tag icon ع ع ع

بين السعي للحفاظ على ما تبقى من حبّ جمع روضة بزوجها، والرغبة في التحرر من أعباء علاقة لم تكن جيدة بما يكفي للاستمرار، احتاج قرار الانفصال 11 عامًا حتى تُرجِم إلى فعل، إذ تمكّنت الحرب والتفاصيل التي ترتبت عليها من رسم الأسباب المباشرة، وجعل الفراق أمرًا محتومًا لا بد منه.


بين الداخل والخارج “لا معلّقة ولا مطلّقة”

“الاستخدام السيئ للإنترنت كان السبب الأهم في انفصالنا”، تقول الناشطة روضة محمد رضوان لعنب بلدي بثقة مستمدّة من قناعة كبيرة بقرارها، ثمّ تسرد بقية الحكاية التي ارتبطت بالعمل الثوري وأثر الحرب والنزوح، مستعينة على ذلك بالحديث عن طبيعة شخصيتها القوية، وأنها “أخت رجال” لا يكسرها تعب.

تلك المشاكل، التي ترتبت على استخدام طليق روضة للإنترنت بشكل “سلبي” وتوظيفه في التعرف إلى نساء أخريات، لم تجد الوقت المناسب للحل بسبب انقطاع الاتصال بين مدينة سراقب، حيث تقطن، ومدينة حلب التي أقام فيها خلال تلك الفترة، وحين اجتمعا مجددًا بعد عامين لم يجدا سبيلًا لردم الفجوة الكبيرة التي تكوّنت بينهما.

“غادر سوريا إلى تركيا تاركًا العمل الثوري، وغادرتها أنا بعد فترة لأسباب أمنية، وحين وصلت إلى تركيا علمت أنه تزوج”، وفي حين كانت روضة قادرة على تحمل مشاكل وتبعات البعد، لم تكن على استعداد للقبول بوجود “ضرّة” تشاركها الرجل الذي تحب.

قصة روضة، التي ولجت إلى تفاصيلها في لقاء مصور مع عنب بلدي، هي واحدة من مئات القصص لسيدات غيرت ظروف الحرب والنزوح سير حياتهن، وتحولن إثرها إلى “مطلقات”، وإن لم تعد الكلمة تحمل نفس الأثر الاجتماعي القديم، إلا أنها لا بد أن تحمل متاعب ومشاق لنساء أصبحن مجبرات على تحمل مشاق الغربة بمفردهن، وربما إعالة أسر بكاملها.

رانيا (36 عامًا)، هي سيدة دمشقية تعيش اليوم في مدينة اسطنبول، وتحاول أن تبحث عن أي داعم يعيل أولادها الثلاثة بعد أن تركها زوجها مطلقة وغريبة في حارات المدينة الضخمة، وقفل عائدًا إلى سوريا حيث بنى حياةً جديدة وتزوج من سيدة أخرى.

تقول رانيا، التي رفضت الكشف عن اسمها الكامل لأسباب شخصية، إن ظروف الغربة وعدم وجود عائلتها إلى جانبها، أعطت طليقها مساحة للتصرف بسلوكيات لم يكن يجرؤ على ممارستها في دمشق، منها محاولات الخيانة المتكررة والرغبة في التحرر من أعباء إعالة الأطفال وتوفير الحياة الكريمة لهم.

“كان يتحجج بعدم وجود فرص عمل مناسبة ويجبر ابنته ذات الأربعة عشر عامًا على العمل في مشغل للخياطة”، تقول رانيا لعنب بلدي، بكلمات متداخلة، وتحاول أن تضخ ألم الأعوام الماضية في مكالمة هاتفية، فتفصح جملها الاعتراضية عن رغبة جامحة في نقل معاناتها، والتعبير عن حجم المأساة التي حلت بعائلتها، واصفةً أيام التشرد والفاقة في اسطنبول، وحجم النقمة التي تكونت في نفوس الأطفال تجاه والدهم.

وكما روضة، لم تتمكن رانيا من الحصول على الطلاق المدني المثبت في المحاكم السورية، نتيجة صعوبة إجراءات التوكيل في تركيا، إذ اقتصر الأمر على الطلاق الشفهي، لتكون الواحدة منهما “لا معلّقة ولا مطلّقة”، ما يحول دون إمكانية زواجهما مرّة أخرى.

في أوروبا، لم يكن وضع النساء السوريات أفضل من تركيا، حيث تزايدت حالات الطلاق بين السوريين بشكل كبير منذ عام 2015، أي مع ارتفاع مستويات حركة اللجوء، ومع عدم وجود إحصائيات تشرح الحالة رقميًا، إلا أن الناشط المهتم بشؤون اللاجئين في ألمانيا، سالم الغنيمي، أكد لعنب بلدي انتشار الظاهرة بشكل كبير، مرجعًا ذلك إلى القوانين التي أتاحت للمرأة مجالًا من الحرية، إلى جانب تراجع تأثير العادات والتقاليد بفعل الحرب.

إلا أن الحال اختلف بالنسبة للنساء اللاتي بقين في سوريا، فبدل أن يجهدن في البحث عن استقلالهن والتخلص من أعباء سابقة، وجدن أنفسهنّ محاطات بثقل ظروف الحرب وأثر مضاعف للعادات والتقاليد، جعل من تعدد الزوجات أمرًا واقعًا وليس خيارًا، وذلك بسبب تناقص أعداد الذكور مقابل الإناث، وارتفاع أعداد الأرامل بعد وصول عدد ضحايا الحرب إلى أكثر من 500 ألف، نسبة كبيرة منهم من الذكور.

وعلى الرغم من أنّ مناطق سيطرة فصائل المعارضة شهدت حالات تعدّد زوجات أكثر من مناطق سيطرة النظام، الأمر المرتبط بتزايد نسب القتلى وتدفّق الفتاوى الشرعية التي “توجب” ذلك، إلّا أنّ عدم وجود سجلّات مدنية وتوثيق كاف حال دون حصر نسب هذه الحالات، أما في مناطق سيطرة النظام فتضاعفت نسبة حالات تعدّد الزوجات ست مرات بين عامي 2010 و2015.

لكن روضة محمد رضوان تؤكّد أنها لو لم تغادر سوريا لم يكن قرارها ليتغير، ولم تكن لتخضع لنظرات أقاربها الذين لطالما انتقدوا جرأتها وقوّة شخصيتها وأطلقوا عليها صفات غالبًا ما يلصقها المجتمع بالمرأة المطلّقة، إذ إنها تؤمن بضرورة تكامل القرارات بناء على ما يطلبه القلب ويوجه إليه العقل، على عكس رانيا، التي تجد أنّ حياتها كان يمكن أن تستمر بصورة طبيعية لولا ظروف اللجوء.

حالات الطلاق الكثيرة في الخارج، والتي تقابلها حالات تعدد الزوجات داخل سوريا، هي مفارقة ليست الوحيدة الطارئة على المجتمع السوري، وليس غريبًا من أعوام الحرب السبعة أن تخلق شروخًا في مجتمع لا يمكن أن يتجانس مجدًدا بعد أن توزّع أبناؤه في أصقاع الأرض.

لاجئة سورية في لبنان، تنتظر في المحكمة الشرعية في البقاع للبت بشأن طلاقها – آب 2016( كرستين شيك – واشنطن بوست)


“َضرّة” و”مطلّقة”.. حصيلة مواجهة السوريين مع مجتمعهم

في زخم التناقضات التي طفت على سطح المجتمع السوري بكافة أطيافه، خلال السنوات الست الماضية، لم تعد قضايا تعدد الزوجات والطلاق أمورًا مستهجنة، في مجتمع بدأت عاداته وتقاليده الموروثة تنهار بفعل المتغيرات، التي انطوت عليها ظروف النزوح واللجوء والانفلات الأمني، ليصبح المحظور مسموحًا ومرخصًا إذا ما قورن بالقتل وسفك الدماء.

تعدّد في الداخل وطلاق في الخارج

لم يكن دخول الزوجة الثانية إلى منظومة العائلات السورية جديدًا، بالعودة إلى بداية القرن العشرين، الذي كان الرجل فيه يتزوج من ثانية لأسباب شائعة في مجتمع “ذكوري”، أهمها أن زوجته الأولى لا تنجب أطفالًا، أو تنجب البنات فقط، أو لمجرد كونه ميسور الحال، وما يمهد أمامه الطريق أن زوجته الأولى تقبل “مجبرةً” كي لا تصبح “مطلّقة”.

ومع تراجع هذه الظاهرة في نهايات القرن العشرين، في مدن سورية أصبحت فيها المرأة أكثر وعيًا وجرأة على إبداء رأيها، بشكل نسبي، لم تعد الفتاة السورية تقبل أن تكون زوجة ثانية، ولم تعد الزوجة تقبل بوجود “ضرّة” في منزلها، ليكون طلاقها مقابل ذلك.

ويُستثنى من هذا التغير بعض المناطق الريفية التي تسعى بشكل أو بآخر إلى الحفاظ على موروثها الاجتماعي، ومن ضمنه تعدد الزوجات وكثرة الأبناء لاعتبارات لها علاقة بملكية الأراضي و”الوجاهة”، ليبقى مفهوم “تعدد الزوجات” متأصلًا في جذور المجتمع الريفي.

وبالمقابل، كانت ومازالت فكرة الطلاق أمرًا “مرفوضًا” في كلا المجتمعين، المدني والريفي، اللذين يحمّلان المرأة مسؤولية طلاقها، على وقع ألفاظ كـ “فاجرة، ولو فيها خير لما تطلقت”.

ومنذ عام 2011 فرضت الظروف المتغيرة، بفعل الحرب والنزوح واللجوء والانفتاح على مجتمعات غربية، حاجات ملحة انقلبت معها الموازين رأسًا على عقب، ليصبح تعدد الزوجات في الداخل السوري أمرًا ضروريًا رغم حالة عدم الاستقرار الاقتصادي والأمني في البلاد.

وبلغت نسبة تعدد الزوجات عام 2015، حسب الزيجات المسجلة في المحاكم الشرعية التابعة لمدينة دمشق، نحو 30% مقابل 5% فقط عام 2010، وفق قول القاضي الشرعي الأول في دمشق، محمود معراوي.

في حين أصبح الطلاق شائعًا بين السوريين في بلاد اللجوء، بعيدًا عن أعين المجتمع السوري، رغم حالة الاستقرار الاقتصادي والأمني التي يعيشها اللاجئون، في أوروبا تحديدًا، مقارنة بالسوريين في الداخل.

ولا توجد إحصائيات رسمية حول نسبة الطلاق بين السوريين في بلاد اللجوء، كون الظاهرة حديثة الانتشار، وقائمة بشكل أساسي على ما يشاع بين السوريين، بالإضافة إلى أن الطلاق أمر مألوف وطبيعي في المجتمعات الأوروبية التي لم تلتفت لانتشار الظاهرة بين السوريين.

التعدّد في مواجهة “العنوسة”

لم يخفَ على المجتمع السوري تزايد أعداد الإناث فيه على حساب الذكور، الذين تقلص عددهم بين قتيل ومعتقل ومفقود ومهاجر وملتحق بالخدمة الإلزامية، ليتجاوز أعداد الإناث 65% من مجمل فئات المجتمع، وفق ما صرح القاضي الشرعي الأول في دمشق، محمود معراوي، لصحيفة “تشرين” الحكومية، في شباط الماضي.

وكان الزواج من ثانية هو أحد الحلول التي اقترحها معراوي للقضاء على ظاهرة العنوسة، بالتزامن مع دعوات عدة وجهها شيوخ سوريا في المساجد وخطب الجمعة لحث الرجال على الزواج بثانية.

وراجت الفكرة في المجتمع، رغم الضجة التي أحدثتها، خاصة بعد اعتماد رجال الدين في إقناعهم للرجال على قاعدة شرعية تقول إن الزواج الثاني يصبح “حاجة ملحّة” في حال انتشار العنوسة بالمجتمع، منعًا لانتشار “البغاء” ولحماية نساء “مجبرات” على الانحراف عن الدين والعادات.

وأصبحت الفتاة السورية، اليوم، تقبل بأي زوج يكفيها ماليًا ويُشعِرها بالحماية، رغم أنها كانت لا تقبل به في الحالة العادية.

لم يختلف رأي الشيخ علاء حلواني، المقيم في مدينة إدلب، عن رأي القاضي الشرعي الأول، الذي رأى أن تعدد الزوجات هو من أكثر الطرق لمحاربة مشكلة العنوسة، حسبما قال لعنب بلدي.

وأضاف حلواني أن السنة النبوية “لم توضع اعتباطًا”، وبتعدد الزوجات ستكون نسبة العنوسة “منخفضة بشكل كبير”.

من جانبه، أكد الشيخ محمد صبيح لعنب بلدي على ضرورة ما سبق، بقوله إن “المجتمع المسلم يقضي على العنوسة بخلاف غيره من المجتمعات، التي ترتفع فيها معدلات العنوسة نتيجة الإضراب عن الزواج والانخراط في علاقات غير شرعية”.

تعدّد الزوجات “دافع إنساني”

الأزمات الاجتماعية المتعلقة بالمرأة بدت الأكثر انتشارًا لاعتبارها إحدى الفئات الأكثر تضررًا في النزاعات الدائرة في سوريا منذ ما يزيد عن ستة أعوام، ومع تجاوز عدد القتلى نصف مليون سوري، خلف الموت آلاف النساء السوريات الأرامل في مواجهة أعباء الحياة بمفردهن، وسط جدل كبير حول إيجاد حل لهن.

هنا، برز دور رجال الدين في الحث على الزواج من النساء الأرامل وزوجات الشهداء وأمهات الأيتام ذوات الحاجة المادية، وليس من الفتيات الصغيرات، ليكون الزواج الثاني من وجهة نظر رجال الدين حلًا لمشكلتين، ارتفاع نسبة العنوسة وتزايد عدد الأرامل.

وأشار الشيخ علاء حلواني إلى أن أكثر حالات الزواج الثاني انتشارًا في سوريا تكون من أرملة، بهدف “الستر عليها وكفالة أيتامها”، وتابع “قابلت كثيرين ممن يسعون للزواج من امرأة ثانية تطبيقًا لسنة رسول الله (ص)، بالإضافة لوجود دافع إنساني لدى الرجال بالزواج من أرامل الشهداء على وجه التحديد، لكي يوفر لها العيش الآمن ويقوم بتربية الأولاد”.

وبالتطرق إلى الأوضاع الاقتصادية التي أعرض الشباب السوريون بسببها عن الزواج، لعجزهم عن تحمّل مسؤولية عائلة فكيف بعائلتين؟ قال الشيخ حلواني إنه لا يوجد تأثير كبير للوضع المادي على الزواج المتعدد.

وتابع “من كان هدفه عمل الخير واتباع السنة بالتأكيد فإن الله سييسر له أمره، رغم أنه سيتعرض لبعض الضيق المادي، ولكن ليس بالحجم الكبير”.

إلا أن الشيخ محمد صبيح كان له رأي آخر، معتبرًا أن زواج الرجل من امرأة ثانية، في حال لم يكن مقتدرًا ماديًا “حرام شرعًا”، أما في حال كان مقتدرًا فيصبح الزواج “واجبًا”، وأوضح “في حال كان الزوج غير قادر على النفقة على الزوجة الثانية وتأمين حياة كريمة لها فإنه سيظلمها، وبالتالي فحكم الزواج هنا حرام”.

وأوصى صبيح الرجال المقتدرين ماديًا بالمبادرة إلى الزواج من ثانية للمساهمة في حل مشكلة العنوسة “في مجتمع شاعت فيه الأرامل وكثرت الإناث”.

طلاق نحو “التحرّر” رغم “الاستقرار”

شهدت حياة اللاجئين السوريين، في دول عدة حول العالم، متغيرات طارئة كنتيجة طبيعية لمحاولة الاندماج التي فرضتها بعض المجتمعات، وخاصة الأوروبية منها، مع تجاوز عدد اللاجئين السوريين خمسة ملايين لاجئ، ما يقارب نصف مليون منهم توجهوا نحو دول الاتحاد الأوروبي.

ولعل أبرز ما تم تداوله عن حياة اللاجئين في أوروبا هو انتشار الطلاق بشكل لم يعتد عليه السوريون في مجتمعهم المحافظ، والذي تحرروا من قيوده في مجتمعات أكثر انفتاحًا بمجال الحقوق المدنية.

ورغم أن المرأة السورية باتت أكثر وعيًا، بشكل نسبي، في السنوات القليلة الماضية للمطالبة بحقها في الانفصال عن زوجها متحديةً نظرات المجتمع “المهينة”، إلا أن أسباب وظروف الانفصال اختلفت بين سوريا وأوروبا باختلاف المجتمعين وقوانينهما.

وفي هذا المجال، أكد سالم الغنيمي، طالب علم اجتماع وباحث في شؤون اللاجئين بألمانيا، انتشار ظاهرة الطلاق بين السوريين في أوروبا، مشيرًا لعنب بلدي إلى أن الإحصائيات الرسمية غائبة لحداثة الظاهرة.

وقال الغنيمي إن الزوجة السورية في أوروبا غالبًا هي التي تطلب الطلاق، يقينًا منها أن القانون الألماني مناصرٌ وحام لها ولأطفالها، وهو نفسه الذي جعلها لا تتحمل صفات في زوجها تحملتها لسنوات في ظل القانون السوري.

وهنا وجدت المرأة السورية نفسها متحررة من نظرات واتهامات الناس في مجتمعها، والذي اضطرت بسببها إلى تحمل “ظلم” زوجها تجنبًا للقب “مطلقة” الذي يلاحقها ويلاحق أولادها كوصمة عار، وهو الجانب الذي رآه الباحث الاجتماعي “إيجابيًا” لصالح المرأة السورية.

ولعبت التسهيلات التي تقدمها الحكومات الأوروبية للمرأة المطلقة دورًا في اتخاذها قرار الانفصال، إذ تتكفل الدولة بتعليم الأطفال، ودفع أجور المنزل وتكاليف المعيشة في حال لم تكن الزوجة قادرة على العمل.

إلا أن تلك الرغبة للمرأة في التحرر تتطلب وعيًا كبيرًا من جانبها كي لا تنجر وراء صيحات التحرر التي أدت إلى تفكك الأواصر الأسرية بين السوريين، لمجرد رغبة الزوجين في التحرر من قيود الأسرة والاندماج في المجتمع الأوروبي القائم على علاقات خارج إطار الزواج.

وبالمقابل أرجع الغنيمي أسباب الطلاق في أوروبا إلى عقلية “الرجل الشرقي”، التي حملها الزوج السوري معه إلى مجتمعٍ تتساوى فيه حقوق المرأة والرجل، داعيًا اللاجئين إلى التخلص من تلك العقلية طالما أنها لا تتعدى حدود “الغلط”.

وشاع في حياة اللاجئين السوريين بأوروبا سعي الحكومات الأوروبية إلى تشجيع اللاجئات على الطلاق، عبر استجواب الزوجة فيما إذا كانت مرتاحة مع زوجها وإن كان يضربها أم لا، إلا أن الباحث في شؤون اللاجئين قال لعنب بلدي إن ذلك يكون في حالات معينة، حين ترى الدولة المستضيفة أن فارق السن كبير بين الزوجين، وهو أمر شائع في سوريا، أو في حال رأت أن الزوج “متشدد” دينيًا.


أحكام تعدد الزوجات في الإسلام.. والطلاق في القوانين الأوروبية

يحلل الدين الإسلامي، ولم يوجب، زواج المسلم من أربع نساء، انطلاقًا من الآية القرآنية “وإن خفتم ألا تُقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثْنى وثُلاث ورُباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدةً أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا”.

التعدّد حلال وليس واجبًا

ويؤكد أهل العلم أن الأمر في الآية السابقة هو أمر “إباحة” وليس “إلزام”، كما أن الإسلام قيّد تعدد الزوجات بعدة شروط، أهمها أن يكون الزوج قادرًا جسديًا (صحيًا) وماديًا، بالإضافة إلى توفر شرط “العدل” بين الزوجات، من حيث المسكن ومستوى الإنفاق وحجم الوقت الذي يمضيه الزوج عند زوجته.

أما القانون السوري، فيسمح للرجل الزواج بأربع نساء، كون قانون الأحوال الشخصية للمسلمين في سوريا، الذي يحكم الطلاق والزواج والتفريق والحضانة، مستمد من أحكام الشريعة الإسلامية، أما الأديان الأخرى فلها محاكمها الخاصة.

وتنص المادة رقم “17” من قانون الأحوال الشخصية السوري على أنه “يحق للقاضي ألا يأذن للمتزوج أن يتزوج على امرأته إلا إذا كان لديه مسوّغ شرعي، وكان الزوج قادرًا على نفقتهما”.

إلا أن القانون نفسه بدأ يتساهل مع مسألة الزواج من ثانية بعد تفشي العنوسة في المجتمع، وفق قول القاضي الشرعي الأول في دمشق، محمود معراوي، مضيفًا “في السابق كان الزواج الثاني يتطلب من القاضي التأكد من ملاءة (قدرة) الزوج اقتصاديًا، والتأكد من إمكانية تحمل أعباء مصروف أسرتين، بالإضافة إلى ألا يكون فارق السن كبيرًا بين الزوج والزوجة الثانية”.

وتابع، في حديثٍ لصحيفة “تشرين” الحكومية، ”لم نعد ندقق على شروط زواج الرجل من امرأة أخرى، وهذه الشروط بدأت تطبق عند الزواج من ثالثة، وهي حالات قليلة”.

إلا أن المحامية السورية أحلام إبراهيم، المقيمة في تركيا، قالت لعنب بلدي إن هذا القانون لم يُطبّق يومًا، حتى قبل عام 2011 وقبل انتشار ظاهرة العنوسة، إذ غالبًا يوافق القضاة على الزواج الثاني دون التحقق من “ملاءة” الزوج وقدرته المالية.

تسهيلات للانفصال في أوروبا

يختلف القانون السوري عن غيره من القوانين الأوروبية القائمة على فكرة فصل الدين عن السياسة والقانون، وغالبًا ما يُنظر إلى تلك القوانين على أنها “مُنصفة” للمرأة، في حين يتهمها البعض بتسهيل تفكك الأسرة والمجتمع.

ومع انتشار الطلاق بين السوريين في أوروبا، وفي ألمانيا تحديدًا، استغلت بعض الفتيات القانون الذي يدعم حق المرأة في طلب الطلاق دون موافقة زوجها، ويضمن استقلالها المادي عنه من تأمين مسكن وتعليم الأطفال وتكاليف المعيشة، وهو ما لا يوفره القانون السوري الذي يشترط موافقة الزوج على الطلاق.

كما أن القانون الأوروبي واضح وصريح في هذا الموضوع، إذ لا يستطيع الزوج أن يتحكّم بزوجته، ولا يستطيع أن يجبرها على العيش معه، أو أن يعاملها بطريقة مهينة ومذلة، عدا عن إمكانية زج الرجل في السجن في حال أقدم على ضرب زوجته.

وتنص المادة رقم (1) من قانون الحماية من العنف الألماني على أنه يُمنع على الزوج ممارسة الإيذاء الجسدي أو الصحي أو حجز حرية زوجته أو حتى التهديد بذلك.

أما القوانين في البلدان العربية فتعتبر أن الأسرة هي أساس المجتمع، لذا تحرص على حمايتها من التفكك وتحرص على الإبقاء عليها قدر المستطاع.

 


كيف ينظر الشارع السوري لتعدّد الزوجات والطلاق؟

زوّجوا العازبين

أجرت عنب بلدي استطلاعًا للرأي في مدينة إدلب وريف حماة حول رأي السوريين بظاهرتي تعدد الزوجات في الداخل والطلاق في الخارج.

محمد السيد، مزارع من مدينة بنش، رأى أن تعدد الزوجات يكون حسب متطلبات المجتمع، مشيرًا إلى أن التعدد في حال كان لمعالجة مشكلة زيادة أعداد الأرامل فهو بذلك يعتبر “إنسانيًا بالدرجة الأولى”، وأضاف “إن كانت نية من يتزوج أن يستر على مسلمة ويربي أولادها فهو بذلك ضرورة”.

إلا أن محمد أشار لوجود حالات زواج لرجال كبار في العمر من فتيات صغيرات نسبيًا، معتبرًا أن الزواج المتعدد في هذه الحالة يكون لـ “متعة النفس”، وأضاف “ما يتحدث به هذا الرجل عن تطبيق السنة النبوية وغيره هو تبريرات يقدمها للناس فقط”.

بينما رفض رضا الحمصي، الذي يعمل في صيانة أجهزة الحاسوب بمدينة إدلب، فكرة تعدد الزوجات، معتبرًا أنه أمر “غير صائب” في ظل تدني الأوضاع المعيشية وحالة الحرب التي يعيشها السوريون، وقال “لا أحبذ الزواج المتعدد لما فيه من مشاكل وضغوطات على الرجل”.

إلا أن المدرّس خليل الكيلاني، من مدينة حماة، دعا الرجال المقتدرين إلى تزويج الشباب العازبين وغير القادرين على تحمّل تكاليف الزواج، وقال “هناك الكثير من الشباب العازبين الذين يسعون للزواج للمرة الأولى، ومن الأفضل تزويجهم قبل تزويج الرجل المتزوج مرة ثانية”.

أما في ريف حماة فأجمع معظم المُستطلع رأيهم على ضرورة تعدد الزوجات للقضاء على العنوسة التي قد تفتح بابًا نحو انتشار “الانحلال الأخلاقي” في المجتمع السوري، خاصة مع ارتفاع أعداد الأرامل اللواتي قد يضطرن إلى “الانحراف” لتحمل أعباء الحياة، واعتبروا أن الشرع وجد حلًا لهذه المشكلة بـ “تعدد الزوجات”.

لكن في استطلاعات سابقة لعددٍ من وسائل الإعلام المحلية بين النساء أظهرت رد فعلٍ مغاير تمامًا، فرغم دفاع عدد من السيدات عن التعدد، رفضته الأغلبية وهدّدت بعضهن بالانفصال عن زوجها أو الانتقام منه.

وطالبت بعض السيدات بأن يكون الرجال واضحين في خياراتهم بالزواج مرة أخرى، حتى يتخذن قرارهن أيضًا، بينما لم تبدِ بعضهن اهتمامًا وكان رد فعلهنّ غير مبال بما قد يُقدِم عليه أزواجهن.

بينما استفسرت أخريات عن السبب الذي يدفعه للزواج في وقت يعصف الوضع الاقتصادي المتردي بالمجتمع عامةً، ولا تستطيع الأسر تأمين حياةٍ مستقرة بزوجة واحدة.

وعن الطلاق في أوروبا رأى المُستطلع رأيهم في ريف حماة أنه يعود إلى اختلاف المجتمعات الأوروبية التي تعتبر “أكثر انفتاحًا وتحررًا” من مجتمعنا السوري، والتي أُجبر اللاجئون السوريون على الاندماج فيها.

كما رأى أحد المُستطلع رأيهم أن القوانين الأوروبية المناصرة للمرأة أعطت الجرأة للزوجة السورية في طلب الطلاق بعيدًا عن عادات المجتمع الموروثة.

انقسام حول تحديد الأسباب

في استطلاع أجرته عنب بلدي عبر موقعها الإلكتروني، بدا التباين واضحًا في آراء المشاركين حول القضتين، اللتين تمسان المجتمع السوري، وأظهرت النتائج نسبًا متقاربة في الأجوبة عن سؤال: “برأيك، ما سبب انتشار ظاهرة تعدد الزوجات في سوريا؟”.

47% من المُستطلع رأيهم، وعددهم 310 مشاركين، أرجعوا سبب انتشار الظاهرة إلى ارتفاع عدد الأرامل في الداخل السوري نتيجة النزاع، واعتبر مؤيدو الفكرة أنها أفضل الحلول في مجتمع محافظ لـ “التستر” على النساء والحفاظ عليهن من “الانحلال الأخلاقي”.

فيما اعتبر 35% منهم أن السبب يعود إلى ارتفاع معدل العنوسة في سوريا، منتقدين الظروف التي تعرض لها الشباب السوريون من اعتقال وهجرة وقتل، ما أسهم في ارتفاع نسبة الإناث في المجتمع السوري إلى 65%.

أما النسبة الأقل، وهي 18%، اعتبرت أن تعدد الزوجات يعود إلى دعوات رجال الدين وحثهم للرجال على ما يعتبرونه “إنقاذًا للمجتمع” من مشاكل أخلاقية قد تؤدي إلى انهياره، عبر الزواج من ثانية وإن اضطر الأمر من ثالثة.

إلا أن الانقسام في الآراء بدا أوضح في تحديد أسباب انتشار الطلاق بين السوريين في الخارج، وأظهرت النتائج نسبًا متقاربة في الإجابة على سؤال: “برأيك، ما سبب زيادة حالات الطلاق بين السوريين في بلدان اللجوء؟”.

36% من المُستطلع رأيهم رأوا أن السبب يعود إلى رغبة أحد الزوجين في التحرر من قيود الأسرة والاندماج في المجتمع الجديد، في حين رأى 33% منهم أن الأمر يعود إلى تراجع ضغوط وقيود المجتمع السوري الرافض لفكرة الطلاق.

أما 31% فرأوا أن القوانين المناصرة للمرأة في بعض بلدان اللجوء، خاصة القوانين الأوروبية، أسهمت في تشجيع المرأة على “التحرر” من زوجها الذي “فقد سيطرته عليها”، وسط انقسام بين إيجابية وسلبية الظاهرة.

مقالات متعلقة