الحرب المقبلة

tag icon ع ع ع

مهند الحاج علي – المدن

ليس من مصلحة حزب الله خوض حرب مع إسرائيل اليوم. هذا واقع. لكن مثل هذه الحرب، والتلويح أو التهديد بها، باتا من أركان الخطاب السياسي للحزب، بحيث من الصعب الاستغناء عنهما. التباهي بالقدرة الخارقة على استهداف اسرائيل، وتخيل نوعيات العمليات ضدها، برّاً وبحراً وجواً، في أي حرب مقبلة، ليسا عاملين مساعدين في الحفاظ على الأمن والاستقرار.

بيد أن الردع الطويل الأمد والانهماك به مكلف جداً، وقد أنهك قوة عُظمى مثل الاتحاد السوفييتي حتى انهياره، فما بالك بحزب في دولة غارقة بالعجز الاقتصادي والفساد. ومشكلة توازن الرعب في حالتنا، عدم استوائه، إذ يعتمد على قدرة جمهور الحزب، أي الشيعة اللبنانيين، على القبول بتضحيات جسيمة، مادياً وبشرياً ونفسياً، مقابل عدم قدرة اسرائيل على ذلك. وهذا “الضعف” الاسرائيلي على تحمل الضحايا، يُترجم سياسياً بإطاحة حكومات لو كانت الخسارة فادحة.

والمضحك المبكي هنا أن سقوط حكومة اسرائيلية وفقاً لهذا المنطق يُعد انتصاراً. هكذا احتفل الممانعون باستقالة رئيس الأركان الاسرائيلي دان حالوتس غداة حرب تموز عام 2006، باعتبارها إنجازاً، رغم أنها مفيدة لاسرائيل وتأتي ضمن اطار مراجعة للإخفاقات السابقة. حتى حالوتس المستقيل وضع خطوته في هذا الإطار، قائلاً في كتاب استقالته: ”أتحمل تبعة نتيجة الحرب بالنسبة إلي، ان مفهوم المسؤولية هو كل شيء“.

لا يسأل أحد، حتى في صفوف القوات الدولية المنتشرة على الجانب اللبناني من الحدود، عمّا إذا كانت الحرب المقبلة ستقع أم لا، بل متى ستحدث؟ ووفقاً لمقال نشره مسؤول دفاعي أميركي سابق في موقع ”ذي أتلانتك“، فإن مسؤولين في الاستخبارات والجيش الاسرائيليين يُنذرون نظراءهم الأميركيين منذ سنتين، بأن حرباً قبيحة جداً ستقع مع ”حزب الله“. واسرائيل قادرة على ارتكاب القباحات، ولديها سجل حافل في مجال قتل المدنيين الأبرياء وتدمير البنى التحتية والعقاب الجماعي.

لإسرائيل قدرة على التدمير تفوق بأضعاف ما يملكه الحزب، وليست منهمكة بحروب على جبهات مختلفة وطويلة الأمد. كما تضاعفت هذه القدرة مقارنة بالسنوات الماضية، علاوة على وجود شريك فعلي في البيت الأبيض بإمكانه تغطية فظائع الجيش الاسرائيلي عند حصولها بحجة مكافحة الارهاب.

والحُجة الظاهرة لأي حرب اسرائيلية هي عمل ”حزب الله“ على فتح جبهة في الجولان على غرار جنوب لبنان. وما الروايات عن انتشار 10 آلاف مقاتل من الحزب قرب الجولان، وهي مُضخّمة بالتأكيد، سوى محاولة لزيادة التوتر. ذاك أن مسؤولين اسرائيليين يضغطون من أجل تنفيذ ضربة على لبنان، ويرون في حرب سوريا فرصة سانحة، سيما أن الأطراف المعنية لم ترد على غارات اسرائيلية ضد قوافل ”حزب الله“ على أراضيها، رغم أن عددها تجاوز المئة، وفقاً لقائد سلاح الجو السابق أمير إيشيل. بعد نهاية الحرب السورية، قد لا تمر مثل هذه الغارات بلا رد أو تصعيد. لذا فإن النافذة الزمنية لفرصة شن الحرب، تضيق.

لا يملك الحزب رؤية مشابهة، بل يعتبر خبرته ضد الفصائل المبعثرة وقليلة الخبرة في الميدان السوري، مكسباً بالإمكان البناء عليه في أي مواجهة مع الجيش الاسرائيلي. كما لم يعد التهديد بالصواريخ المتوسطة المدى فاعلاً في ظل نظام القبة الحديدية القادر على اعتراضها، كما حصل في حرب غزة الأخيرة. ولا إمكانية لافتتاح مواجهتين في الوقت عينه داخل لبنان وسوريا.

يبقى هناك رهان صغير على ما تبقى من السياسة في الحزب لتجنيبنا دماراً بالإمكان تفاديه.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة