عذابات الرقة لا تحتمل “الأستذة”

tag icon ع ع ع

ساعات تفصل الرقة عن التحرير الكامل وطي صفحة سوداء من تاريخ هذه المدينة، خلال ثلاث سنوات من حكم تنظيم داعش.

كان من سوء حظ هذه المدينة أن العالم تعرف عليها كعاصمة لأشد تنظيم إرهابي ظهر في سوريا خلال سنوات الحرب، وباتت المدينة منطلقًا لتوسع داعش في مناطق مجاورة، ومنها محاولته احتلال كوباني وما رافق ذلك من دمار المدينة وتشريد سكانها كاملًا.

وتبدو مرحلة ما بعد التحرير اختبارًا حاسمًا لمجلس الرقة المدني الذي تشكل بدعم من التحالف الدولي. وفي الاجتماع الذي عقد في بلدة عين عيسى منتصف شهر أيلول الماضي تم إعلان جاهزية كافة لجان المجلس، حيث ستكون كل لجنة مسؤولة عن حي من أحياء المدينة لتتظيم أمورها في مرحلة إعادة الإعمار، مثل لجنة المياه ولجنة إزالة الألغام ولجنة مساعدة المدنيين.

لدى المقارنة بين المدن التي تم طرد داعش منها بدعم من التحالف الدولي، فإن الرقة ستكون -وفقًا للاستعدادات المسبقة- محطة لأسرع عملية إعادة إعمار، وقد يعود تسريع وتيرة العمل في هذا المجال بشكل استثنائي إلى درجة الدمار الكبيرة، التي لحقت بالمدينة خلال معارك التحرير.

في عمليات التحرير السابقة التي قادتها قوات سوريا الديمقراطية لم يقدم التحالف الدولي مساعدات مباشرة في منبج والشدادي والطبقة، على عكس ما ظهر حتى الآن من تعهدات مالية مباشرة لإعادة الحياة للرقة. والأرجح أن الرقة على المدى البعيد ستتحول إلى مركز مدني مزدهر للبلدات والمدن المجاورة، والأكثر من ذلك فإن تحضيرات إعادة الإعمار تكرس انفصالًا خدميًا وإداريًا تامًا عن النظام السوري الذي ترابط قواته جنوب المدينة.

هذه هي المرة الأولى التي يعلن فيها التحالف الدولي التزامه بإعادة إعمار مدينة محررة، وهو ما لم يفعله في الموصل ولا المدن العراقية الأخرى. في تصريح لنائب قائد التحالف، روبرت جونز، بتاريخ 23 تموز الماضي، نوّه إلى أن هذا الدعم لن يقتصر على النواحي الخدمية، بل أيضًا السياسية، وبذلك ستكون الرقة المدينة الأولى التي تكون تحت إشراف مباشر للتحالف الدولي.

هذه الأفضلية لا تخفي حجم الدمار الكبير والجراح الكبيرة التي خلفها تنظيم داعش على السكان، لذلك فإن خطط إعادة الإعمار جاهزة، لكن ماذا عن البيئة السياسية العامة التي سترافق هذه العملية.

في ظل تراجع فصائل المعارضة وانحسار نفوذها في مناطق ضيقة من سوريا فإن البديل عن التحالف لن يكون سوى أحد طرفين: إما داعش أو النظام، وكلا الطرفين يشكلان بيئة طاردة للسكان في المناطق التي يدخلانها حديثًا، وهو ما ظهر في دير الزور. لذلك فإن بعض الأصوات التي تصوّر مرحلة ما بعد داعش بأنها انتقال من احتلال إلى احتلال يعد دعوة إلى عدم الاستقرار، وتحريضًا على فصل جديد من الفوضى. ولم تشهد المدن المحررة سابقًا، مثل منبج، أي انتهاكات تدعم وجهة النظر الترهيبية التي لا تستطيع بالضبط تحديد ما تريده وتقتصر فقط على إعلان ما لا تريد، وهو استمرار لنهج سابق أسهم في تعزيز الفوضى السائدة في المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام.

إن طي مرحلة داعش تحتاج إلى مقاربات مسؤولة تأخذ في الاعتبار نقاط القوة والضعف في وضع المدينة. والوضع الماثل أمامنا في دير الزور من الممكن تفاديه في الرقة، فلا يمكن بناء رؤية مستقبلية على فكرة “ما لا نريد” وغياب إمكانية الكشف عن “ما نريد“، وهذه الرؤية تصب مباشرة في صالح بقاء داعش في المناطق التي تحتلها، باعتبار أن القاعدة هي “لا نريد كل من يحرر هذه المناطق من داعش“، وبسبب عدم وجود بديل واقعي لأصحاب هذا الرأي، فإن من يأتي يكون دائمًا الطرف الذي لا يريدونه.

عذابات الرقة لا تحتمل “الأستذة” ممن لا مؤهلات لهم لممارسة هذا الدور.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة