عودة طريق الحرير للاجئين

هل فتحت تركيا أقفال موجات اللجوء إلى أوروبا؟

لاجئ سوري يعيش في قبرص يقبل أيدي اطفاله بعد وصولهم إلى مخيم للاجئين - 13 أيلول 2017 (رويترز)

camera iconلاجئ سوري يعيش في قبرص يقبل أيدي اطفاله بعد وصولهم إلى مخيم للاجئين - 13 أيلول 2017 (رويترز)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – رهام الأسعد

ما إن أغلقت أوروبا الباب على نفسها وبدأت بترتيب أوراق اللجوء المكدسة فوق رفوفها، بعد الموجة “غير المسبوقة” التي شهدتها عام 2015، حتى بدأت ملامح موجة جديدة تلوح في الأفق الواصل بين تركيا واليونان، بوابة الاتحاد الأوروبي.

مع استقبالها ما يزيد عن 1.2 مليون طالب لجوء، باتباعها سياسة الباب المفتوح أمام اللاجئين، قررت الدول الأوروبية مطلع عام 2016 ضبط تدفقهم، عبر إغلاق بعض الطرق وتشديد الرقابة على حدودها وإبرام اتفاقيات أسهمت بانحسار كبير في أعداد الوافدين بنسبة 87% مقارنة بعام 2015.

أكبر دفعة تصل اليونان

في العاشر من أيلول الجاري، وصل ما يزيد عن 300 لاجئ سوري إلى جزيرة قبرص اليونانية من تركيا عبر بحر إيجة، كأكبر دفعة تصل إلى اليونان بعد عام 2011، بحسب ما أعلنت الشرطة المحلية.

إلا أن تلك الدفعة سبقتها دفعات “مفاجئة” ارتفعت وتيرتها خلال الشهرين الماضيين، بعد ركود دام ما يزيد عن عام ونصف، وسط أنباء عن تخفيض خفر السواحل التركي رقابته على شواطئ بحر إيجة منذ بداية شهر آب الماضي.

ففي الثالث والرابع من أيلول الجاري وصل ما يزيد عن 350 لاجئًا إلى الجزر اليونانية متوزعين على ثمانية قوارب، وسبقهم في 23 آب الماضي 26 لاجئًا سوريًا إلى اليونان، كما وصل 40 لاجئًا، بينهم أطفال، إلى جزيرة ميتليني اليونانية، في 14 آب الماضي، معظمهم سوريون من مدينة موحسن في دير الزور، قدموا من تركيا بطريقة “غير شرعية”، وفق بيانات وزارة الداخلية التركية.

اتفاق الهجرة في “خطر”

عقب الاتفاق الشكلي الذي أبرمته دول الاتحاد الأوروبي مع أنقرة، في آذار 2013، لمنع تدفق طالبي اللجوء من تركيا إلى اليونان، ظنت تركيا أنها ستُحصّل من الاتحاد الأوروبي ما عجزت عن تحصيله خلال عقود من الزمن.

تعهدت أنقرة بموجب الاتفاق باستعادة المهاجرين الذين سافروا بطريقة “غير قانونية” إلى الاتحاد الأوروبي، مقابل وعود بالسماح للمواطنين الأتراك بالسفر إلى دول الاتحاد دون تأشيرات دخول.

كما وافقت أيضًا على منع المهاجرين غير الشرعيين من العبور إلى اليونان، مقابل مساعدات مالية للاجئين السوريين على أراضيها، وتسريع محادثات الانضمام إلى الاتحاد.

ومع فشل كل الوعود الأوروبية للجانب التركي، رغم التزام الأخيرة نسبيًا بضبط حدودها، أصبح اتفاق الهجرة ورقة ضغط تهدد بها أنقرة في كل صدام سياسي مع إحدى دول الاتحاد الأوروبي.

وبات واضحًا أن اتفاق أوروبا مع تركيا ليس مستقرًا، حين ألمح رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، أواخر 2016 الماضي، إلى أن الاتفاق التركي- الأوروبي حول اللاجئين يواجه خطر الإلغاء.

كما صرح الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أكثر من مرة أنه يريد إعادة النظر باتفاق الهجرة، إلا أنه لم يُلغَ حتى الآن.

خفر السواحل التركي.. الحاضر الغائب

تشهد العلاقات الأوروبية- التركية تصعيدًا واضحًا من الطرفين، وعزا رئيس رابطة المحامين السوريين، غزوان قرنقل، سبب عودة موجة اللجوء إلى تأزم تلك العلاقات.

وقال قرنفل، في حديث إلى عنب بلدي، إن تركيا قد تستغل سواحلها ووجود ما يقارب ثلاثة ملايين سوري على أراضيها لتحصل على تنازلات من الاتحاد الأوروبي، على حد تعبيره.

ومع عودة موجة اللجوء عبر تركيا، خلال الشهرين الماضيين، يبدو أن أنقرة قررت فتح أقفالها أمام اللاجئين السوريين على أراضيها، خاصة بعد تبدد أحلامها بالانضمام للاتحاد الأوروبي حين صرحت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، في مناظرة تلفزيونية لها، مطلع الشهر الجاري، بأن تركيا “لن تصبح أبدًا عضوًا في الاتحاد الأوروبي”.

إلا أن المحامي قرنفل استبعد أن تتكرر موجة اللجوء ذاتها التي شهدها العام 2015، موضحًا “قلنا للسوريين مرارًا وتكرارًا إن أوروبا لن تعيد فتح أبوابها أمامكم، ومع ذلك مايزال البعض يدفع آلاف الدولارات ليبقى محتجزًا في اليونان”.

وتدهورت العلاقات الألمانية- التركية، عقب محاولة الانقلاب في تركيا، والتي تبعتها اعتقالات عدة وتعزيز لصلاحيات الرئيس، الأمر الذي أغضب أوروبا، معتبرةً أنه “قمع للحريات”.

ومع ذلك تحاول تركيا دائمًا إثبات حسن نيتها، بالقول إن سواحلها مازالت تحت المراقبة، معلنةً احتجازها لعدد من طالبي اللجوء أثناء محاولتهم خوض البحر نحو أوروبا.

ماذا بعد اليونان؟

من وجهة نظر المحامي قرنفل، فإن مصيرًا مجهولًا ينتظره اللاجئون العالقون في اليونان بعد احتجاز ما يزيد عن 60 ألف طالب لجوء في مخيمات ومراكز إيواء، مستغربًا من أن بعض السوريين مازالوا يفكرون في هذا الخيار، في حين ينتظر بعض أولئك اللاجئين لم شملهم بذويهم الذين انتقلوا إلى دول أوروبا الغربية، أما القسم الآخر فينتظر آملًا بإيجاد طريق أو اتفاقية ما تنقلهم إلى ألمانيا أو النمسا أو إحدى دول غرب أوروبا.

إلا أن قرنفل ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، حين قال إن مستقبلًا قد يُرسم للاجئين السوريين في اليونان، مع إنشاء ما يسمى مناطق “خفض التوتر” في سوريا، والتي قد يُجبر أولئك اللاجئون على العودة إليها.

وتابع “نحن أمام أزمة حقيقية، والناس للأسف غير مدركة لما قد يحدث لها”.

ونصح اللاجئين بعدم المخاطرة بأرواحهم وأموالهم ومستقبلهم بالهجرة إلى اليونان، مفضلًا بقاءهم في تركيا أو العودة إلى مناطقهم “الآمنة” في سوريا.

طرق جديدة دشنها المهربون 

بعد إغلاقها طريق البلقان، في آذار 2016، الذي كان واجهة عبور مليون طالب لجوء إلى أوروبا في العام الذي سبقه، واجهت دول الاتحاد الأوروبي تحديات أخرى تمثلت في احتجاز ما يزيد عن 60 ألف طالب لجوء في اليونان ونحو ثمانية آلاف في صربيا.

يبدأ طريق البلقان من تركيا حيث ينتقل اللاجئون منها بحرًا إلى اليونان أو برًا إلى بلغاريا، ومن هناك باتجاه الشمال نحو سلوفينيا أو هنغاريا، ومن ثم إلى ألمانيا أو النمسا أو غيرها من دول أوروبا الغربية.

وقد بدأ اللاجئون يسلكون طريق البلقان إلى أوروبا عام 2012، حين خفف الاتحاد الأوروبي القيود المفروضة على تأشيرات الدخول لمواطني دول البلقان.

إغلاق طريق البلقان دفع المهربين وتجار البشر إلى البحث عن بدائل من أجل الوصول إلى دول الاتحاد الأوروبي، فدشنوا طرقًا جديدة غابت عنها الرقابة، عبر البحر الأسود إلى رومانيا، وعبر مضيق جبل طارق في البحر المتوسط إلى إسبانيا.

ووفق ما قال مدير المكتب الإقليمي لشؤون الاتحاد الأوروبي بالمنظمة الدولية للهجرة، أوجينيو أمبروسي، لوكالة الأنباء الألمانية (DPA)، في 12 أيلول الجاري، فإن عدد المهاجرين الذين وصلوا عبر هذه الطرق “قليل نسبيًا”.

وأردف “إلا أن هذا العدد القليل دليل على أن مهربي وتجار البشر يبحثون عن بدائل من أجل مواصلة نشاطهم”.

وتشير إحصائيات منظمة الهجرة الدولية إلى أن عشرة آلاف و300 شخص وصلوا إلى إسبانيا عبر المتوسط عام 2017 فقط، ما يمثل أربعة أضعاف العدد في الفترة نفسها من عام 2016، في حين وصل المئات إلى رومانيا عبر قوارب صغيرة في البحر الأسود.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة