tag icon ع ع ع

فريق التحقيقات في عنب بلدي

لم تكن مدينة اسطنبول بالنسبة إلى تاليا سوى ملاذًا من الحرب ومكانًا يمكن أن تواصل فيه تعليمها الجامعي، قبل أن تتحوّل إلى زوجة لرجل تركي، وأم لطفلة يمكن أن يكون مستقبلها أفضل من مستقبل آلاف الأطفال السوريين في تركيا.

“تمكّنت من تحصيل قبول في جامعة اسطنبول لأكمل دراستي، وما جرى بعدها كان صدفة”، في حين تتحول الصدفة إلى مفهوم “القسمة والنصيب” عندما يتعلّق الأمر بالزواج، إذ تضيف تاليا لعنب بلدي، “التقتني أخت زوجي وطلبت مني أن يتم التعارف، لم يختلف الأمر كثيرًا عما نسميه في سوريا الزواج التقليدي”.

معرفتها باللغة التركية فتحت قناة التواصل اللغوية الوحيدة مع زوجها، الذي لا يتكلّم اللغة العربية أو الإنكليزية على الإطلاق، الأمر الذي تطلّب منها جهدًا أكبر في دفع علاقتهما، وتحقيق الانسجام بينهما، وإن أعاقها نقص المفردات في التعبير عن ذاتها بشكل كامل، إلّا أنّ التوافق بينهما غطّى ذلك النقص.

تاليا هي واحدة من نحو 6450 سورية تزوجن من رجال أتراك، بحسب مؤسسة الإحصاء التركية (تويك)، فالمرأة السورية “لطيفة ومطيعة وهادئة” من وجهة نظر تاليا، “عكس المرأة التركية المعروفة بقوتها”.

وتدعم الأرقام الصادرة عن “تويك” ما تقوله تاليا، إذ تشكّل حالات زواج الأتراك من سوريات نحو 11.7% من مجمل حالات الزواج في تركيا، وفق إحصائية عام 2016، ما يجعل المرأة السورية تتصدّر النساء الأجنبيات المرغوب بهن للزواج في تركيا.

وقد يبرر الدين الواحد رغبة قسم كبير من الأتراك بالسوريات، كما يفتح الإسلام دوافع أخرى تزيد من اندفاع التركي للمرأة السورية، تقول تاليا “غالبًا ما تطلب مني قريبات زوجي أن أعرفهن على سوريات بهدف الخطبة، من وجهة نظرهن فإن المرأة العربية التي تتمكن من قراءة القرآن ستكون أمًا أفضل وستعلّم أولادها الدين بشكل جيد”.

بينما تدور دوافع السورية للزواج من تركي حول الحاجة إلى الشعور بالاستقرار، في ظل صعوبة حصول الكثير من السوريين على الأوراق الرسمية كالإقامات وعقود الزواج وشهادات الولادة.

وإن بدت الدوافع مبررة في الحالتين، إلّا أنّ الشاب طلال الخرّاط، البالغ من العمر 27 عامًا، لم يختر لنفسه قواعد معينة ودوافع محددة ليختار زوجته، بل تقدّم لخطبة الشابة التركية خديجة بدافع الحب، الذي عبرا عنه بلغة محايدة، فكانت القصائد الإنكليزية بديلًا عن الغزل العربي والأغاني الرومانسية التركية.

ومن وجهة نظر طلال، فحتى في حال عدم وجود لغة مشتركة بينه وبين زوجته، فإنّ لغة الحب هي الوحيدة القادرة على خلق التفاهم بين شخصين، “كان بإمكاني أن أتزوج من فتاة عربية، ولكن ماذا عن لغة العلاقة التي سوف تنشأ بيننا”.

والدا خديجة كانا عاملًا مهمًا في تسهيل أمر الزواج، الذي تمّ قبل نحو سبعة أشهر في مدينة غازي عنتاب التركية، إذ لم يجعلا من الوضع المادي لطلال عائقًا، وتسامحا مع عدم قدرته على دفع المهر وشراء الذهب، معتبرين أنّ “أي شيء غيرالحب هو غير ذي قيمة”.

في المقابل، بذل طلال ما أمكنه من أجل إقامة حفل زفاف لخديجة، شاركا فيه عائلتيهما الفرح، وكانت الضحكات وسيلة ترحيب بين أهل العريس العربي وأهل العروس التركية.

التساهل والتقدير الذي لقيه طلال من العائلة التركية، كان يمكن ألّا يجده عند التقدم لطلب فتاة سورية، إذ ماتزال العادات والتقاليد تتحكّم بتفاصيل الزواج عند أغلب السوريين، الذين يطلبون مهورًا مرتفعة لتزويج بناتهنّ، وهو ما يعجز أغلب الشبان عن تقديمه، وبحسب استطلاع أجرته عنب بلدي فإن %32  من المشاركين اعتبروا أن شروط الزواج الصعبة والظروف الاقتصادية هي أبرز العوامل التي تدفع الشاب السوري للزواج من فتاة أجنبية.

بلدان اللجوء المجاورة أيضًا شهدت حالات زواج كثيرة بين أبنائها وسوريات، وبالتحديد مصر، حيث فاق عدد زيجات المصريين من سوريات 12 ألفًا، وفق إحصائيات رسمية، ما دفع جمعيات نسائية مصرية للمطالبة بالتصدي للظاهرة “رفقًا بالفتيات المصريات”.

أما أوروبا، التي شكّلت ملاذًا لآلاف الشبان السوريين الفارين من الحرب والخدمة الإلزامية، فتحت في الوقت نفسه الباب لحرية أكبر في خيارات الزواج، وقد تكون تسهيلات أكبر، غير أنّ هذه التسهيلات صبّت في أوقات كثيرة في إطار الزواج من سيدة أوروبية.

إلا أنّ هذا الزواج يبدو أصعب بالمقارنة مع الحالة العربية أو التركية، فالشاب عمر، الذي غادر مدينة حماة إلى الدنمارك، وتزوج من سيدة دنماركية هناك، سرعان ما أدرك أن الاختلاف الجوهري بين الثقافتين واختلاف الأديان جديران بجعل أيّ علاقة زوجية عرضة للانهيار.

تمّ الطلاق بين عمر وزوجته الدنماركية بعد أربعة أشهر رغم الصعوبات القانونية، إذ لجأ أولًا إلى “الطريقة الإسلامية” في الطلاق، قبل أن توكّل طليقته محاميًا للسير بإجراءات الطلاق القانونية.

وتترك ظاهرة زواج السوريين من الأجانب في بلدان اللجوء تساؤلات كثيرة حول عودتهم إلى سوريا، الأمر الذي غالبًا ما يصبح مستحيلًا حتى بعد انتهاء الحرب، فطلال يسعى ألّا يحرم زوجته يومًا من بلدها وأهلها، وتاليا التي ستحصل بعد عام على الجنسية التركية، قد تزور سوريا يومًا من الأيام، لكنها لن تفارق زوجها ومنزلها.

طلال الخراط، شاب سوري من دمشق، وزوجته التركية خديجة

طلال الخراط، شاب سوري من دمشق، وزوجته التركية خديجة

بين عرب وغربيين

المجتمع السوري “المحافظ” ينفتح على زواج الأجانب

عادات وتقاليد تحكّمت لسنوات عديدة بقضية الزواج في المجتمع السوري، أطاحت بها الحرب الدائرة في سوريا منذ ست سنوات، بالإضافة إلى ظروف اللجوء التي اضطرت ما يزيد عن خمسة ملايين سوري إلى الاندماج والانفتاح على مجتمعات تختلف بعاداتها عما ألفوه في مجتمعهم “المحافظ”.

ففي حين كان التعصب للزواج من أبناء وبنات المنطقة الواحدة هو السائد منذ عشرات السنين، بوجود بعض الاستثناءات، استساغ المجتمع السوري مؤخرًا فكرة زواج الفتاة السورية من شاب عربي أو زواج الشاب السوري من فتاة أوروبية على سبيل المثال.

الزواج من سوريات في بلدان اللجوء.. بالأرقام

كحالة طبيعية تشهدها الحروب وحركات النزوح حول العالم، أقبل العديد من الشبان العرب على الزواج من فتيات سوريات في بلدان اللجوء القريبة جغرافيًا ومجتمعيًا من سوريا، مثل الأردن ولبنان ومصر، التي استقبلت مجتمعةً ما يقارب مليوني لاجئ سوري، وذلك وفق عقود زواج نظامية تتبع للقوانين السائدة في تلك البلاد.

الخبيرة الاجتماعية نبال العلو، مسؤولة قسم الحماية في مخيم صبرا وشاتيلا للاجئين السوريين بلبنان، قالت لعنب بلدي إن ما يزيد عن 10% من السوريات المقيمات في لبنان تزوجوا من مواطنين لبنانيين، مرجعة الأمر إلى شروط أقل تطلبها الفتاة السورية مقارنة بنظيرتها اللبنانية.

وأضافت العلو أن الشبان اللبنانين “يُقبلون على الزواج من فتاة سورية لأنها قادرة على تحمّل الظروف مهما اختلفت، ولأنها تقبل بشروط حياة قليلة بسبب ظروف النزوح التي مرت بها”.

لا يختلف الأمر كثيرًا في الأردن، التي شهدت ما يزيد عن 11 ألف حالة زواج بين سوريات ومواطنين أردنيين منذ عام 2011، وفق إحصائية صادرة عن دائرة قاضي القضاة في العاصمة عمّان عام 2015، والتي أشارت إلى أنه في معظم تلك الحالات تكون السورية زوجة ثانية.

وتشير الإحصائية نفسها إلى زواج ما يقارب ستة آلاف سورية مقيمة في الأردن من جنسيات عربية وغربية داخل البلاد في العام 2014 وحده.

أما في مصر فشهد الزواج من سوريات إقبالًا ملفتًا من قبل الشباب المصريين في الآونة الأخيرة، وبحسب آخر إحصائية أجراها المركز القومي للبحوث الاجتماعية في القاهرة عام 2014، فإن أكثر من 12 ألف حالة زواج حدثت بين الثقافتين المصرية والسورية، والملفت فيها أن السورية في مصر غالبًا ما تكون زوجة أولى.

ويسود التفكير بين الشبان المصريين، كما هو شائع، حول الفتاة السورية بصورتها في مسلسلات البيئة الشامية، والتي تظهرها “جميلة وتدلل زوجها كثيرًا وتطيعه، فضلًا عن جعلها المنزل وتربية الأطفال أولوية في حياتها”.

ومن المتوقع أن الإحصائية الأخيرة تزايدت منذ العام 2015، بسبب غياب الإحصائيات الرسمية في تلك الأعوام.

وفي تركيا، التي استقبلت وحدها ما يقارب ثلاثة ملايين لاجئ سوري، لا تختلف الأرقام كثيرًا رغم اختلاف اللغة بين الشعبين السوري والتركي، وتشير إحصائية صادرة عن مؤسسة الإحصاء التركية، عام 2016، إلى أن ما يقارب 6450 حالة زواج حدثت بين السوريين والأتراك في السنوات الست الأخيرة، بمعدل 11% من مجمل حالات الزواج في تركيا.

سوريون يقبلون على الأوروبيات.. “شروطهن أقل”

رغم أن الزواج من أوروبيات ليس جديدًا على المجتمع السوري، إلا أنه كان نادرًا مقارنةً بالسنوات الأخيرة التي شهدت هجرة الكثير من السوريين إلى أوروبا، ويقدر عددهم بـ 550 ألف لاجئ سوري معظمهم استقروا في ألمانيا، حسب إحصائية صادرة عن الحكومة السورية المؤقتة عام 2016.

وبخلاف السابق أصبح زواج السوريين في أوروبا من “بنت البلد” يواجه عقبات كثيرة، أولها صعوبة إجراءات “لم الشمل” في حال كانت الفتاة خارج أوروبا، و”تعقيدات” تفرضها الفتاة السورية المقيمة في القارة الأوروبية على المتقدم للزواج، كما يروي الشاب عمر شهاب، المقيم في ألمانيا، لعنب بلدي.

عمر قال إن إجراءات لم الشمل أصبحت أكثر تعقيدًا عامي 2016 و2017، خاصة أن الحكومة الألمانية استحدثت للسوريين ما يعرف بـ “الإقامة الثانوية” ومدتها عام واحد قابل للتمديد، ولا تخول حاملها لم شمل عائلته، بالإضافة إلى أنها تشترط عليه العودة إلى بلده في حال انتهى النزاع.

تلك التعقيدات جعلت الشباب المقبلين على الزواج في ألمانيا يبتعدون عن التفكير بالارتباط بفتاة داخل سوريا، واتجه بعضهم إلى الزواج من السوريات المقيمات في أوروبا، إلا أنهم تفاجأوا بـ “عقبات” أخرى، كما وصفها عمر، وهي شروط مادية صعبة تفرضها العوائل السورية على الشباب السوريين، ليتجهوا نحو الارتباط بفتيات ألمانيات.

ويقول عمر إن الفتاة السورية “أصبحت تطلب مهرًا يصل إلى 15 ألف يورو وذهب بـ 3000 يورو، بالإضافة إلى شروط أخرى، و”منها ترك بطاقتها البنكية عند أهلها ليستلموا راتبها نيابة عنها”، وتابع “الفتيات الألمانيات غالبًا تكون شروطهن أقل، لأنهن يبحثن عن الاستقرار، كون الشباب الألمان يفضلون الدخول في علاقات متعددة على الارتباط والزواج”.

وأشار عمر إلى أن الألمانيات لا يضعن الزواج من مسلم عائقًا أمامهن بعكس ما هو شائع، وغالبًا ما تتم عقود الزواج عند شيخ في المسجد (كتاب شيخ) لحين إنجاب أطفال، إذ يضطر الزوج لتثبيت زواجه قانونيًا في المحاكم الألمانية لتسجيل طفله في السجل المدني.

 

لاجئة سورية شمال العراق مع زوجها الألماني - 3 أيلول 2015 (AFP)

لاجئة سورية شمال العراق مع زوجها الألماني – 3 أيلول 2015 (AFP)

مزايا مادية وقانونية “مشجعة”

من وجهة نظر خبراء اجتماعيين، فإن لظاهرة زواج السوريين من جنسيات أخرى أسبابًا وآثارًا، ربطها محمود عثمان، خبير اجتماعي في منظمة مستقبل سوريا الزاهر، بشكل أساسي بالظروف الاقتصادية التي يعاني منها الشعب السوري سواء في الداخل أو في الخارج.

فغالبًا ما يعاني الشباب السوريون في بلدان اللجوء العربية من تضييق مادي نتيجة الأجور المتدنية التي يتقاضونها، بالإضافة إلى إعانات مادية “محدودة” يحصلون عليها في أوروبا، ما يجعلهم يبحثون عن ارتباط يؤمّن لهم استقرارًا على الصعيد المادي.

وينطبق الأمر بنفس الدرجة على السوريات في الخارج، بعد أن سادت فكرة أن الشاب السوري “غير قادر” على تأمين حياة كريمة لها ولأولادها، ما يجعلها تفكر بالارتباط بمواطن من البلد الذي تعيش فيه.

عثمان اعتبر أن الوضع القانوني للاجئين السوريين لا يقل سوءًا عن الوضع المادي في تحليل أسباب الظاهرة، إذ إن الحصول على الإقامة الدائمة و جنسية البلد المستضيف أصبحت هاجسًا للكثير من السوريين والسوريات في الخارج، وحلها “الأمثل” يكون بالزواج من مواطنين ومواطنات بلدان اللجوء، للحصول على مزايا مادية وقانونية تضمن لهم الاستقرار.

وأضاف عثمان أن الدوافع المادية والقانونية للزواج من الأجانب “مشروعة ومبررة، ولا يمكننا إدانة أحد أو اعتبارها ظاهرة سلبية على المجتمع السوري في ظل التضييق الذي يعاني منه اللاجئون”، وتابع “في علم النفس يتبع الاستقرار المادي والقانوني لهرم الاحتياجات النفسية والجسدية الأساسية للإنسان”.

“الانسلاخ عن المجتمع السوري” أبرز الآثار

بالحديث عن آثار زواج السوريين والسوريات من الأجانب، قال الخبير الاجتماعي محمود عثمان إن ارتباط الشاب السوري بفتاة عربية “أفضل” من ارتباطه بأوروبية، نظرًا لاختلاف المجتمع الأوروبي عن العربي، إذا غالبًا ما يضطر الشاب إلى “الانسلاخ” عن مجتمعه وعاداته وثقافته المحلية بعد ارتباطه بفتاة غربية، والعكس ينطبق على الفتاة السورية في حال ارتبطت بغربي.

وأضاف “لا يمكننا أن نكون متشائمين إلى هذا الحد، إذ إن العديد من الشباب السوريين استطاعوا أن يحافظوا على خصوصيتهم بعد زواجهم من أوروبية، ونقلوا جزءًا من الثقافة السورية لزوجاتهم”.

واستدل عثمان بمقاطع فيديو “فكاهية” انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي لشبان سوريين ارتبطوا بفتيات أوروبيات، إذ تظهر فتاة في أحد المقاطع وهي تتحدث كلمات باللهجة الشامية أو الحلبية على سبيل الدعابة، بالإضافة إلى مقاطع أخرى تعكس تقبّل الألمان، مثلًا، للعادات السورية، كذلك الذي ظهرت فيه فتيات ألمانيات يرقصن الرقصة الفلكلورية الشامية.

 

زواج “المهاجرين”

مقاتلون أجانب يبحثون عن “نصيبهم” في سوريا

إلى جانب الفقد والتشرد، كان على المرأة السورية خلال الأعوام الماضية أن تدفع أثمانًا كبيرة لما لم تقترفه، كما كانت مجبرة أن تكون ضحية لجميع تفاصيل الحرب، حتى لـ “جهاد” المقاتلين الأجانب، الذين قدموا للقتال إلى جانب عدد من الفصائل العسكرية في سوريا.

فمع بداية العام 2013، توافد آلاف المقاتلين الأجانب إلى سوريا للقتال مع تنظيمات إسلامية مختلفة، وكان جزء كبير منهم يبحث في سوريا، عن زوجة يمكن أن تخفف عنه جزءًا من “صعوبات الجهاد” و”وحدة الهجرة”.

ورغم أنّ مناطق سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” شهدت أكبر أعداد من حالات الزواج هذه، إلا أنّ مناطق سيطرة المعارضة شهدت أيضًا حالات كثيرة لزواج المقاتلين الأجانب من الفتيات والنساء السوريات.

ونتيجة رفض ذوي الفتيات اللاتي تزوجن من أجانب الحديث عن الأمر، يصعب رصد وتوثيق عدد هذه الحالات، إذ يوضح مراسل عنب بلدي أنّ مناطق جسر الشغور وتفتناز في ريف إدلب، شهدت عدة حالات مشابهة، على اعتبارها مناطق جبلية يتركّز فيها وجود المقاتلين الأجانب، فيما انخفضت الحالات في مناطق أخرى مثل جبل الزاوية لمعارضة الأهالي لأصل الفكرة.

حسن نيّة أم رغبة في المال؟

يرى الشيخ محمد الخطيب، رئيس الهيئة الشرعية في الجبهة الشامية، أنّ أسباب قبول بعض الأهالي تزويج بناتهم من مقاتلين أجانب تتمحور حول جهل الكثير من الناس، وفي حين يتبعون الحديث النبوي القائل “إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه”، إلا أنّهم لا يتحققون من هويّته وأصله.

بينما يؤكّد الشرعي السابق، أحمد أبو عمرو، أن بعض الناس أعجبوا بالمقاتلين و”زهدهم في الدنيا وطيب معاملتهم”، فكان تزويجهم من السوريات يندرج في إطار منحهم الشعور بالراحة وأنهم ليسوا غرباء، على أنّ هذا الزواج لا يتمّ حتى يتحقق والد الفتاة من أخلاق المهاجر.

المال أيضًا يشكّل دافعًا مهمًا بالنسبة للكثير من العائلات التي ترغب بتزويج المقاتلين الأجانب، إذ يشير أبو عمر إلى أنّ قسمًا من هؤلاء المهاجرين “يملكون المال”، وبشكل عام تكون “مهور المهاجرين أعلى من مهور السوريين”.

شكوك شرعيّة

في كثير من الأحيان يكون من الصعب التحقق من هوية المهاجرين الذين يأتون إلى سوريا للقتال مع الفصائل المسلحة، بل يلجؤون إلى استخدام الكنى مثل (أبو فلان)، وذلك لـ “دواعٍ أمنية”، كما لا يمكن الاعتماد على وثائق السفر التي توجد بحوزتهم للتأكد من هوياتهم لسهولة تزويرها.

أما آليات التحقق من هويات هؤلاء المقاتلين، فغالبًا ما تكون قاصرة، كما أكّد الشيخ الخطيب، وذلك نتيجة عدم وجود وسائل كافية لذلك، فيما تقتصر آليات التأكد على بعض الاتصالات مع أقاربه أو ذويه.

ومع شخصية يمكن أن تكون “وهمية” لا تصحّ العقود الشرعية، التي يجب أن يكون فيها الطرفان معروفين، ما يجعل أمر صحة هذه العقود مشكوكًا بها، من وجهة نظر الشيخ الخطيب.

أما الشرعي السابق أبو عمرو، فأوضح أنّ المهاجرين غالبًا ما يقومون “باستقدام مشايخ من مقربيهم لعقد القران، وقلما نقوم نحن بكتابة هذه العقود”.

تقوقع المهاجرين

رغم التأكيدات على وجود حالات كثير لزواج المهاجرين من السوريات، إلا أنّ الشيخ الخطيب يرى أنّ الحالات “محدودة”، وليست منتشرة على نطاق واسع.

أما الشرعي السابق، أبو عمرو، فيؤكد أن الحالات كانت “كثيرة” في السابق، ولكنها انحسرت حاليًا نتيجة وجود تجمعات للمهاجرين، “فمثلًا الأوزبك أو التركستان يعيشون مع بعضهم في مكان معين، تعتبر كثافتهم فيه عالية، ما سهل عليهم الزواج من نفس بلدهم بشكل أكبر”.

ويضيف أبو عمر، ” بعض المهاجرين شوهوا سمعة المهاجر بشكل عام، ما جعل السوريين يفكرون مليًا قبل تزويج مهاجر من سورية أو العكس”.

“زيوان البلد أحسن من حنطة جلب”

زواج السوريين من الأجانب كما يراه الشارع السوري

أجرت عنب بلدي استطلاعًا للرأي في محافظتي إدلب وريف حلب حول رأي الناس بزواج السوريين من جنسيات أخرى، وقد ظهر تباين في وجهات النظر، بين مؤيد للفكرة ورافض لها بشكل قطعي.

أسامة النابو، صاحب محل لبيع أدوات الطاقة الشمسية ولوازمها في بلدة معر تحرمة، يرى أن زواج السوريين من الأجانب أمر “طبيعي ومألوف” حتى قبل الثورة السورية، مضيفًا أن “ارتباط الشاب بفتاة غربية كان موجودًا في السابق، وبالمقابل فإن عددًا من الفتيات السوريات تزوجن شبانًا خليجيين ولبنانيين وفلسطينيين منذ عشرات السنين”.

وأشار أسامة إلى أن ازدياد أعداد الإناث على حساب الذكور في المجتمع السوري يبيح، من وجهة نظره، زواجهن من غير السوريين، تجنبًا لارتفاع معدلات “العنوسة”، وختم “المهم أن يكون الشخص مناسبًا، بالنهاية كل شيء قسمة ونصيب”.

لم يختلف رأي علاء الشيبان، وهو من سكان سهل الغاب في ريف حماة، عن رأي سابقه، معتبرًا الأمر طبيعيًا، خاصة بالنسبة لزواج المقاتلين من الفتيات السوريات، وقال “المقاتل الذي يأتي من الخارج طبيعي أن يطلب الاستقرار العائلي في حال سيقيم مدة طويلة في سوريا”، وأضاف “المهم أن يكون حسن الخلق، فالرسول عليه الصلاة والسلام قال (من ترضون دينه وخلقه فزوجوه)”.

من جانب آخر، رفض أحمد، حلاق في ريف إدلب الجنوبي، زواج السوريين من الأجانب. وعن زواج المقاتلين من السوريات، يرى أنه ممكن في حال كان الشخص مناسبًا للفتاة، ليقاطعه زبون يحلق عنده بنبرة حادة، “أنا أرفض زواج السوريين والسوريات من غير جنسية بشكل قاطع”.

وبرر الزبون ذلك بأنه سمع عن كثير من المقاتلين الذين تزوجوا سوريات ثم عادوا إلى أوطانهم وتركوهم “لا معلقين ولا مطلقين”، وختم حديثه “لو الأمر يعود لي كنت عاقبت كل أب أو أخ يزوج ابنته لغير السوري”.

بنفس الحدة، رفض أبو عبد الله، من كفرنبودة، زواج السوريين من جنسيات أخرى، وقال “لا أوافق بأي شكل من الأشكال”، مضيفًا أن بعض المقاتلين يتزوجون فتاة سورية لشهر أو شهرين ثم “يردونها” إلى منزل أهلها دون سبب، وختم حديثه بالمثل الشعبي “زيوان البلد أحسن من حنطة جلب”.

الظروف المادية والقانونية أم تراجع العادات؟

في ذات السياق، أظهر استطلاع آخر أجرته عنب بلدي عبر موقعها الإلكتروني اختلافًا في وجهات نظر 300 شخص من المستطلع رأيهم، وجاء السؤال على الشكل التالي “ما الذي يدفع السوريين/ السوريات في الخارج إلى الزواج من جنسيات أخرى؟”.

تقاربت نتائج الاستطلاع بين سوء الوضع المادي وعدم الاستقرار القانوني للسوريين في بلاد اللجوء، ورأى 32% من المستطلع رأيهم أن الظروف المادية السيئة التي يعاني منها الشباب السوريون، بالإضافة إلى شروط وتعقيدات تفرضها العائلات السورية على المتقدمين لخطبة بناتهم، دفعتهم للتفكير بالزواج من فتاة أجنبية، ودفعت السوريات إلى عدم التفكير بالارتباط بشاب سوري.

فيما رأى 23% من المستطلع رأيهم أن زواج السوريين والسوريات من جنسيات أخرى يعود إلى تراجع تأثير العادات والتقاليد في المجتمع السوري الذي انفتح، نتيجة حركات اللجوء، على المجتمعات والثقافات الأخرى، بعد تحكّم العادات لسنوات بملف الزواج في سوريا والتي فرضت على أبناء المحافظة الواحدة الارتباط فيما بينهم فقط.

مقالات متعلقة