رايات الموت الرحيم! 

بيوت وأبنية داخل مدينة الرقة حي هشام بن عبد الملك (مركز المدينة) - 15 آب 2017 (عنب بلدي)

camera iconبيوت وأبنية داخل مدينة الرقة حي هشام بن عبد الملك (مركز المدينة) - 15 آب 2017 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

يوسف دعيس

لم أستغرب رفع صور عبد الله أوجلان في ريف الرقة، ولا رفع علم حزب الاتحاد الديمقراطي (البيدا)، ولم تثر استغرابي أبدًا هتافات الناس التي أطلقوها وهم يحيون أوجلان وحزب “بي كي كي”، وقوات حماية الشعب وقوات حماية المرأة، فالناس على دين ملوكها، هذا من جانب، أما في الجانب الآخر فالناس على بساطتها الشديدة تعتقد أن قوات سوريا الديمقراطية هي جزء لا يتجزأ من النظام، لذلك ينحازون إليها، وفي أذهانهم أنهم ينساقون إلى حضن الوطن. ألم يذهب الناس فيما سبق إلى أن داعش جزء من النظام، عندما سوّق المعتوه وزبانيته أن الرقة في أيادٍ أمينة، والناس على بساطتها، وخوف متأصل يسكن قلوبهم هرولوا باتجاه داعش، خوفاً على أنفسهم ووجودهم، وفي قرارة أنفسهم أنهم يذهبون إلى حضن الوطن، ألم يقل الرئيس العالمي إن الرقة في أيادٍ أمينة!؟

لكن المستغرب والمثير للدهشة، أن هؤلاء الناس البسطاء، الذين تخلّى عنهم النظام فيما سبق ولاحقاً، يقررون مصيرهم بناءً على خوفهم المعشش في الصدور، الخوف الذي بدأ بالتغييب والخطف والاعتقال، والذي انتهى اليوم بالدمار والقتل والتهجير والتعفيش والتشليح، ولا ضير إن رفعوا صور أوجلان وأعلام “البيدا”، كما حملوا سابقاً صور الأسد الأب ثم الابن، وأعلام البعث والطلائع والشبيبة والطلبة ورابطة المرتضى، ثم رايات وأعلام داعش والنصرة وحزب الله وكل الطوائف الأخرى، التي تؤسس للانتقام منهم أولاً وتالياً.

هذا هو واقع الحال في الرقة، التي تخلّى عنها النظام، ثم تخلّت عنها المعارضة بائتلافها ومجلسها الوطني ومنصاتها ولجنة مفاوضاتها، النظام من جهته يريد استردادها على جثث أبنائها، يريد استعادتها مدمرة، والمعارضة لا تعيرها أي اهتمام في موقف يعيد إلى الأذهان صورة من يصم أذنيه بالعجين والطين أمام هول المجازر والفظائع والأهوال التي تشهدها المنطقة، وعلى أقل تقدير، كان من الأجدر أن يصدروا بيان إدانة يؤكد أنهم موجودون على وجه الأرض، وأنهم يشاركون الناس موتهم وصبرهم، وحده مجلس المحافظة المعين من قبل حكومة الائتلاف يتحين الفرصة لكي يقف على هرم دمارها ليحكمها بالديمقراطية المزيفة، التي تعيد إنتاج الصورة النمطية للقائد الشامل الذي لا يأتيه الباطل من يمين أو من شمال، فيما تربع النادبون من أهلنا خلف شاشاتهم الزرقاء، يترحمون على أمواتهم، ويبكون بيوتهم المدمرة، في موقف العاجز الذي لا يستطيع تقديم أي عون للأخرين.

الرقة اليوم منذورة للدمار، وناسها الطيبون ببساطتهم المعتادة، يموتون بقصف الطائرات وصواريخها العمياء، يموتون بالقنص الأسود والأصفر، يموتون بالألغام، يموتون غرقاً في نهر الفرات، الذي آنس وحدتهم على مرّ العصور، يموتون بمخيمات الذل، يموتون بالسكين والساطور، وتحت شعارات محاربة الإرهاب، وحواضن الإرهاب، يموتون لأن شرعة الأمم بمنظماتها الإنسانية تريد لهم الموت الرحيم دون أن يرف لها جفن، ودون أن ترتجف أطراف أعضاءها، أو تختلج أحاسيسهم الرهيفة، واللافت أن الجميع يريد اختبار صبر أهل الرقة وقهرهم.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة