كيف تستعد انقرة للاستانة 6؟

tag icon ع ع ع

سمير صالحة – المدن

بعد مرور عام على عملية “درع الفرات” التي اطلقتها تركيا في الرابع والعشرين من اغسطس/ اب 2016 وحققت معها احد اهم اهدافها في ابعاد وحدات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي ومجموعات تنظيم داعش عن حدودها الشمالية بالتعاون مع قوات “الجيش السوري الحر”وإقامة منطقة آمنة للنازحين واللاجئين السوريين رغم ان مساحتها لم تصل الى الخمسة الاف كلم التي كانت تطمح لها ورغم فشلها في اخراج الوحدات الكردية من مدينة منبج التي احتمت بالعلم الاميركي ، تجد حكومة العدالة والتنمية نفسها اليوم وجها لوجه امام مازق ادلب بعد دخول وحدات جبهة النصرة المدينة والسيطرة عليها.

الخدعة الروسية في الاستانة 5 كانت واضحة منذ البداية : الاتفاق العلني الرسمي مع انقرة وطهران على مسرحية “مناطق تخفيف التوتر” في سوريا ثم توقيع صفقة تفاهمات مع واشنطن في جنوب البلاد وشرقها تسهل عودة النظام السوري الى العديد من المناطق التي خرج منها وتطلق يد حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في الرقة مكبلة بذلك يدي الحليفين التركي والايراني . الكارثة كانت بالنسبة للاتراك مفاجأة فتح الابواب امام مجموعات جبهة النصرة للسيطرة على مدينة ادلب حيث كانت تضع تركيا اللمسات الاخيرة على خطة دخولها عسكريا بالتنسيق مع الجيش السوري الحر وبموافقة روسية كحد ادنى.

الموجع اكثر بالنسبة للاتراك كان ترحيب الشريك الأممي ستيفان دي ميستورا بالجهود الروسية التي بذلت في اللقاء الثلاثي الخامس في العاصمة الكازاخية ، ووصفها بأنها تحرك في الاتجاه الصحيح ثم اعلان الخارجية الأميركية انها “تقدّر جهود التهدئة التي بذلتها الدولتان الضامنتان، روسيا وتركيا ” لكننا نرى خريطة تفاهمات اميركية روسية من تحت الطاولة غير التي انجزت فوقها كانت تركيا المتضرر والخاسر الاكبرفيها.

الدبلوماسية التركية كانت تمني النفس في لقاء كازاخستان الخامس مع روسيا وايران في الوصول الى تفاهمات عسكرية وسياسية في بقعة جغرافية واسعة تشمل إدلب وأجزاء من حلب واللاذقية وحمص وحظر تحليق الطيران السوري، وتسهيل  إدخال المساعدات الغذائية والصحية ، والتقاط الانفاس على جبهة شمال غرب سوريا بهدف التركيز على مناطق شمال شرقها حيث يتقدم مشروع الكيان الكردي الانفصالي برعاية اميركية ، فوجدت انقرة نفسها وجها لوجه مع النصرة في ادلب اولا، ثم امام اعلان الثنائي الاميركي الكردي عن استعداده لتقديم الخدمات على جبهة ادلب اذا ما كان ثلاثي الاستانة عاجزا عن ذلك ثانيا، واعلان أنقرة ثالثا انها وقعت الاتفاق الاخير في الاستانة لأنه يجنبها خطر انفجار أزمة لجوء جديدة من إدلب بعدما شعرت أن النظام وإيران يتمسكان بالدخول إلى هذه المناطق للسيطرة عليها وتشريد سكانها وتغيير بنيتها العرقية والدينية.

كان الرئيس التركي يردد من موسكو خلال لقائه الاخير بنظيره الروسي “أنا مقتنع اليوم بأن الرئيس بوتين يريد إنهاء المأساة في سورية” وكان السؤال يطرح حول احتمالات اتساع رقعة التنسيق التركي الروسي في سورية فاكتشفت انقرة ان موسكو كانت تفاوض من خلف ظهرها اميركيا وايرانيا على فتح الطريق اكثر فاكثر امام قوات النظام في شمال سوريا وشرقها وان ما قيل لها من روسيا عن أن نظام الأسد لم يعد شرطا أساسيا في مستقبل سورية الجديدة كان مطبا روسيا لجرها الى طاولة التوقيع في الاستانة وضرب اسفين بينها وبين قوى المعارضة السورية وتعزيز فرص التفاهمات الاميركية الروسية على حسابها هي قبل غيرها.

لا يمكن لانقرة وهي تستعد للقاء الاستانة السادس الذي لم يعلن موعده بعد ان تنسى ان المعارضة السورية قبلت بالكثير في الاجتماعات السابقة وتخلت عن شرط الالتزام بتنفيذ بنود اتفاقية انقرة الثلاثية ارضاء لتركيا واحتراما لتحالفاتها معها فيما كان الاعلام التركي يشيد بتحركات الدبلوماسية التركية على خط جنيف الاستانة موسكو بعد اكتشاف أنقرة لنقاط الضعف الروسية في الملف السوري والتأكد من حاجة الكرملين إليها لقطع الطريق على العودة الأمريكية الى سوريا. شركاء أنقرة الاقليميين منحوها الفرصة  التي كانت تَبحث عنها في الملف السوري فلا يمكن لها ان تفرط بهذا الدعم المشروط  حيث لا تَملك اتخاذ القرار بمفردها هنا.

انقرة مرة اخرى وسط حالة من التخبط  في المشهد السوري وتحديدا في القرارالواجب اتخاذه في ادلب: العلاقات السياسية والتجارية التركية والروسية تتقدم بسرعة وتركيا أرادت قلب المعادلات في إدلب عبر التفاهم مع موسكو على ممر إنساني بين إعزاز وتل رفعت يوفر لها تأمين الحماية للمدنيين وإبقائهم في أراضيهم . لكن تركيا التي قبلت اتفاق الاستانة الاخير الذي طبقته موسكو بالتنسيق مع واشنطن بدلا من الحليفين التركي والايراني هي تعرف اليوم ايضا ان خطوة الاستانة المقبلة ستكون اكثر كلفة واشد خطورة فهل تغامر بإضرام النار في سفن العودة على طريق ادلب وتتحرك عسكريا بمفردها لقلب المعادلات هناك رأساً على عقب وهي تعرف ان ذلك يعني عودة التوتر بين موسكو وأنقرة وإعادة ترتيب اصطفافات إقليمية ودولية جديدة؟

روسيا كانت قبيل اجتماعات الجولة الخامسة في الاستانة تردد أن الدول الضامنة توشك على الانتهاء من إعداد الوثائق الخاصة بمناطق خفض التصعيد، ونظام الرقابة وكيفية عمل تلك المناطق ومسألة تشكيل هيئة سورية للمصالحة الوطنية لكنها في مكان اخر توجهت لبحث ما ترفضه انقرة بشدة مثل مسودة دستور سوري أعد في موسكو ونقاشات الجوانب الرئيسية للتسوية السورية مع الاميركيين انفسهم . وزير الدفاع الروسي يتحدث ومن دون تردد عن تقاسم مناطق العمليات في الأجواء السورية بين القوات الأميركية والقوات الروسية في التنف جنوب سوريا وشرقي نهر الفرات، فأين الحصة التركية؟

موسكو أرضت انقرة في لقاء أستانة 4 في مطلع مايو / أيار الماضي باقتراح إقامة “مناطق خفض التوتر” ونشر وحدات من قوات الدول الثلاث لحفظ الأمن في مناطق بينها ادلب فوجدنا النصرة تتحرك للسيطرة على المدينة على مرأى ومسمع الدول الضامنة الثلاث. لا بل لماذا يغضب رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم ويعلن اليوم إن بلاده، هي من يدفع ثمن عدم الاستقرار الحاصل في عفرين وإدلب؟

الرسم البياني لمعركة سيف الفرات المرتقبة كما تقول المصادر العسكرية التركية يشير إلى أنه سيشمل العديد من المواقع الاستراتيجية المهمة وأبرزها جنوب اعزاز وصولا إلى كفرنايا مرورا بنقاط جيو استراتيجية مثل عين دقنة وتل رفعت ،  قصف جوي مركز على مناطق تمركز قوات سوريا الديمقراطية في عناز والشيخ عيسى و دارة عزة و قلعة سمعان و أطمة، باب الهوى، ثم التركيز على محاصرة مدينة عفرين الاستراتيجية.

فهل تنفذ تركيا عملية عسكرية من هذا النوع قبل اجتماع الاستانة السادس لتحسين موقعها الميداني والسياسي في شمال سوريا ام انها ستترك الروس يناورون نيابة عنها وبإسمها مرة اخرى؟




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة