبة طائفية مستهلكة، لا تقل سوءًا عن ادعاءات داعش ومشتقاتها الوحشية، ناهيك عن الاشتباه بشراكاتها مع النظام، بتصنيع هكذا نماذج لتسوّغ وجودها في سوريا ولبنان، وشرعية وجودها العسكري.

على الطرف الآخر، فإن المعارضة الإيرانية تتنامى يومًا بعد يوم، وصارت تستطيع حشد 100 ألف مدعو في باريس للسنة الثانية على التوالي، ويحضر مؤتمراتها كبار الشخصيات، والمثقفون، والسياسيون العالميون، مساهمين في تجسيد الرغبة العميقة بالتخلص من النظام الديني الطائفي الإيراني، الذي يدمّر المنطقة، فالدكاترة المجاهدون الذين ينشرهم هذا النظام، في عواصم العالم العربي، مايزالون يخططون بدماء باردة للفتن الطائفية، وللاقتتال الأهلي ولدعم دكتاتورية الأسد، وعصابة حزب الله الطائفية، لقد انهالوا كالجراد على المنطقة الهشة في العالم العربي والمنخورة بالاستبداد، واستطاعوا بعمل تراكمي طويل ودؤوب التهام أجزاء واسعة من طوائف وساسة وأحزاب المنطقة، فحتى الشيوعيين الذين كانوا يتفاخرون بشعارهم “الدين أفيون الشعوب”، قام الدكاترة المجاهدون بالتهامهم، تحت شعارات ديناميكية وبراغماتية مثل تيار الممانعة، ومقاومة الإمبريالية والصهيونية، واتحاد الأقليات وتحالفها ضد الوحشية السنيّة كما يدّعون.

المعارضة الإيرانية بقيادة مريم رجوي لديها فهم وخبرة بالغرب وأهدافه، وتخاطب توجهاته ومخاوفه، وتقدّم نفسها لشعوب المنطقة، كبديل عن الدولة الدينية الطائفية، التي تأتي مثل داعش من بطون الكتب والتاريخ، وتشترك مع داعش بكراهية كل ما يمت بصلة إلى البشر من طموحات ورفاهية وحرية شخصية وعامة!

الفرق بين داعش سوريا والعراق، وداعش إيران كبير، كالفرق بين الهواة والمحترفين، فداعش سوريا والعراق تتسم بالانفعالية، والحماقة، وكراهية الناس أجمعين، وربما هم يكرهون حتى أنفسهم بالنتيجة، أما دواعش إيران، الدكاترة المجاهدون كما يصر المدوّن السوري الموهوب سهيل نظام الدين أن يطلق عليهم، فهم أكثر احترافية وأرسخ ديمومة وتصميمًا على الدمار والتخريب، وهم صبورون ويتقنون فنون السياسة، والإدارة، واغتنام الزمن المناسب الذي يطلّون فيه برؤوسهم المعممة.

دواعش سوريا والعراق يشبهون تمامًا البعث ومناضليه ذوي الشعارات الرنانة، والانفعالات المراهقة، ولم يستطيعوا التخلص من سماتهم البعثية المتأصلة، والمتمثلة بعبادة القائد التاريخي البطل، وهو هنا البغدادي، بدلًا من الأسد وصدام حسين، وكذلك باعتماد العدمية الاجتماعية بالتكفير، وباستعمال تهم الردة، وقطع الرؤوس، واستباحة النساء، والنهم الجنسي تحت شعار إعادة نخاسة السبي، والتفاخر بالسيارات الحديثة، وتلك من أهم ميزات المرحلة البعثية بشقيها السوري والعراقي، منذ أيام توزيع سيارات البيجو الفرنسية على المسؤولين البعثيين في السبعينيات، وصولًا إلى توزيع سيارات التويوتا على قياديي داعش في عام 2014م.

في باريس أيضًا، وفي متحف اللوفر، تتجاور الآثار الفارسية والعربية، وتتداخل أشكالها وزخارفها، وتختلط قاعاتها، فالسومريون يتنقلون بين الطرفين وينقلون حنكتهم وحكمتهم المؤسسة لحضارات بلاد الرافدين، والإسلام يشد الطرفين بردائه الأخضر النظيف، ويحيي الحضارة الفارسية، ويعيد كتابة تاريخها ويمنحها أبجدية القرآن الكريم، ويعيد تصويب مساراتها الضائعة بين الصين، وبلاد الرافدين، وجبال الأناضول. ووحدها الأنظمة المستبدة من أيام الشاه إلى أيام خامنئي من يحاول كسر التاريخ والتقارب بين الشعوب، فقد وصل التجبّر الإيراني اليوم، وباحتكار الإسلام والمتاجرة بدم الحسين وآل البيت، إلى تعطّش للظلم والحقد والتفرقة التي تدمّر المنطقة.

ولكن الآثار وتشابه الفنون والمصير المشترك، تخبرك أن لا مستقبل لهذه الرقعة الجغرافية إلا بإعادة التلاحم والتعاون، ولا يتسنى ذلك إلا بترسيخ قيم الحرية وإرساء نظم ديمقراطية تعتمد الاقتراع، والدساتير الواضحة، وغير القابلة للتبديل المزاجي والانتهازي.

ليس لنظام الأسد وشبيحته مستقبل، وليس لنظام الخامنئي والدكاترة المجاهدين مستقبل، وليس للدواعش والتكفيريين مستقبل. المستقبل هو لمواطن واحد حر، وغير خائف على لقمة خبزه، ولا هو خائف على حريته.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة