الأسد يفرض شروطه

“تخفيف التوتر” يحرّك عجلة المصالحات في درعا

camera iconطفل يأخذ قسطًا من الراحة أثناء عودته مع عائلته إلى سوريا من الأردن - 29 آب 2017 (AFP)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – درعا

تقترب محافظة درعا من الدخول في شهرها الثالث من اتفاقية “تخفيف التوتر” التي تم توقيعها تموز الماضي بين المعارضة السورية والجانب الروسي، وأوقفت بموجبها جميع العمليات العسكرية بين الطرفين.

وبينما أتاح الاتفاق الفرصة أمام فصائل المعارضة لالتقاط الأنفاس، وفتحت المجال أمام الهيئات الإغاثية وفعاليات المجتمع المدني لتحريك عجلة المشاريع التنموية، أعطى النظام المبادرة لإعادة تحريك ملف “المصالحات”، والذي فشل في تحريكه لأشهر عدة.

ملف المدن والبلدات المهجّرة كان أول ما تم تحريكه، إذ أوصل غياب المعارك وفقدان المعارضة لأي أوراق قوة تفرضها على النظام عددًا من أهالي هذه المناطق إلى نتيجة، مفادها أن “العودة إلى منازلنا التي هجّرنا منها لن يمر إلا عبر التفاوض مع النظام”، بحسب ما قاله مصدر من وفد التفاوض عن أهالي مدينة الشيخ مسكين.

النظام يفرض شروطه

وأوضح المصدر (طلب عدم ذكر اسمه) لعنب بلدي أن “الوفد تم تشكيله من عدد من الشخصيات المعروفة لدى جميع أبناء البلدة بهدف إعادة الأهالي إلى منازلهم بعد تباطؤ فصائل المعارضة عن فعل ذلك”.

وقال إنه “منذ سيطرة قوات الأسد على مدينة درعا رفضت الفصائل القيام بأي عمل عسكري لإعادة تحريرها رغم توفر كامل الإمكانيات، ليصل الأهالي إلى قناعة مطلقة أنهم كانوا ضحية اتفاقيات لتسليم المدينة لقوات الأسد”، مضيفًا أن “جميع المدن المهجّرة حاليًا، تم منع الفصائل من أي عمل عسكري لإعادة تحريرها”.

وتعتبر مدينة الشيخ مسكين وبلدات خربة غزالة وعتمان ونامر ودير العدس من أبرز المناطق التي سيطرت قوات الأسد عليها في محافظة درعا بعد تهجّير كامل أهلها، وانقطعت أي معارك من طرف المعارضة المسلحة تهدف لاستعادة السيطرة عليها.

وأمام هذه المعطيات استطاع وفد التفاوض عن أهالي مدينة الشيخ مسكين عقد اجتماع للتفاوض مع ممثلين عن النظام في مدينة إزرع، لم تخرج طلبات النظام فيه عمّا كان يتوقعه الوفد، بحسب المصدر الذي أشار إلى أن الأعضاء كانوا يعلمون أن النظام في “موقف قوة”، وكانت شروطه للمصالحة متوقعة.

وتركزت شروطه على تسليم كميات من الأسلحة، وتطويع عدد من أبناء البلدة في صفوف ميليشيا “الدفاع الوطني”، إلى جانب عودة المنشقين للخدمة في قوات الأسد من جديد، بينما لم يقدم النظام في المقابل إلا وعودًا مؤجلة.

وقال المصدر في الوفد إن “النظام وعد بعودة الأهالي تدريجيًا بعد المصالحة، والكشف عن مصير المعتقلين، إلا أنه اشترط تأجيل التنفيذ إلى ما بعد إتمام المصالحة بشكل كامل”.

وفد التفاوض تائه بين النظام و”دار العدل”

ولم تتوقف خيبة أمل وفد التفاوض هنا، لتلقي محكمة “دار العدل في حوران” القبض على أعضاء الوفد بدعوة السعي لإجراء مصالحات مع نظام الأسد، قبل أن تعاود إطلاق سراحهم بعد عدة أيام بعد دفعهم لكفالات مالية.

واعتبر المصدر أن “على المحكمة أن تعمل قبل اعتقالنا ونحن نسعى لإعادة الأهالي لمنازلهم على اعتقال من يكدس الأسلحة والذخائر ويبيعها، وينفذ الأوامر الخارجية بمنع المعارك ضد قوات الأسد، وبمن يتاجر مع حواجز النظام سرًا، والأهم من ذلك أن تعتقل من يسلم الأسلحة لقوات الأسد لأهداف شخصية”.

ووصف ما قامت به المحكمة بأنه “محاولة لإظهار سلطتها وقوتها كجهة قضائية، لكنها لم تستطع إظهار هذه السلطة إلا على الضعيف وعجزت أمام كثيرين”.

وحذّر من غضب أهالي المدن والبلدات المهجّرة من الأوضاع الحالية التي يعيشونها، معتبرًا أن الرسالة التي أرادت محكمة دار العدل والفصائل إيصالها هي “لن نسمح لكم بالتفاوض مع النظام للعودة”.

المجالس العسكرية تنفي “التصالح”

رغم أن ملف مصالحة الشيخ مسكين، تصدّر الحديث الإعلامي مؤخرًا، إلا أنه قد لا يكون الوحيد وسط شائعات طالت العديد من البلدات الأخرى، كإنخل وكفر شمس وداعل، الأمر الذي دفع المجالس المحلية والفصائل العسكرية في هذه البلدات إلى إصدار بيانات شديدة اللهجة لنفي هذه الشائعات.

وأصدرت فصائل المعارضة العاملة في بلدة كفر شمس بيانًا موحدًا توعّد “بالضرب بيد من حديد كل من تسول له نفسه التجارة والتسلق على دماء شهدائنا”، في إشارة لمن يروج للمصالحات.

في مقابل ذلك، أصدر المجلس العسكري في مدينة داعل بيانًا نفى من خلاله جميع الأحاديث عن المصالحة في المدينة، معتبرًا أن تداول هذا الأمر هو “عمل جبان، بتحريك من مخابرات النظام لخلق فتنة داخل المدينة وعلى مستوى المدن المحررة”.

إلى جانب ما سبق، أصدرت الفصائل العسكرية والمدنية في مدينة إنخل بيانًا موحدًا توعدت فيه من يروج للمصالحات “بالضرب بيد من حديد وتعريض نفسه للمداهمة والاعتقال والمحاسبة”، مستندة في بيانها إلى التعاميم الصادرة على محكمة “دار العدل” في حوران.

توقّف المعارك على طول الجبهة الجنوبية طوال أشهر “تخفيف التوتر” الماضية دفع بالأهالي إلى التفكير أكثر بما يحمله المستقبل للمنطقة الجنوبية، فمازالت معظم مدن وبلدات المحافظ الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة تعاني ترديًا في الأوضاع المعيشية، وسط فقدان شبه كامل للموارد الذاتية، مع اعتماد هذه المناطق على ما يورده النظام إليها من محروقات ومواد بناء، إلى جانب ما تتكفل الأردن بإدخاله من مساعدات غذائية وتجهيزات مختلفة، الأمر الذي استغله النظام بشكل جيد مرسلًا العديد من الوسطاء، الذين بدؤوا بتحريك الوفود في أكثر من بلدة، معيدًا ملف المصالحات إلى الواجهة من جديد.

وإن كانت هذه الأوضاع لا تعتبر مبررًا مقنعًا لفصائل المعارضة للاستجابة لمساعي النظام، يبقى من حق الأهالي التساؤل عن جدوى اتفاقيات “تخفيف التوتر” وإيقاف المعارك، إن كانت هذه الاتفاقيات عاجزة عن إعطاء الأهالي أي أمل بمستقبل لا وجود لمصالحة النظام به.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة