“أنا” وليس “نحن”.. الهاشتاغ العربي وسمٌ بلا أثر

تعبيرية (تعديل عنب بلدي)

camera iconتعبيرية (تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

قدّمت وسائل الإعلام الحديثة خدمة مهمة للمستخدم العربي، حين أتاحت له إمكانية الظهور الفردي، وتحوّلت إلى منصّة يقف عليها أي شخص ليصدح وحيدًا، في هذه الحالة ليس على الآخرين إلا أن يسمعوا، أما من يرغب بالتفاعل السلبي أو الإيجابي مع صوت الأول فما عليه إلا أن يعتلي منصته ليصدح وحيدًا أيضًا.

على الجانب الآخر من مزايا الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي هناك الكثير مما لم يعرف المستخدم في المنطقة العربية كيف يستغله من خصائص تتعلق بالصوت الجماعي والمناصرة والحشد، وربما تعمد الابتعاد عنه في ظل البحث الدؤوب عن الهوية الفردية، نتيجة تراجع مفاهيم عدة بتأثير العولمة كالهوية الوطنية، الانتماء، الدين والعرق.

ويظهر ذلك جليًا في قصور استخدام فكرة الـ “هاشتاغ” القائمة على جمع أكبر عدد من المستخدمين حول قضية واحدة بهدف إبرازها وتقديمها للرأي العام وبالتالي إحداث فرق معين ضمن هدف محدد.

في الحالة الغربية، ومع تطوير مدارس التأثير الإعلامية، تمكّن الـ “هاشتاغ” من أخذ دوره بشكّل فعّال، ووصل مرحلة التأثير نتيجة لاستغلال المزايا التي يوفّرها الإنترنت من سهولة الوصول وأدوات البحث الفعالة، إلى جانب انتشاره الكبير، ففي الولايات المتحدة الأمريكية مثلًا نجح “هاشتاغ” #Ferguson في تسليط الضوء على عنف الشرطة في ولاية ميسوري، وحرّك مظاهرات شعبية غاضبة وضعت الشرطة أمام رقابة المجتمع.

الهند أيضًا شهدت تحرّكات شعبية عدّة مرتبطة بـ “هاشتاغات”، إذ استطاع #delhigangrape أن يحدث فرقًا في التعامل القانوني والاجتماعي مع قضايا الاغتصاب، وأجبر الحكومة الهندية أن تتخذ خطوات في سبيل الحد من الظاهرة ونشر التوعية الجنسية.

أما الـ “هاشتاغات” في المنطقة العربية، ورغم أن بعضها ناقش قضايا مهمة، إلا أنها لم تصل بعد مرحلة التأثير، وربما يغيب تأثيرها في ظل ضعف ثقافة المناصرة، حتى في حال كانت هذه القضايا تمس شريحة كبيرة من المستخدمين.

ويمكن الاستدلال على ضعف تأثير الـ “هاشتاغات العربية” من القوائم العالمية التي تواكب أكثر الـ “هاشتاغات” تداولًا، إذ نادرًا ما تحتوي قائمة أكثر 100 هاشتاغ تداولًا على أحرف عربيّة. دون مبالغة، قد يحدث الأمر مرة كل عام!.

ليس الأمر غريبًا، كون المستخدم في المنطقة العربية لم يفهم المغزى الأساسي من استخدام أدوات تسهيل الوصول على الإنترنت، قبل أن يفهم الهدف منها، فمن خلال المتابعة اليومية لـ “الهاشتاغات” المحلية الأكثر تداولًا، يمكن أن نلاحظ بوضوح مدى “تفاهة” الـ “هاشتاغات” التي يتداولها العرب، وبعدها عن القضايا الرئيسية والمهمة في المنطقة.

“#وش_تبي_تاكل_اليوم” قد يحصد آلاف المتابعات ويحظى بتغريدات كثيرة، “#الخميس_الونيس” أيضًا، و”#شخص_توجهله_رسالة”، أو “#سربوت_ينزع_عباءة_فتاة” وغيرها من الأفكار يتفاعل معها آلاف المستخدمين لموقع “تويتر” يوميًا في المنطقة العربية.

أما بعض “الهاشتاغات” التي ارتبطت بقضايا إنسانية كالهجرة واللجوء والحرب في سوريا أو اليمن أو ليبيا، فلم تأخذ حيزًا واسعًا من الاهتمام، ولم تحقق الانتشار المطلوب، كما لم تخلق تغييرًا يمكن أن يعوّل عليه، ويستخدم فيما بعد للاستدلال على قوة كلمة الجماعة على الإنترنت وفعاليتها في التأثير.

ما يثير التساؤلات هو أن موقع “تويتر” مصنّف عربيًا على أنه وسيلة الإعلام الأكثر نخبوية، والذي تستخدمه شريحة واسعة من الكتاب والصحفيين والأدباء والسياسيين أيضًا، فلماذا لا ينعكس ذلك في “الهاشتاغات” العربية؟.

وبينما يرتبط ارتفاع معدلات استخدام وسائل التواصل الاجتماعي عربيًا، وبالتحديد موقع “تويتر”، مع اندلاع انتفاضات “الربيع العربي” عام 2011، فإن هذه المعدلات يمكن أن تصنف كحشود “سلبية” لم تكن مؤثرة بقدر ما كانت متأثرة، وإن شهدت بداية انطلاق هذه الثورات، توجهًا لتطويع وسائل التواصل الحديثة في خدمة أهداف جماعية، إلا أنها ما لبثت أن سُحرت بمزايا الفردية، وإمكانية الظهور والتعبير عن “أنا” مقابل “نحن”.

وكما تسلط هذه الظاهرة الضوء على تراجع مجالات الاهتمامات في المنطقة العربية، وبالتالي تراجع مؤشرات التقييم الثقافي، فإنها تدل على نقص حاد في التوجهات الأكاديمية التي من شأنها أنّ تواكب وسائل الإعلام الحديثة، عبر دراسات تقيم الاستخدام العربي “الكثيف” لوسائل التواصل الاجتماعي، وكيفية توظيفه، وتضع توصيات عملية لتطوير الاستخدام لدى جمهور عربي يغرق بالتكنولوجيا، ولا يجيد العوم.

يسبقنا مفهوم الـ “هاشتاغ” في وضع نظريات خاصة به، وتطوير وسائل دراسة الأثر تلقائيًا، فيما نتخلف نحن عن التفكير فيما نكتب على وسائل التواصل الاجتماعي، أو مع ماذا نتفاعل، وإن نجحنا في تعريب الكلمة واخترنا لها ترجمة لطيفة (وسم)، فإننا لم نتمكن من تحديد ما نريد أن نسم به مجتمعاتنا، ولم نتساءل بماذا وسمتنا أساليب الاستخدام السطحية للإنترنت؟




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة