تعا تفرج

صديقي الأستاذ والطيز الأثرية

خطيب بدلة

camera iconخطيب بدلة

tag icon ع ع ع

خطيب بدلة

أرسلَ لي صديقي القديم المتخصص باللغة العربية الأستاذ “محمود” طلب صداقة على الفيسبوك، ففرحتُ به وقبلتُه في الحال. وكنت قد نشرتُ، بالمصادفة، بوستًا أتحدثُ فيه عن فعل قبيح ارتكبه “الشباب” في المناطق الـ “مُحَرَّرة” يشبه أفعال نظام حافظ الأسد بالضبط، وأختمُه بتنويع على عبارة “انخلي يا هلالة” أقول فيه إن على هلالة أن تنخل الطحين، وأثناء النخل لا بأسَ أن تهز “طيزها”.

نط صديقي، وما حط، وزعل مني أيما زعل، وقال: ما هذا؟ كيف تستخدم هذه الكلمة البذيئة؟ ألستَ أنتَ الأديب الأريب فلانًا أم أن هذا “حسابٌ مُهَكَّرٌ”؟ قلت له: طول بالك أستاذ، الله وكيلك حسابي هو هو من ثماني سنوات، لا تَهَكَّرَ ولا تَضَرَّط.. وبمجرد ما قرأ كلمة “تَضَرَّط” زعل أكثر، وقال إنني أتقصد إيذاء مشاعره، ولولا الخبز والملح والصداقة لعَمِلَ لي “بلوكًا”!

دخلتُ على الخاص، وبدأت أحاوره، بهدوء. ذَكَّرْتُهُ بالقاعدة الذهبية التي تقول “البلاغة الإيجاز”، وطلبتُ منه أن يعطيني كلمة عربية فصيحة تصف الرجل الذي يعص ويكبس ويصدرُ صوتًا من وسط مؤخرته، فقال: ضرط. قلت له: عظيم، انظر إلى هذه الكلمة، كم هي خفيفة ونظيفة وبنت ناس، وتُغنيك عن سبع كلمات وثلاثة أحرف جر، وهي مستخدمة في الكتب التراثية التي ألفها أجدادُنا العربُ العاربون، وبالأخص الكتب التي تتحدث عن مُبْطلات الوضوء، وأنت تعرف حكاية أستاذنا الجاحظ عندما ركب الحمارة فضرطت! وإذا جئت للأمثال الشعبية، وبالأخص التي نستخدمها في محافظتنا العظيمة، فهناك مَثَل يعبر عن المواجهة والتحدي و”الندّيّة” يقول، بالحرف الواحد: اللي بيضرط لك اضرط له، وإلا بيفكر إنو ما إلك طيز.

وأوضحتُ له، أيضًا، أن كلمة “مؤخرة” التي يُؤْثِرُ الأدباءُ المهذبون استخدامها تحيل الذهن إلى نفس المنطقة، علمًا أننا نعتمد عليها في كل ما له علاقة براحة الجسد، لاحظ مثلًا أن الراكب في أي حافلة، بمجرد أن يرى كرسيًا قد شغر، يدير مؤخرته ويجلس، والشاب الذي ينجح بعلامات قليلة يبحث له أهله عن ذريعة فيقولون: والله الولد ذكي، ولكن ما لُهْ “طيز” على الدراسة، أي ليس له جَلَدٌ على إبقاء مؤخرته ملتصقة بالكرسي، على عكس المسؤولين الذين يعيشون في ظل القائد الأسد المغوار، وقد سمعنا عن واحد يسعى لبلوغ كرسي إدارة، أنه راهن رفاقه، في جلسة صفا، على أنه إذا قَدَّرَ الله ووضع طيزه على الكرسي سيستمر عليه حتى يموت. وضحك وقال: هل تعرفون قصيدة نزار قباني الفيروزية “لا تسألوني ما اسمه حبيبي”؟ أنتم لا تسألوني ماذا سأفعل وماذا سأتجنب حتى تبقى طيزي ملتصقة بالكرسي إلى الأبد، فكل إنسان يعرف شغله.

احتار صديقي محمود في أمره، وقد أفْحَمَتْهُ أمثلتي وحججي، فقال: ما بعرف، بس أنا بعرف الأديب لازم يكون مأدب، متل سعد الله ونوس مثلًا.

فقلت له: نعم، سعد الله كان مؤدبًا، ومع ذلك فقد ألف كتابًا عنوانه: الطيز الأثرية.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة